ثلاث سنوات قضيتها في حرب اليمن، ضمن صفوف ضباط القوات المسلحة المصرية، قاتلت خلالهم فوق جبالها، وعلى سهولها، وبين قبائلها، في كل من صنعاء والحديدة والجوف ومأرب وعبس، موطن الفارس عنترة ابن شداد. وعدت من اليمن، محملاً بزخم من الأحداث والذكريات، بعضها غاية في الألم، نتيجة لاستشهاد العديد من أصدقائي وزملائي، والبعض الآخر جميل، بعدما تعرفت، عن قرب، على شعب اليمن، العربي، الأصيل، الطيب، صاحب المآثر والخصال الرائعة، الذي لا يستحق تلك الظروف القاسية، التي يمر بها الآن.
ونظراً لارتباطي بذكرياتي من اليمن، وارتباطي بشعبها المسالم، فقد بقيت متابعاً لجميع أحداثها، خاصة تلك التي تأججت، خلال السنوات الأخيرة، بعدما استولت “حركة أنصار الله”، على مقاليد الحكم في صنعاء، في 2015، تلك الحركة الدينية المسلحة، التي تأسست، في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، في مدينة صعدة بشمال اليمن، وعرفت باسم “جماعة الحوثيون”، نسبة لمؤسسها بدر الدين الحوثي، ويقودها، حالياً، ابنه، عبد الملك الحوثي. وقد صنفت المملكة العربية السعودية والإمارات وماليزيا والولايات المتحدة الأمريكية، وغيرهم، تلك الجماعة بأنها منظمة إرهابية.
فمع استيلاء الحوثيون على السلطة، انجرفت اليمن في حرب أهلية، نتج عنها تدهور الحالة السياسية والاقتصادية للبلاد، وأصبح شعبها يعاني الفقر والإهمال، حتى بلغت نسبة المجاعة بين الشعب اليمني أكبر نسبة في العالم، لا ينافسها عليها إلا الصومال. كما وثقت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قتل وجرح أكثر من 231 ألف مدني، في القتال منذ مارس 2015، وأكدت الأمم المتحدة في تقريرها أن الأزمة الإنسانية في اليمن وصلت لأقصى ما يتخيله البشر، في تاريخنا المعاصر.
ومع دخول الأزمة عامها السابع، تقدمت المملكة العربية السعودية، بمبادرة لإنهائها، برعاية مجلس التعاون الخليجي، وبإشراف الأمم المتحدة، للتوصل إلى حل شامل، يبدأ بوقف إطلاق النار، بين كل الأطراف المتصارعة، وعلى كل الجبهات، في اليمن، لمدة شهرين، قابلة للمد، مع ضرورة فتح مطار صنعاء للرحلات الجوية مع الخارج، وفتح ميناء الحديدة لاستقبال السفن، وخاصة المحملة بالوقود والطعام. ولقد أيدت مصر والإمارات والبحرين والكويت وباقي الدول العربية، وكذلك الأمين العام لجامعة الدول العربية لتلك المبادرة، كما أيدتها الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، والأمم المتحدة.
ولتحقيق السلام والاستقرار في اليمن، دعت المبادرة إلى تشكيل مجلس رئاسي، مكون من ثمانية أعضاء، برئاسة الوزير، السابق، رشاد العليمي، لاستلام السلطة من الرئيس اليمني الشرعي، عبد ربه منصور، الذي وافق على تسليم سلطاته لذلك المجلس الجديد. كما يتولى المجلس سلطات نائب الرئيس، علي الأحمر، الذي أعفاه منصور من منصبه، على أن يضم المجلس معظم الأطياف الدينية، عدا الحوثيون، بالطبع، وتكون مهمته توحيد القوى اليمنية، والدخول في مفاوضات مع الحوثيين، المدعومين من إيران، لأجل التوصل إلى وقف الصراع الداخلي في اليمن.
وبعد وصول أعضاء المجلس الجديد لليمن، والانتهاء من مراسم حلف اليمين، بدأ إجراءاته لإعادة تنظيم شئون البلاد، على المستوى الداخلي، بعد الموافقة على ميزانية الدولة، مع التركيز على تحسين أوضاع التعليم، والرعاية الصحية، وتوحيد القوى العسكرية في البلاد، معتمداً، بقدر كبير في ذلك، على الدعم المالي الذي قدمته المملكة العربية السعودية، والإمارات، بمقدار 3 مليار دولار، لمساعدة سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليون نسمة، إذ سيخصص لدعم الأسر والعائلات المتضررة من المعارك، وعودة الأسر التي تركت منازلها بسبب الحرب، مع تحسين مستوى الخدمات الأساسية، ليبدأ المواطن اليمني في الشعور بإنسانيته، بعدما أنهكت الحرب قواه.
بعدها بدأ المجلس في تنظيم أولوياته، والتي كان على رأسها ملف تبادل الأسرى، فبادرت الإدارة اليمنية الجديدة بإطلاق سراح عدد من الأسرى الحوثيون المحجوزون لدى السلطات اليمنية، وفي انتظار أن تقوم جماعة الحوثيون بتسليم الأسرى اليمنيين المختطفين لدى ميليشياتهم، ليبدأ بعدها المباحثات الثنائية مع الحوثيين، والتي يعتبر من أصعب المهام، إقناعهم بالجلوس على طاولة المفاوضات، ثم الاتفاق على ضرورة وضع خارطة طريق لمستقبل اليمن، في ظل الاختلاف الصارخ بين أهداف الجانبين، التي ستؤثر على مسار المفاوضات.
وفي هذا الصدد، يرى البعض أن نجاح المفاوضات مرهون بالاتفاق النووي الإيراني، والذي سيتحدد على أثره استمرار إيران في دعم الحوثيين من عدمه، إذ بات من المعروف للعامة أن إيران هي مصدر الحوثيين للأسلحة، خاصة المتطورة منها، مثل الطائرات المسيرة بدون طيار، والصواريخ، والألغام البحرية، القادرة على عرقلة الملاحة في باب المندب والبحر الأحمر، حتى أن الولايات المتحدة خصصت عناصر من الأسطول الخامس لعمل دوريات مكثفة، في البحر الأحمر ومدخل باب المندب، لمنع أي محاولة لعمليات تخريب أو إعاقة للملاحة البحرية، في هذا الاتجاه الذي تمر منه نحو 30% من حجم التجارة والنفط العالمي.
وقد برق أمل جديد في التفاوض مع الحوثيين، بعدما وافقت الجماعة، في هذا الأسبوع، في بادرة طيبة على طلب الأمم المتحدة بإيقاف تجنيد الأطفال، كما وافقت على تفريغ الخزان صافر، وهي السفينة، أو وحدة تخزين النفط العائمة، المحجوزة أمام ساحل اليمن، في البحر الأحمر منذ ست سنوات، والتي تحتوي على 1,1 مليون برميل من النفط، وحذر مسؤولو الأمم المتحدة، من خطورة تسرب النفط منها في أي لحظة، وما سينتج عنه من كارثة بيئية، تهدد سواحل اليمن والسعودية ومصر والسودان.
ويبقى الأمل معقود على نجاح المجلس الرئاسي الجديد في إدارة البلاد، وتحقيق السلام، والاستقرار، ليعود اليمن السعيد بعد سنوات من تخييم الحزن عليه.