منذ إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بدء العملية العسكرية في أوكرانيا كانت القراءات العسكرية كافة تدلُّ على أن كييف ستسقط خلال ساعات وربما أيام في القبضة الروسية في المقابل كانت القراءات المالية تشير الى أن روسيا وعملتها ستواجهان انهياراً اقتصادياً كبيراً.
لكن وبعد أربعة أشهر من الحرب تبيّن أن الجنرالات خذلوا آمال الرئيس الروسي الذي شعر بنشوة النصر من الجنرال المالي الذي أثبت جدارته في إدارة المعارك بدهاء.
هذا الجنرال هو تلك المرأة التي قالت عنها الصحافة الغربية إنها تشترك مع رئيس بلادها بصفات ثلاث هي العُند والدقة وكثرة التطلب.
شغلت محافظة البنك المركزي الروسي إلفيرا نابيولينا اهتمامات الصحافة المحلية والعالمية فوصفت بالعبقرية والمقاتل الشرس الذي يحاول إنقاذ اقتصاد خضع لأكثر من 5500 عقوبة.
تخرجت نابيولينا في جامعة موسكو الحكومية عام 1986 ثم شقت طريقها من خلال اتحاد العلوم والصناعة ووزارة التنمية الاقتصادية والتجارة والعمل المصرفي ليتم تعيينها عام 2000، وزيرة للتنمية الاقتصادية والتجارة.
أدخلها بوتن بعد انتخابه رئيساً لولاية ثالثة في عام 2012 إلى الكرملين وجعلها مستشارة للشؤون الاقتصادية في 2013 ثم عينها محافظًة للبنك المركزي ورشحها لولاية ثالثة في 18 مارس 2022، في خطوة تدل على أنه راضٍ تماماً عن عملها.
أثارت نابيولينا إعجاب المجتمع المصرفي العالمي ورحب بها المصرفيون لاتخاذها موقفاً قوياً في القطاع المصرفي الروسي بين عامي 2013 و2017. فإثر تسلمها لمنصبها الجديد لجأت نابيولينا إلى تحرير سعر صرف الروبل عام 2014 في خطوة وصفتها بـ الصعبة والمؤلمة ولكن ضرورية.
في الوقت ذاته شددت نابيولينا الرقابة على المؤسسات المالية في البلاد وطاردت المصارف التي كان لا يمكن المساس بها حيث ألغت نحو 300 ترخيص مصرفي منذ عام 2014، أي ما يقرب من خُمس المصارف الروسية.
أثبتت معظم هذه الإجراءات نجاعتها وجعلت من الممكن استقرار الوضع وتقليل تأثير العوامل الخارجية بشكل كبير على حالة الاقتصاد في روسيا ما جعل نابيولينا أشبه بأبطال القصص الأسطورية حيث قالت عنها مجلة فوربس إنه عندما يغرق الروبل لا داعي للذعر فـ إلفيرا حاضرة.
وبرز نجم نابيولينا من جديد في الأيام الأولى للحرب الروسية الأوكرانية عندما اجتاحت الروبل موجة دامية من التراجعات وصلت إلى فقدانه ما يقرب من 60 في المئة من قيمته فقررت سيدة المعارك اتخاذ إجراءات سريعة لتهشيم عظام المنافسين وذلك عبر رفع سعر الفائدة من 9.5 في المئة إلى 20 في المئة لوقف نزيف سحب الأموال من البنوك.
كما فرضت على الشركات الروسية شراء الروبل بنسبة 80 في المئة من العملات الأجنبية ووضعت سقفاً للسحوبات والتحويلات للخارج بالعملات الأجنبية لكن الضربة القاضية لمفعول العقوبات أتت بالطلب من الدول غير الصديقة دفع ثمن الطاقة الروسية المصدرة بالروبل.
وهذه الخطة بالتحديد أعادت الروبل إلى المستوى الذي كان عليه عند بدء الحرب في الرابع والعشرين من فبراير 2022.
ورغم أن البنك المركزي الروسي لم يستطع التصرف بنحو نصف احتياطياته المالية التي تبلغ 609 مليارات دولار بسبب العقوبات فإن خطة نابيولينا بإدارة ظهرها للدولار والتي بدأت بتنفيذها منذ 2014 عبر تنويع الأصول الروسية وتوزيعها في العديد من الاقتصادات مكّنت روسيا من تسديد ديونها رغم العقوبات التي تتعرض لها.
رغم النفوذ الذي تمتلكه بفضل منصبها وقربها من الرئيس الروسي بوتن فإن إلفيرا نابيولينا هي شخص متواضع قريب من الناس والإعلام. ولذلك فإن اهتمامات الناس والإعلام بـ إلفيرا لا تنحصر بالشق المهني فقط بل هي تتعدى ذلك لتتحرى عن عمرها الذي يبلغ 58 عاماً وطولها الذي يصل إلى 165 سم ووزنها الذي لا يزيد عن 66 كلغ.
وهذا الاهتمام الكبير بشخصيتها دفع بـ إلفيرا الى توظيف الملابس والإكسسوارات التي ترتديها كوسيلة إضافية لإيصال مؤشرات ورسائل اقتصادية بعينها.
ففي إحدى المرات ارتدت محافظة البنك المركزي الروسي دبوساً على شكل كسارة البندق ولم تفسر نابيولينا ما يرمزه هذا البروش وهذا ما دفع بالمحللين للبحث عن حل للمعضلة.
وفي ظهورها الأول بعد بداية حرب بلادها على أوكرانيا أطلت نابيولينا متشحة بالسواد وأثار ظهورها بهذا الشكل العديد من التكهنات في حين أنها التزمت الصمت مكتفية بما قالته في السابق عن أن مثل هذه الإشارات لا يقرؤها الجمهور عادة بوضوح.
يمكن القول إن إلفيرا نابيولينا هي الجنرال الوحيد الذي لم يخذل الرئيس الروسي في أيام السلم والحرب. كما أنها نجحت وعلى مدى سنوات عملها في إعداد بلادها للتعامل مع اقتصاد العقوبات ما مكّن روسيا من استعادة زمام الأمور المالية بسرعة إثر اجتياحها أوكرانيا.
ولو أراد الرئيس الروسي فلاديمير بوتن وضع لائحة بالشخصيات التي كان لها الفضل في مؤازرته من أجل تحقيق مشروع روسيا العظيمة فمن المؤكد أن إلفيرا نابيولينا ستحتل مركزاً مهماً في القائمة