تترقب الأوساط السياسية والحزبية في مصر انطلاق الحوار الوطني، الذي دعا له الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال خطاب في نهاية أبريل الماضي. وبدأت الأكاديمية الوطنية للتدريب، المكلفة بتنظيم الحوار، إرسال الدعوات إلى رؤساء أحزاب وسياسيين وشخصيات عامة للمشاركة.
ولم تحدد الأكاديمية، التي تتبع رئاسة الجمهورية، أجندة الحوار، لكنها تعهدت بإدارته بـ”تجرد وحيادية تامة“، بالتنسيق مع جميع التيارات السياسية الحزبية والشبابية. وأكدت في بيان أصدرته الثلاثاء الماضي، أنها ستعتمد مبدأ توسيع قاعدة المشاركة في الحوار، عبر دعوة جميع ممثلي المجتمع المصري بجميع فئاته ومؤسساته بأكبر عدد ممكن، لضمان تمثيل جميع الفئات في الحوار المجتمعي، وتحقيق الزخم الحقيقي والمصداقية. ما يدشن “مرحلة جديدة في المسار السياسي للدولة المصرية”.
وأضافت الأكاديمية، أنها ستراعي “التنوع في أماكن عقد جلسات الحوار” لتشمل معظم مناطق مصر، ، وقالت إنها ستحرص على إجراء الحوار بما يتماشى مع طموحات وتطلعات القيادة والقوى السياسية المختلفة، ليكون خطوة تساعد على تحديد أولويات العمل الوطني، “تدشن لجمهورية جديدة تقبل بالجميع ولا يمكن فيها أن يفسد الخلاف في الرأي للوطن قضية”، وهو التعبير الذي استخدمه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال خطابه في حفل إفطار الأسرة المصرية، الذي شهد الدعوة للحوار.
وحددت الأكاديمية دورها خلال الحوار في “التنسيق بين الفئات المختلفة المشاركة في الحوار من دون التدخل في مضمون أو محتوى ما يتم مناقشته، من أجل إفساح المجال أمام حوار وطني جاد وفعال وجامع لجميع القوى والفئات”، مؤكدة أنه سيتم تشكيل لجنة مشتركة حيادية من مراكز الفكر والرأي تكون مهمتها تجميع مخرجات الحوار الوطني في وثيقة أولية موحدة متفق عليها من جميع القوى والفئات المشاركة، يتم رفعها إلى رئيس الجمهورية، تنفيذاً لتكليف السيسي، الذي تعهد بأن يحضر الجلسات الختامية للحوار الوطني وأن ترفع له مخرجات الحوار.
شروط مسبقة
ووضع عدد من الأحزاب والقوى السياسية تحت اسم “الحركة المدنية الديمقراطية” شروطاً للمشاركة في الحوار الوطني، بأن يكون “جاداً وحقيقياً
وأن ينتهي لنتائج عملية توضع مباشرةً موضع التنفيذ”، واعتبروا أن ذلك يستلزم مجموعة من الإجراءات، على رأسها أن يكون الحوار تحت مظلة مؤسسة الرئاسة باعتبارها القادرة على تنفيذ ما سيتم التوصل إليه خلال الحوار، وأن يجري الحوار بين عدد متساو ممن يمثلون السلطة، وعلى الجانب الآخر المعارضة “التي لم تكن جزءاً من تلك السلطة ولا شريكاً لها”.
وضمت الحركة المدنية الديمقراطية شخصيات سياسية بارزة، مثل حمدين صباحي المرشح الرئاسي السابق، وأحزاب الكرامة والتحالف الشعبي الاشتراكي والدستور، وكذلك حزب المحافظين، الذي يرى الأمين العام له طلعت خليل، أن تلك الشروط هي “ضمانات لإنجاح الحوار”، ومحاولة لانتزاع إرادة السلطة لتحقيق النجاح لذلك الحوار، مشيراً إلى أن الضامن الحقيقي لذلك هو أن يكون الحوار بقيادة مؤسسة الرئاسة حتى وإن كان بعباءة الأكاديمية الوطنية للتدريب.
لكن رئيس حزب الغد رأى أن وضع شروط مسبقة للمشاركة في الحوار أسلوب مرفوض، لأن فيه نوع من التكبر، خصوصاً أن من يضعون الشروط، من دون أن يسميهم، ليس لهم دور من الأساس، مؤكداً أن على الجميع وضع الرؤى على مائدة النقاش للوصول إلى أفضل الحلول للتحديات التي تواجه مصر
ترحيب حزبي
دعوة الأكاديمية الوطنية للتدريب لاقت ترحيباً كبيراً من الأحزاب، حيث قال النائب حازم عمر، رئيس «حزب الشعب الجمهورى» عضو مجلس «الشيوخ»، إن دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى للحوار الوطنى «أمر مهم للغاية فى هذا التوقيت»، مشيرًا إلى أن نجاح هذا الحوار يمثل بداية للجمهورية الجديدة. ورأى، أنه «إذا فشل الحوار سيكون لطمة على وجه القوى السياسية والأحزاب، ومؤشر على أننا لم نصل إلى النضج الذى يؤهلنا للجمهورية الجديدة»، لافتًا إلى أن الحوار الوطنى يهدف للحفاط على الجبهة الداخلية وتحصينها لمواجهة تحديات التحريض والاستقطاب التى تشهدها البلاد. وشدد على ضرورة أن يبحث جميع المشاركين فى الحوار الوطنى عن القواسم المشتركة والبناء عليها، موضحًا أنه «فى حال تكريس الجهود لمناقشات الأمور الخلافية فسيتسبب ذلك فى تفريغ الحوار من مضمونه».
