لواء دكتور/ سمير فرج متابعة عادل شلبى تُداولت في الآونة الأخيرة عدة أخبار عن اشتراك مصر فيما يعرف بحلف الناتو العربي … وبداية أود أن أوضح للقارئ الكريم أن كلمة “ناتو”، أو “NATO”، هي اختصار “North Atlantic Treaty Organization”، أي “منظمة حلف شمال الأطلسي”، وهي تلك المنظمة العسكرية المؤسسة عام 1949، وتم التوقيع عليها في واشنطن، عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، بهدف تشكيل قوة عسكرية في مواجهة “حلف وارسو”، المدعوم من الاتحاد السوفيتي، السابق. يقع مقر حلف الناتو في بلجيكا، ويضم بين أعضاؤه 30 دولة، يُتوقع أن يرتفع عددهم بعدما تقدمت كل من فنلندا والسويد، بطلب الانضمام إليه، حديثاً، رداً على الحرب الروسية-الأوكرانية. أما الحلف العربي المزعوم، الذي تم طرحه، أولاً، في وسائل الإعلام الغربية باسم “MESEA”، اختصاراً لاسم “Middle East Security & Economy Alliance”، أي “تحالف الشرق الأوسط للأمن والاقتصاد”، فقد زعمت المصادر أنه يضم في عضويته 10 دول؛ هي الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، وهم السعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر وعمان، بالإضافة إلى مصر والأردن وإسرائيل وأمريكا. ومع الأسف انجرف البعض وراء تلك الأخبار، التي لا تتعدى كونها “بالونة اختبار”، أطلقها المستفيدين منها، للتعرف على رأي الشعوب، من فكرة انضمام دولهم لحلف مشترك ذو أغراض عسكرية، واقتصادية، أو لاستخدامهم كأدوات ضغط على إدارات الدول الرافضة لذلك النهج. فكانت مصر أول من بادر بإعلان رفض تلك الفكرة، شكلاً وموضوعاً، مؤكدة على استراتيجيتها وسياستها، الراسخة، بعدم الاشتراك في أية أحلاف، أياً كان نوعها، سواء كانت سياسية أو عسكرية أو اقتصادية. تلك السياسة التي تتبناها مصر منذ عهد الرئيس عبد الناصر، في خمسينيات القرن الماضي، عندما رفض الانضمام إلى حلف بغداد، آنذاك. والسؤال هنا للقارئ، ما هو سبب رفض مصر الانضمام لأي حلف عسكري؟ وأبسط إجابة على ذلك التساؤل المشروع، هو أن انضمام مصر لتحالف عسكري، يقتضي سماحها بوجود قواعد عسكرية لباقي أعضاء الحلف على أراضيها، تماماً مثلما يحدث بين دول حلف الناتو، فتجد للولايات المتحدة قواعد عسكرية، وقوات متمركزة، في معظم دول حلف الناتو، مثل “قاعدة أنجرليك”، في تركيا، التي تحتوي على 50 رأس نووي، منذ عهد الاتحاد السوفيتي السابق. كما أن الانضمام للأحلاف العسكرية معناه فتح خزائن المعلومات العسكرية لباقي الدول الأعضاء، ولما كانت مصر ترفض وجود أي قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها، أو الإفصاح عن أسرارها العسكرية، لأثر ذلك على أمنها القومي المباشر، فكان لابد وأن تتمسك برفضها الانضمام لأي حلف عسكري. وهنا قد يتبادر للأذهان سؤال عن دور مصر في الدفاع عن أشقائها العرب، إعمالاً لما أكد عليه، وكرره، السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، مستخدماً اصطلاح “مسافة السكة”، ولأولئك المتسائلين، من غير أهل التخصص، أوضح أن ذلك الدور يتم من خلال اتفاقية الدفاع المشترك لجامعة الدول العربية، التي تم التصديق عليها عام 1951، ويتعهد فيها أعضاء جامعة الدول العربية، على حماية وصيانة أمن وسلام الدول الأعضاء، باعتبار أن أي اعتداء مسلح على أية منهم هو اعتداء عليهم جميعاً. وقد تضمنت اتفاقية الدفاع المشترك لجامعة الدول العربية، تشكيل لجنة عسكرية دائمة، من ممثلي هيئة أركان حرب الجيوش العربية، لتنظيم خطط الدفاع المشترك، واتخذت من القاهرة مقراً دائماً لتلك اللجنة العسكرية. والحقيقة أن جامعة الدول العربية قد بذلت الكثير من الجهد، لتوحيد المفاهيم والمصطلحات العسكرية بين جيوش دولها الأعضاء، وركزت على ضرورة تنفيذ العديد من التدريبات العسكرية المشتركة بين أعضاء دول الجامعة العربية. ولقد كانت حرب تحرير الكويت أبسط مثال على ذلك، ولأجلها تم تشكيل القوة العربية الموحدة، التي سميت باسم “درع الصحراء”، وكان قوامها قوات عسكرية عربية من ثمان دول؛ هي السعودية ومصر والبحرين والكويت وعمان وقطر والإمارات وسوريا، تحت قيادة الفريق خالد بن سلطان، واتخذت من السعودية أرضاً لعملياتها، إذ كان حجم القوات المسلحة السعودية المشاركة هو الأكثر عدداً بين القوات المسلحة العربية المشتركة، آنذاك. ولعل ذلك يوضح الصورة للقارئ، إذ أن عدم انضمام مصر لتحالفات عسكرية، لا يخل من اضطلاعها بدورها في الدفاع عن أشقائها العرب، والذي تنظمه اتفاقية الدفاع المشترك لجامعة الدول العربية. ورغم وضوح، وثبات، استراتيجية مصر من عدم الانضمام للأحلاف، خاصة العسكرية، إلا أن ذلك لم يمنع العديد من الدول من الاستمرار في محاولة إقناع الإدارة المصرية بالسماح لها بإنشاء قواعد عسكرية على الأراضي المصرية، حتى أن بعضهم قد قدم الكثير من الإغراءات المالية، وعرضوا أن تكون تلك القواعد محددة المدة، ولتكن مدتها عشر سنوات، على سبيل المثال، مثلما عرضت أحد الدول الأجنبية مقابل إقامة قاعدتها العسكرية في منطقة البحر الأحمر عند حدود مصر الجنوبية، إلا أن الرفض المصري قاطعاً وحاسماً في هذا الشأن. لقد بذلت مصر، وقواتها المسلحة، كل غال ونفيس، لمقاومة كافة أشكال التدخل الأجنبي، ولازالت تفخر باحتفالها بذكرى 18 يونيو 56، برحيل آخر جندي أجنبي، من فوق ترابها، بعد احتلال بريطاني جثم عليها لمدة 72 عاماً، ولن تسمح، اليوم، بوجود قواعد عسكرية على أرضها، ولن تحيد استراتيجيتها … وستبقى مصر دائماً حرة تحت حماية جيشها العظيم.