دكتور لواء سمير فرج متابعة عادل شلبى بدأ الشعب يتداول مصطلح “مركز قيادة الدولة الاستراتيجي”، وذلك عقب الزيارة التفقدية التي قام بها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، لمقر هذا المركز، في العاصمة الإدارية، والذي تم تصميمه وتأسيسه وفق أحدث نظم الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ووسائل المراقبة الأمنية، والنظم الذكية، في مجال القيادة والسيطرة. لقد كانت تلك المرة الأولى التي يسمع فيها الشارع المصري هذا المصطلح، وعليه فقد تلقيت أسئلة واستفسارات عدة، حول مفهوم ذلك المصطلح، وهو ما شرحته في بعض المداخلات التليفزيونية، ووجدت أنه قد يكون من المناسب تقديم شرح مبسط عن فكر هذا المركز الجديد، الأول من نوعه في الشرق الأوسط، والثالث على مستوى العالم. تم تأسيس أول مركز، على مستوى العالم، لقيادة الدولة الاستراتيجي، في الولايات المتحدة الأمريكية، على إثر أزمة الصواريخ الكوبية، التي كادت أن تجر الولايات المتحدة إلى حرب نووية ضد الاتحاد السوفيتي؛ تلك الأزمة التي استمرت أربعة عشر يوماً، وكان من نتائجها ظهور علم إدارة الأزمات في العالم، ومعه فكرة مراكز إدارة الأزمات، التي تطورت لتصبح مركز قيادة الدولة الاستراتيجي. وأذكر في إحدى زياراتي الرسمية للعاصمة الأمريكية واشنطن، ومعي اللواء أمين حسني، لزيارة مركز الشئون النفسية للجيش الأمريكي، التابع للبنتاجون، أن طلبنا زيارة مركز الدولة الاستراتيجي الأمريكي، فعلمنا أنه لا يسمح بدخول أي الأجانب لهذا المركز. أما المركز الثاني على مستوى العالم فيقع في العاصمة الروسية موسكو، ووفقاً لمعلوماتي المتواضعة، أن الشخصية الأجنبية الوحيدة التي قامت بزيارة هذا المركز هو السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، تلبية لدعوة الرئيس فلاديمير بوتن، التي وجهها للسيد الرئيس تقديراً لشخصه. ومع قرار إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة في مصر، قرر السيد الرئيس إنشاء مركز قيادة الدولة الاستراتيجي، ليكون الثالث عالمياً، والأول في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا … يحتوي المركز على عدد من المراكز الفرعية، أحدها لتنسيق أعمال الدولة، وآخر لتوحيد البيانات الاستراتيجية للدولة، الذي أراه المكون الأهم في تكوين هذا المركز، لما سيحتويه من بيانات عن الدولة المصرية في كافة التخصصات والاتجاهات، بما يعين متخذي القرار في الوصول للقرارات السليمة اعتماداً على البيانات السليمة. يضاف إليهم مركز التحكم في الشبكة الاستراتيجية للاتصالات، التي تمكن المركز الرئيسي من الاتصال المباشر بأي مكان في مصر، أو خارجها، بواسطة القمر الصناعي المصري، الذي يجري كافة الاتصالات بالصوت والصورة المباشرة. ولعل أدق مثال لذلك يوم القبض على أسامة بن لادن، تلك العملية العسكرية التي تابعها الرئيس الأمريكي، من ذلك المركز، على الهواء مباشرة، من خلال الأقمار الصناعية. أما مركز السيطرة على خدمات الطوارئ، ومركز التنبؤات الجوية، فيديرهما مجموعة من الخبراء المتخصصين لتقديم العون في عملية اتخاذ القرار على المستوى الاستراتيجي. يعتبر “مركز قيادة الدولة الاستراتيجي”، المركز الرئيسي لاستقبال نتائج مراكز إدارة الأزمات ومراكز دعم القرار في كل وزارات وهيئات وجهات الدولة الرسمية، ليتولى ذلك المركز تحليل كافة البيانات، ودراسة السيناريوهات المختلفة لأي حدث والنتائج المتوقعة لكل منها. ومثال لذلك حدث استراتيجي في وزارة الري في حالة حدوث شرخ في قناطر نجع حمادي، يجب أن يكون هناك عدة سيناريوهات كاملة معدة سلفاً للتعامل مع ذلك الحدث. يعمل ذلك المركز بفكر استباقي، فلا ينتظر وقوع الحدث للتعامل معه، وإنما يعد عدد من السيناريوهات المحتملة، والمرنة، القادرة على التعامل مع الأمور الطارئة، والقابلة للتنفيذ فور حدوث الأزمة، بعد مراجعتها مع الوضع الحقيقي وقت حدوث الكارثة، واتخاذ القرار المناسب بشأنها. تعمل تلك المنظومة المتكاملة من خلال شبكة قواعد بيانات موزعة Distributed Databases، أو شبكة عنكبوتية تربط البيانات الموزعة بشبكة اتصالات مؤمنة مشفرة على أعلى المستويات أو كما يطلق عليها، حالياً، Computing Cloud أو الحوسبة السحابية، وهو ما يجب معه التأكيد على ضرورة تحديث وسائل الحماية الخاصة بتأمين ذلك الحجم الهائل من المعلومات، سواء أثناء التخزين، أو التبادل، في ظل التقدم الهائل في مجال اختراق هذه الشبكات. إن علم إدارة الأزمات والكوارث الذي يدرس الآن في جميع المعاهد العسكرية والاستراتيجية في العالم يؤكد على ضرورة وجود مراكز لإدارة الأزمات على مستوى الوزارات والإدارات التنفيذية لأي دولة، لذلك عندما يتم إنشاء مثل هذا المركز على المستوى الاستراتيجي لقيادة الدولة، فهو إنجاز لابد وأن نفخر به خاصة مع التطور الذي حدث في وسائل الاتصال والحاسبات والتحول الرقمي في إنشاء البنية التحتية. إن مصر تخطو بخطوات واسعة، وواثقة، في هذا الاتجاه لتكون الدولة الثالثة على مستوى العالم في إنشاء هذا المركز الذي سيكون له تأثير مباشر على إدارة الحياة في مصر، خاصة عند حدوث الكوارث والأزمات بفكر موحد على مستوى الدولة ككل، وليس أحد قطاعاتها، دون التنسيق مع الجهات ذات الصلة، مما سيؤثر إيجاباً على عملية اتخاذ القرار، بما فيه صالح مصرنا الغالية.