ومن ناحية أخرى أشاد حزب “حماة الوطن” بتوسيع قاعدة المشاركة، لتشمل تمثيل المجتمع المدني بجلسات الحوار، معتبراً ذلك خطوة مهمة تسهم في الاستماع لجميع القطاعات في الجمهورية الجديدة، التي تسمع الجميع وتستمع لجميع الآراء، كما أكد حزب “مستقبل وطن“، صاحب الأغلبية بغرفتي البرلمان، ترحيبه بالحوار، وأكد في بيان أنه “بالفعل تم توجيه كوادره وخبراته السياسية والمتخصصة في جميع المجالات لإعداد الرؤية المطلوبة لمصلحة الوطن والمواطن”.
وأعلن حزب “الوفد“، أقدم الأحزاب المصرية، قبول دعوة الأكاديمية الوطنية للتدريب، مؤكداً أنه يفتح مسارات للتفاعل المجتمعي حول جميع القضايا التي تستهدف بناء الجمهورية الجديدة. واعتبر رئيس حزب “التجمع” سيد عبد العال، أن تعهد الأكاديمية الوطنية للتدريب بإدارة الحوار بكل تجرد وحيادية، واقتصار دورها على التنسيق بين الفئات المشاركة دلالة مهمة على حسن النوايا، والاتجاه نحو حوار جاد وفعال “وتفويت الفرصة على كل المتربصين بالوطن، ممن يستهدفون تمزيقه والعبث بمقدراته”.
وشكل حزب “المؤتمر” لجنة لتلقي جميع المقترحات والرؤى من جميع أعضائه، وبدء العمل على وضع رؤية خاصة به حول ملفات الحوار، كذلك كلف حزب “الإصلاح والنهضة” لجنة بوضع رؤية لجميع الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الملحة وسبل مواجهتها، بينما أكد حزب “المصريين الأحرار” جاهزيته بملفات عديدة عن شتى المجالات “وفق رؤيته للإصلاح” بما يتضمن مقترحات قابلة للتنفيذ.
كما أشار حزب “العدل” إلى أنه منذ إعلان الرئيس السيسي الدعوة للحوار، بدأ العمل على جميع المحاور، التي يتبناها الحزب لطرحها ضمن أجندة الحوار، لتشمل جميع القضايا بمجالات الحريات المدنية والسياسية، والاقتصادية، خصوصاً ما يهم الطبقة المتوسطة المصرية والملفات الاجتماعية، وما تشمله من دعم الفئات الأولى بالرعاية، والإصلاح الهيكلي، وفق بيان للحزب
مؤشرات إيجابية
قال رئيس الحزب “المصري الديمقراطي“، فريد زهران، إن الضمانة الوحيدة لنجاح الحوار الوطني هو حرص جميع أطرافه على نجاحه، وعلى رأسهم الداعي للحوار، وهي الدولة المصرية، لأنها “الطرف الأقوى في المعادلة”، ولفت في تصريحات صحافية إلى “مؤشرات إيجابية” لرغبة الدولة في إنجاح الحوار الوطني، مثل ظهوره وبعض المعارضين في وسائل الإعلام، مؤكداً أن الموضوع الأساسي للحوار هو الإصلاح السياسي.
وعقد تحالف الأحزاب المصرية، الذي يضم 40 حزباً، مؤتمراً في اليوم التالي لدعوة الأكاديمية الوطنية للتدريب، اتفقوا خلاله على أن أجندة الحوار يجب أن تتضمن قضايا الإصلاح الاقتصادي، ومواجهة التهديدات الخارجية للأمن القومي المصري، ووضع حلول لمشكلة البطالة والديون والنهوض بالتعليم والصحة ومواجهة مشكلة الزيادة السكانية ودعم المزارع، وفق ما نقلته وسائل إعلام محلية.
وأكدت تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين بدء العمل على جميع المحاور والملفات الخاصة بالحوار للتفاعل حول جميع القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي تستهدف بناء الجمهورية الجديدة.
كما رحبت حركة “6 أبريل” بالدعوة الرئاسية لإجراء حوار وطني جامع. وقالت في بيان، “ننظر ونسعى إلى مستقبل يشمل ويسع الجميع، يسود فيه السلام المجتمعي وتقبل الآخر، يرأب فيه الصدع ويجبر فيه الضرر من أجل مستقبل أفضل لجميع أبناء مصر، وننتظر خريطة الطريق المقترحة لعملية الحوار الوطني من أجل أن يكون الحوار مثمراً ودائماً ومستمراً”.
وكان الرئيس السيسي قد دعا نهاية أبريل الماضي، خلال “حفل إفطار الأسرة المصرية”، لإطلاق حوار وطني، مؤكداً أن الإصلاح السياسي كان دائماً محل اهتمام، لكن تم تأجيله نتيجة فرض وإعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي للإفراج عن المحبوسين، بعد سنوات مما وصفه بـ”تأجيل” فرضته أولويات أخرى. وقالت الأكاديمية الوطنية للتدريب في دعوتها، إن هذه الدعوة تأتي بعد أن “عبرت الدولة المصرية جميع التهديدات والمخاطر الأمنية، التي كانت تضعها في حالة استثنائية”.