لواء دكتور/ سمير فرج متابعة عادل شلبى تُعرّف الحروب، وفقاً للمفاهيم العسكرية، إما بالحروب التقليدية “Conventional Warfare”، كناية عن استخدام الأسلحة التقليدية فيها، مثل الدبابات والمدفعية والطائرات والغواصات وغيرها، وإما بالحروب النووية “Nuclear Warfare”، التي تستخدم فيها الدول المتحاربة السلاح النووية، الذي تمتلكه، حالياً، تسعة دول، يطلق عليهم اسم “أعضاء النادي النووي”، وهم، روسيا، والولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، والصين، وبريطانيا، والهند، وإسرائيل، وكوريا الشمالية، وأخيراً باكستان المُلقبة “بصاحبة القنبلة الإسلامية”، وسط محاولات إيران، الدؤوبة، للحصول، رسمياً، على عضوية النادي النووي. بدأ الجيل الأول، للحروب التقليدية، باستخدام الرمح والسيف والدرع والعجلات الحربية، فكان الجيش المصري، في عهد المصريين القدماء، أول جيش نظامي عرفه التاريخ، ويشهد على ذلك جدران المعابد الفرعونية، التي لازالت تكشف لنا كل يوم عن بطولة جديدة من بطولاته. ثم اخترع الصينيون البارود، لاستخدامه في الاحتفالات، فاستغله العالم لاختراع البندقية والمدفع، التي ظهرت في حروب نابليون، لتؤرخ للجيل الثاني من الحروب. أما الجيل الثالث من الحروب التقليدية، فبدأ مع الحرب العالمية الأولى، باختراع بريطانيا للدبابة، واستخدامها في “معركة السوم”، وما تلاها من استخدام الطائرات الحربية والمدمرات والغواصات والصواريخ. والحقيقة أن الجيل الثالث من تلك الحروب قد شهد تطوراً مذهلاً، حتى وقتنا المعاصر، في مجال الأسلحة التقليدية، فظهرت الصواريخ الموجهة، والطائرات المسيرة بدون طيار، كما تم استخدام الأقمار الصناعية لجمع المعلومات، وتوجيه أعمال القتال. وكانت العمليات العسكرية التقليدية تستهدف إسقاط نظام الدولة المعادية، وفرض شروط الدولة المنتصرة، ومع هزيمة الجيش المصري في حرب 1967، وتدمير معظم أسلحته ومعداته العسكرية، فشلت إسرائيل في إسقاط الدولة المصرية، ولم تستطع فرض شروطها عليها، بسبب الشعب المصري العظيم، الذي ساند قواته المسلحة حتى تمكنت من إعادة تنظيم الجيش وتسليحه، حتى تحقيق النصر المبين في حرب 1973، وعندئذ ظهرت فكرة حروب الجيل الرابع، والتي لا تعتمد على دبابة ضد دبابة، أو طائرة ضد طائرة، ولكن أصبحت حرب موجهة ضد المجتمع والشعب بتشويش العقل البشر، لأنه بإسقاط الشعوب تسقط الدول، وتم تطويع التكنولوجيا الحديثة، والإنترنت تحديداً، كأداة لحروب الجيل الرابع، وحروب الجيل الخامس. وتمسكت حروب الجيلين الرابع والخامس بنفس الهدف وهو إسقاط الدولة المعادية، ولكن، في هذه المرة، من خلال تفكيك مفاصل الدولة، وهدم أركانها، بتدمير عقول الشعوب، بإفقاد المواطنين الإيمان بدولتهم وقواتهم المسلحة، والتشكيك في قدرة الدولة على توفير احتياجات مواطنيها، فيحدث التفكك داخل الدولة، وتحقق حروب الجيل الرابع والخامس أهدافها، بأقل الخسائر البشرية والمادية، مقارنة بالدخول في حرب تقليدية، التي