د. وسيم السيسي متابعة عادل شلبى كتب الدكتور حسين عبدالبصير فى «المصرى اليوم» بتاريخ ١٦ مايو ٢٠٢٢ تحت عنوان: مَن حرق مكتبة الإسكندرية القديمة؟، قال: «كانت روايات حرق العرب لمكتبة الإسكندرية من اختراع أسقف مسيحى شرقى هو: أبوالفرجيوس، أو أبوالفرج، الذى ادعى الأكاذيب بعد مرور حوالى ستة قرون على فتح العرب لمصر، وتلقفت أوروبا تلك الأكاذيب وروجت لها بشدة… إلخ».. إلى هنا انتهى كلام الدكتور عبدالبصير.. والذى أحب أن أؤكده أن العرب أبرياء من حرق مكتبة الإسكندرية، كما هم أبرياء من أكذوبة بلوتارخ الخاصة بعروس النيل.
أول من زعم هذه الأكذوبة الخاصة بحرق مكتبة الإسكندرية على أيدى العرب هو عبداللطيف البغدادى فى كتابه: «الإفادة والاعتبار»، (كان طبيبًا، وقد وُلد سنة ٥٥٧ هجرية وتوفى ٦٢٧هـ)، عن عمر حوالى سبعين عامًا، ونقل عنه جمال الدين القفطى (كان طبيبًا من قفط بصعيد مصر، ٥٦٨هـ – وتوفى ٦٤٦هـ) فى كتابه: «إخبار العلماء بأخبار الحكماء»، ثم نقل عنهما أبوالفرج الملطى (المولود ٦٢٣هـ وتوفى ٦٨٣هـ عن عمر ستين عامًا، أى أنه ولد بعد ميلاد عبداللطيف البغدادى بـ٤٦ عامًا) فى «مختصر الدول».
لو قرأت مجلة الرسالة/ العدد ٢٧٦، ستجد الشيخ عبدالوهاب النجار يقول: «التبعة على عبداللطيف البغدادى وليس أبى الفرج الملطى، وهو الذى رمى بهذه القصة بغير سلطان أتاه، ولا من أى مصدر استقى، والظاهر أنه افترض أن عمرو بن العاص دمرها».
جدير بالذكر أن البغدادى جاء إلى مصر ٥٩٥هـ وأصبح شيخًا فى الأزهر. لقد دمر المسيحيون بكل أسف مكتبة السرابيوم فى الإسكندرية، كما دمروا التماثيل على اعتبار أنها وثنية، ولكن مكتبة الإسكندرية الكبرى دُمرت ٤٨ق. م، فى عصر يوليوس قيصر، كما دمرت المكتبة الصغرى فى عصر الإمبراطور أورليان ١١٨م، وكانت الكارثة الكبرى هى مصرع هيباتيا فى كنيسة قيصرون ٤١٥م، بالإسكندرية.
إذن لم تكن روايات حرق العرب لمكتبة الإسكندرية من اختراع أسقف مسيحى شرقى هو أبوالفرج الذى ادعى الأكاذيب، بل هو عبداللطيف البغدادى.
خطأ آخر وقعتَ فيه، قولك: «تلقفت أوروبا هذه الأكاذيب وروجت لها بشدة».. وهذا صحيح، ولكنك لم تذكر أن من برأ العرب من هذه الأكاذيب هم المؤرخون الغربيون، مثل إدوارد جيبون، أعظم مؤرخ فى العصر الحديث فى موسوعته: «اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها»، كما لم تذكر جوستاف لوبون عالم الاجتماع الفرنسى وقوله: «ليس من عادة العرب حرق الكتب، إنما هذه الأكذوبة التى ذكرها أبوالفرج الملطى أخذها عن جمال الدين القفطى (إخبار العلماء بأخبار الحكماء) والذى بدوره أخذها عن عبداللطيف البغدادى.
لم تذكر لنا يا دكتور عبدالبصير الدفاع المستميت لألفريد بتلر وكتابه «فتح العرب لمصر»، وكيف أن هؤلاء المؤرخين لم يشهدوا الحدث «حريق مكتبة الإسكندرية» ولكنها قصة مؤلفة »سماعى«، وقد يكون الهدف منها هو إظهار عمرو بن العاص وعمر بن الخطاب بأنهما ضد الكتب الوثنية!.
أما المتهم البرىء أبوالفرج الملطى، فهو لاهوتى وفيلسوف وعالم سريانى، وله مؤلفات منها: »مخزن الأسرار، تاريخ شامل، الصعود العقلى، شرح كتاب المجسطى، المفردات الطبية، زبدة الحكمة، كتاب فى الصرف والنحو، وأخيرًا مختصر الدول- وهو أشهر كتبه«.
وكما وقع المؤرخون العرب فى أكذوبة عبداللطيف البغدادى، كذلك وقعوا فى أكذوبة المؤرخ اليونانى بلوتارخ، الذى ادعى أن الفيضان امتنع سبع سنوات، فألقى الملك أجبتوس ابنته إلى النيل ولم يأت الفيضان، فألقى بنفسه إلى النهر منتحرًا!. وفند إدوارد جيبون، وإرنست رينان، وجوستاف لوبون، وألفريد بتلر هذه الأكذوبة، فلم يكن هناك ملك فى قوائم الملوك المصرية بهذا الاسم، وليس لهذه القصة أى سند تاريخى، كما أن مصر لم تعرف الأضاحى البشرية أو الحيوانية، بل كانت القرابين هى التى تقدم للإله.
والمؤسف أننا نرى حتى اليوم تأكيدًا لهذه الأكذوبة من دارسى التاريخ المصرى، بل الميديا السينمائية مثل فيلم: »عروس النيل»: لبنى عبدالعزيز ورشدى أباظة!.