بقلم أ. د. جمال زهران متابعة عادل شلبى تأتي زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن في منتصف شهر يوليو/ تموز الحالي، إلى المنطقة العربية، والتي لم تستقرّ ملامحها النهائيّة بعد، لتمثل الركن الثاني من الاستراتيجيّة الأميركيّة بعد التدخل الروسي في أوكرانيا، بهدف إعادة ترتيب الوجود الأميركي في الإقليم العربي والشرق أوسطي. فالركن الأول من هذه الاستراتيجية هي الدفع بتصعيد الحرب في أوكرانيا، إلى حدّ الدفع بأوروبا لتكون الطرف الثاني في مواجهة روسيا، وتهلك الدولتان (روسيا ـ الاتحاد الأوروبي) ولا يتبقى سوى الصين كقوة عظمى، تستطيع أن تتفرّغ لها الولايات المتحدة بعد أن تفادت الاشتراك المباشر إلى حدّ الانغماس في حرب أوكرانيا، واحتفظت بقوّتها الشاملة كما هي. ولعلّ التوظيف السياسي للدولار المطبوع دون غطاء ذهب حقيقي، وذلك من خلال البنك المركزي الفيدرالي الأميركي، الذي يضع برنامجاً لزيادة سعر الفائدة شهرياً، وحتى نهاية هذا العام، الأمر الذي يؤثر على اقتصاديات العالم سواء في أوروبا، أو في الدول الآخذة في النمو، محافظة بذلك على قوتها الاقتصادية. وقد سبق تحليل ذلك من كافة الأبعاد، وليس معنى ذلك، أنّ الاستراتيجية الأميركية يمكنها أن تنجح أو تتحقق، ولا تفشل.
إنّ زيارة بايدن للإقليم، يكشف عن رغبة الولايات المتحدة في تحقيق العديد من الأهداف، لعلّ في مقدّمتها: إثبات اهتمام أميركا بالمنطقة العربية، والإفصاح عن تأكيد دعم الكيان الصهيوني أولاً، وتثبيت الوجود الأميركي في الإقليم كله، وتشجيع التقارب بين دول عربية ودول شرق أوسطية (إيران ـ تركيا)، فضلاً عن بسط النفوذ الأميركي في المنطقة واستعادة الحياة في العلاقات الأميركية بدول الإقليم الحلفاء سواء في مقدمتها دول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية. وفي الأخير فإن الهدف الأكبر هو دعم التقارب إلى حدّ الاندماج بين الكيان الصهيوني، ودول عربية حليفة لأميركا، بصورة علنية، وإلغاء السرية القائمة حالياً في العلاقات بين الدول الحلفاء العرب لأميركا، وبين الكيان الصهيوني.
وترى الإدارة الأميركية وفقاً للخطاب السياسي المعلن عبر مسؤولين أميركان، أن الآلية الملائمة في الوقت الحالي هي: إنشاء حلف جديد، جرى التسويق له إبان فترة حكم دونالد ترامب، كما تمّ الإعداد له بلقاءات موسعة خلال الأشهر الستة السابقة من (يناير/ يونيو)، أبرزها كان لقاء العقبة الذي تمّ تجميع عدة دول عربية (مصر ـ البحرين ـ الأردن ـ الإمارات ـ والكيان الصهيوني، وربما غيرها)، في مارس/ آذار الماضي، ثم أعقبته لقاءات عدة آخرها من أسبوعين، للتمهيد للإعلان عما تمّ التسويق له بمسمّى (الناتو العربي «الإسرائيلي»).
والسؤال هو: هل هناك إمكانية لنجاح هذه الاستراتيجية الأميركية في بعدها الثاني، المتعلق بإعادة ترتيب الإقليم على الهوى الأميركي/ الصهيوني، وبما يحقق مصلحتها الحالية والمستقبلية وهدفها بعيد المدى وهو ضمان ضخ مصادر الطاقة (البترول والغاز)، خاصة من الإقليم، حتى لا تصبح أميركا دولة من الدرجة الثانية وغير جاذبة، وألا تصبح جنة الموعودين بمستقبل أفضل ومضمون، فضلاً عن استمرار المجتمع الصناعي دون توقف لتظلّ أميركا هي الدولة القوية والمسيطرة عالمياً؟!