تكلفها أرواح جنودها، وتكلفة معداتها الحربية. تعتمد هذه النوعية من الحروب، كذلك، على عدم الاضطرار لمواجهة غضب المجتمع الدولي، مثلما هو الحال في الحروب التقليدية، إذ لا يتم حصر ضحاياها في صورة أرواح وعتاد عسكري، ولنا في الحرب الروسية-الأوكرانية عبرة، تلك الحرب التي تواجه معارضة دولية عريضة، نتيجة للتدمير الكامل للمدن الأوكرانية، وتهجير الملايين من شعب أوكرانيا خارج بلادهم، وهو ما نتج عنه عقوبات دولية، انسحبت آثارها على كافة دول العالم، حتى العظمى منها. يعد من ضمن أدوات ووسائل حروب الجيلين الرابع والخامس، لتحقيق أهدافها، زرع أو تصدير الإرهاب للدولة، ليشعر المواطن بعدم الأمان، ويفقد الثقة في قدرة دولته على حمايته، وبالتالي في دولته نفسها. يضاف إلى ذلك الوسيلة الأكثر شيوعاً، وهي الحرب النفسية، التي تُشن ضد الدولة، باستغلال الأوضاع الاقتصادية العالمية، لنشر الشائعات والأكاذيب، الموجهة ضد دولة بعينها، للنيل من ثقة المواطن في دولته ونظام الحكم بها. كما يعتبر نشر المخدرات أحد هذه الأساليب المعمول بها في حروب الجيل الرابع والخامس، لإضعاف شباب الدول، لضمان القضاء على الحاضر والمستقبل. كما تعمل حروب الجيلين الرابع والخامس على نشر التراخي والتردي في مفاصل الدولة، من خلال إصدار الأوامر لمتابعيها، في الوزارات والهيئات، لتعطيل أعمال المواطنين، لخلق حالة عامة من الإحباط بينهم، تدعوهم للنقمة على الدولة، باعتبارها غير قادرة على السيطرة على النواحي الإدارية، لما فيه خدمة المواطن. ويعد إشعال الفتن الطائفية والدينية والعرقية، داخل الدولة، أحد الأدوات التي تعول عليها، هذه الحروب، لتفكيك مفاصل الدولة، فتجدها تشجع وتذكي النزاعات من تلك الصبغة، وكم من أمثلة شهدناها، ولا زلنا نشهدها، في محيطنا الإقليمي، وعلى مستوى العالم، لمساندة الحركات الانفصالية على أساس عرقي، أو ديني، ومع الأسف، لم ينتبه مواطنو تلك الدول للمخطط المُحاك لهم، فكانوا سبباً في انهيار دولهم بالكامل، وتغيير خريطة العالم. وفي سبيلهم لتحقيق أهدافهم، يعتمد القائمون على حروب الجيلين الرابع والخامس، على التمويل السخي، لتغذية كل روافدهم المنوط بها تنفيذ أوامرهم، ولعل أهما وسائل الإعلام، بعناصرها الأربعة؛ المرئي وهو التليفزيون والسينما، والمسموع ويُقصد به الإذاعة، والمقروء من صحافة ومجلات وغيرها، وحديثاً الإعلام الإلكتروني، القادر على نشر الإشاعات والأكاذيب وإيصالها إلى الملايين من البشر، في وقت قليل، من خلال ما يُعرف باسم “الكتائب الإلكترونية”، التي تتبع منهجاً علمياً قائم على اللوغاريتمات، لتوجيه أكاذيبهم وشائعاتهم، لقطاعات معينة بين المواطنين، علماً منهم بأن تلك الشرائح تضمن انتشار الشائعة، سواء عن عمد، أو عن غير علم، وهو ما يؤدي، مع الأسف، لتحقيق ذات الهدف. لقد أصبح التطور الهائل في وسائل تكنولوجيا العصر الحديث، سلاح ذو حدين، ما لم يتحرى المواطنون الدقة في مصادر أخبارهم، والهدف من انتشارها.