لواء دكتور/ سمير فرج متابعة عادل شلبى بينما العالم كله في حالة ترقب في انتظار توقيع الاتفاق النووي الإيراني الأمريكي، حتى أن أحد المحطات الإخبارية العربية، تواصلت معي، لترتيب تواجدي في دبي، في صباح اليوم التالي لتوقيع الاتفاق، للمشاركة في اليوم الذي ستخصصه القناة، بالكامل، لمناقشة الاتفاق مع مجموعة من الخبراء؛ اثنان من الولايات المتحدة الأمريكية، أحدهما من الحزب الديمقراطي المؤيد للاتفاق، والثاني من المعارضين لإعادة الاتفاق مع إيران، من الحزب الجمهوري، ومن مناصري الرئيس الأمريكي السابق، ترامب، بالإضافة إلى خبير إيراني للحديث عن موقف بلاده، وآخر من الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ إذا بالموقف يتجمد، وتتغير التوقعات، ويتوقف قطار الاتفاق النووي، قبل محطته الأخيرة. يعرف الاتفاق النووي الإيراني بأنه اتفاقية دولية تم التوصل إليها في يوليو 2015 بين إيران ومجموعة 5+1 وهم الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، ونص الاتفاق على تقليص النشاطات النووية الإيرانية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران. وبعد وصول الرئيس ترامب للحكم، وتحديداً في يوم 8 مايو 2018، أعلن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من هذا الاتفاق، بل وزاد على ذلك إعلانه بفرض مزيداً من العقوبات الاقتصادية على إيران، لمنعها من الحصول على السلاح النووي. وقد عارضت أغلبية الدول الأوروبية، هذ القرار، إلا إسرائيل التي أيدت الانسحاب الأمريكي، وكذلك المملكة العربية السعودية، والإمارات. فور انسحاب الولايات المتحدة، من الاتفاق، سارعت إيران في اتخاذ التدابير لزيادة قدرتها النووية، فاستأنفت تخصيب اليورانيوم. وبوصول الرئيس جو بايدن، من الحزب الديمقراطي، إلى البيت الأبيض؛ قرر عودة بلاده لتنفيذ الاتفاق النووي (5+1) السابق، ولعب الاتحاد الأوروبي دور الوساطة بين إيران والولايات المتحدة من أجل تنفيذ الاتفاق، فوضعت إيران بعض الشروط للعودة للاتفاق النووي، كان أبرزها رفع الحرس الثوري الإيراني من قوائم الإرهاب، وكان الشرط الإيراني هو ضمان سريان ونفاذ الاتفاق، حتى وإن تغيرت الإدارة الأمريكية، وذلك في ظل الدستور الأمريكي الذي لا يخول ذلك التحصين إلا للمعاهدات التي يصدق عليها الكونجرس الأمريكي، بينما في حالة الاتفاقات، مثل ذلك الاتفاق النووي، فيحق للرئيس الأمريكي إلغاؤه، أو الاستمرار فيه. ومن جانبها أثارت الولايات المتحدة نقاط ثلاث؛ أولها ضرورة أن يتضمن الاتفاق الجديد تقليص برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية، التي يصل مداها، الآن، إلى حدود دولة اليونان، وما يشكله تطويرها، من تهديد لكافة الدول الأوروبية. كما طلبت الولايات المتحدة وقف الدعم الإيراني للمنظمات والحركات الإرهابية، في الشرق الأوسط، ويقصد بها حزب الله في لبنان وسوريا، ومنظمة الحشد في العراق، والحوثيون في اليمن، في ظل ما تمثله هذه المنظمات من تهديد لاستقرار المنطقة، وما تشكله الأخيرة من تهديد مباشر لعدد من الدول، مثل السعودية والإمارات. أما ثالث الشروط الأمريكية، فكان ضرورة انصياع إيران للرد على مطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فيما يخص وجود آثار لليورانيوم في مناطق خارج المناطق النووية الإيرانية المسموح بها، وهو ما رفضته إيران، بدعوى أنها بصدد العودة للاتفاق السابق، دون فرض بنود جديدة، بالإضافة لما في ذلك من مساس بالسياسة الخارجية الإيرانية، في المنطقة، ومتطلبات أمنها القومي. جدير بالذكر أن المطالب المطروحة من الجانبين، الأمريكي والإيراني، تعتبر وسائل ضغط في المفاوضات، للتوافق على بعضها، في مقابل التنازل عن البعض الآخر، بما يحقق مكاسب للطرفين، والتي تتمثل على الصعيد الإيراني في مكاسب اقتصادية، بالأساس، إذ أن التوقيع على الاتفاق النووي الجديد، يضمن لإيران رفع الحظر عن نحو 100 مليار يورو، من أموالها المجمدة في الخارج، وهو ما سيساهم في إخراج إيران من أزمتها الاقتصادية، الحالية، والتي أوصلت الشعب لدرجة من الغليان، بما قد يدفعه إلى الثورة على حكومته. كما أن الاتفاق سيسمح لإيران ببيع النفط، في الأسواق العالمية، بدلاً من تهريبه بسعر بخس، وهو ما من شأنه إنعاش الاقتصاد الإيراني. أما على الجانب الأمريكي، فيستهدف الرئيس الأمريكي، جو بايدن، تحقيق مكاسب سياسية، لضمان دعمه قبيل الانتخابات النصفية القادمة، كما يرمي الحزب الديمقراطي إلى توسيع قاعدته السياسية، من خلال إتاحة النفط الإيراني في الأسواق الاقتصادية العالمية، بما يقلص، أو يقضي، على الاحتكار الروسي لمصادر الطاقة، الذي أنهك قوى الدول الأوروبية، وصار يشكل تهديداً جسيماً عليها مع اقتراب فصل الشتاء. وتبقى إسرائيل في موقف المعارضة المعلنة، وفق تصريح وزير دفاعها، بأن إسرائيل غير مُلزمة بهذا الاتفاق، وأنها لن تسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي، وستتخذ في ذلك ما يلزم من إجراءات للحيلولة دون وصول إيران لأهدافها. ويبقى أنصار الحزب الجمهوري الأمريكي معارضون للاتفاق، مدعومين بوجهة النظر، التي ترى في حصول إيران على الأموال، سبيلاً لها لدعم العناصر الإرهابية، في المنطقة، مثل حزب الله والحوثيين. ومع ذلك تستمر المفاوضات، بوساطة أوروبية، للوصول لاتفاق، خاصة وأن إيران قد تنازلت عن الكثير من مطالبها، وأهمها عدم إدراج الحرس الثوري على قوائم الإرهاب. وفي الأسبوع الجاري، أعلنت إيران إرجاء الرد على الاشتراطات الأمريكية لعدة أسابيع، مستهدفة بذلك دخول فصل الشتاء على أوروبا، بما يمنحها ميزة إضافية للضغط أثناء التفاوض، في ظل وضوح التعطش الأوروبي لإيجاد بدائل للنفط الروسي قبل حلول فصل الشتاء القارس، لنتابع حينها إذا ما كان القطار سيتحرك إلى محطته النهائية.