الإجابة على هذا السؤال الاستراتيجي الكبير، بالنفي أو الإيجاب، أيّ بالقدرة على التحقيق أم العكس أيّ الإخفاق، يواجه مصاعب صعبة بلا شكّ! لكن علينا أن نسلم أنّ الولايات المتحدة تمتلك من إمكانات القوة، الأمر الذي يحول دون تدهور مكانتها بسرعة، ولعلّ موقعها الجغرافي وبُعدها عن مركز التفاعلات والحروب الإقليمية، بل وحتى العالمية، يجعل عمرها أكبر من القوى الموجودة في قلب العالم القديم. لكن في الوقت نفسه فإنّ مؤشرات تراجع القوة والمكانة لأميركا، يلوح في الأفق، وتجسد في الواقع العملي بلا شك. وقد بدا لكلّ ذي عينين أنّ أميركا تواجه الفشل في كلّ يوم، وترتب عليه انسحابات من المناطق المؤثرة في النظام العالمي، مجبرة، وليست مخيّرة!
ومن مؤشرات ذلك: الانسحاب الأميركي من أفغانستان بعد (20) سنة احتلال (2001 – 2021)، وتسليم السلطة لجماعة (الطالبان)، التي كانت رمزاً للإرهاب وسبب الغزو الأميركي لأفغانستان، وتكبّدت أميركا خسائر بلغت حسب ما ورد على لسان الرئيس (بايدن)، (2) تريليون دولار!
ويعني الانسحاب الأميركي من أفغانستان، إعادة تموضع لقواتها العالمية، في الوقت الذي تقع فيه أفغانستان بين روسيا في الشمال، والصين الشرق، مما يعني الهروب من المواجهة مع العدو المقبل، ممثلاً في الصين وروسيا! وهو انكسار وهزيمة لأميركا!
كما أنه قد بدا أنّ أميركا تواجه خسائر ورفضاً شعبياً، بل ورسمياً من شعوب المنطقة وبعض نظمها، مما قد أفصح عن انسحاب أميركا من الإقليم، سواء من سورية أو العراق على وجه الخصوص، ومحدودية الفعالية مع دول الخليج تحت تأثير أجندة بايدن بإعطاء أولوية لحقوق الإنسان!
فضلاً عن التدهور الحادث في العلاقات الأميركية مع دول القلب العربي، في مصر والسودان وليبيا والجزائر وتونس، مما يؤكد انسحاباً أميركياً من الإقليم، وقد تعذر ذلك مع نشر وباء كورونا وتعرّض الاقتصاد الأميركي للانكشاف والتدهور، وانعكاسه في تدنّي مستويات المعيشة للأميركيين، وهو أمر لم يكن متوقعاً أبداً!
وقد أدّى التدخل الروسي في أوكرانيا، وفشل سياسات العقوبات الاقتصادية التي تعدّت الألف قرار من أميركا وأوروبا، وازدادت روسيا قوّة فوق قوّتها، وعناداً وإصراراً فوق ما كان قائماً، إلى إعادة صياغة الاستراتيجية الأميركية مرة أخرى، والعمل على محورين كما أشرنا. ومن هنا تأتي زيارة الرئيس الأميركي (بايدن)، لتعزيز الحضور الأميركي في الإقليم، وفي القلب الكيان الصهيوني، بخلق تحالف أمني تحت قيادة (إسرائيل)، إلا أنّ الفشل سيكون من نصيب بايدن، وهو ما قد يكون مقدمة لخسارته في الانتخابات المقبلة عام 2024، في الوقت نفسه تكريس النظام الدولي الجديد بالتعددية، بديلاً عن الأحادية، ولهذا حديث مقبل… أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة.