يتعرض المستشار الألماني أولاف شولتز لانتقادات من جهات داخلية وخارجية ولا سيما من جانب كييف لتحفظه على امداد أوكرانيا بأسلحة ثقيلة ومتطورة كدبابات ليوبارد الألمانية الصنع وتركيزه على الدعم المالي والإنساني عوضا عن ذلك لدعمها في مواجهة الهجوم الروسي.
أتت تصريحات شولتز الثلاثاء التي أكد خلالها أن المساعدات العسكرية التي يمكن تقديمها لأوكرانيا وصلت إلى الحد الأقصى لتصب الزيت على نار تلك الانتقادات.
حيث أكد المستشار الألماني أن برلين تبحث مع المصانع العسكرية في زيادة إنتاج الأسلحة لأوكرانيا لافتا إلى أنهم لم يرسلوا دبابات ليوبارد لأوكرانيا وأنهم سيرسلون بدلا عنها دبابات قديمة يستطيع الأوكرانيون تشغيلها والتعامل معها.
وكان الاستياء الأوكراني من الموقف الألماني قد وصل لحد اعلان الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير ضيفا غير مرغوب به في أوكرانيا حيث خلال زيارته للعاصمة البولندية وارسو في 12 أبريل الجاري صرح شتاينماير أن الرئيس البولندي أندريه دودا اقترح عليه أن يتوجه كلاهما بصحبة رؤساء دول البلطيق: ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا لكييف من أجل وضع وإرسال إشارة قوية للتضامن الأوروبي المشترك مع أوكرانيا.
وأضاف شتاينماير: كنت مستعدا لذلك لكن يبدو كما لاحظت أن هذا الأمر ليس مرغوبا في كييف.
ويرى مراقبون في تصريحات المستشار شولتز هذه علامة على أن برلين لن تمضي أبعد من ذلك في مد كييف بالمساعدات العسكرية وأن المستشار الألماني يبدو متمسكا بمقاربته للأزمة الأوكرانية القائمة على عدم التدخل والتورط عسكريا في الحرب المشتعلة منذ قرابة شهرين بين موسكو وكييف مع مواصلة الدعم السياسي والدبلوماسي والاقتصادي للجانب الأوكراني.
وتعليقا على ذلك يقول الباحث والخبير العسكري والاستراتيجي مهند العزاوي في حوار قال: ليس خافيا أن هناك عواصم مهمة في حلف الناتو تعارض تسعير الحرب الأوكرانية والايغال أكثر في تسليح كييف ومن أبرزها برلين حيث أن شولتز يتمايز عن المتطرفين ضمن الناتو الداعين للمزيد من التصعيد العسكري مع موسكو وهو يرى أن ألمانيا ليست طرفا في هذه الحرب وأنها لن تتدخل فيها.
ويضيف: هذه الحرب مثلت فرصة لشولتز بمعنى ما حيث بادر لتفعيل استراتيجية تعزيز قدرات ألمانيا الدفاعية والعسكرية ذلك أن الأزمة الأوكرانية أثبتت ضعف الناتو وعدم قدرته على الاستجابة للتحديات الأمنية حتى أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وصف الحلف الأطلسي بأنه نمر من ورق ولهذا فشولتز يعمل على تطوير قدرات بلاده دفاعيا ولا يريد استعداء موسكو عبر تزويد كييف بأسلحة فتاكة.
فإرسال الأسلحة الأوروبية لأوكرانيا يتابع الخبير العسكري والاستراتيجي: هو غالبا من باب رفع العتب كما هي الحال مع مساعدات ألمانيا العسكرية علاوة على أن العقيدة الأوكرانية في القتال هي عقيدة شرقية مناظرة ومماثلة للعقيدة العسكرية الروسية والأسلحة المرسلة في معظمها غربية ويحتاج الجيش الأوكراني بطبيعة الحال للتدرب مكثفا وطويلا عليها وفي هذا الصدد أعلنت واشنطن ابرامها اتفاقا مع كييف لتدريب العسكريين الأوكرانيين على استخدام الأسلحة التي ترسلها الدول الأطلسية لكن في ظل ضغط العمليات الحربية الروسية وتسارع وتيرتها خاصة مع بدء معركة الشرق الأوكراني الحاسمة فإن هذا التدريب لن يكون مجديا ولا يسعفه الوقت.
علاوة على أن العديد من دول أوروبا وليس فقط ألمانيا وفق العزاوي: ترى أن الانخراط في هذه الحرب سيرتد في المحصلة كارثيا عليها وعلى منظومة الاتحاد الأوروبي ككل ولهذا فالمستشار الألماني لديه رؤية سديدة وحكيمة في هذا الإطار وهو إلى جانب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يقودان هذا التوجه ضمن المنظومة الأوروبية والغربية عامة منعا لتوسع هذه الحرب لأنحاء أخرى من القارة العجوز.
بدوره يقول ناصر زهير، رئيس قسم العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي بمركز جنيف للدراسات: هذه التصريحات وكذلك رفض زيلينسكي قبل أيام لاستقبال نظيره الألماني في العاصمة الأوكرانية كييف هي مؤشرات اضافية على التباين بين الموقف الأوروبي الغربي والذي تتصدره برلين وباريس عن الموقف الأميركي من جهة وعن الموقف الأوروبي الشرقي من جهة أخرى في طريقة التعاطي مع روسيا والأزمة الأوكرانية حيث أن دول أوروبا الشرقية مثلا تسير في الفلك الأميركي وهي لا ترتبط بمصالح حيوية مع روسيا كما هي حال دول أوروبا الغربية التي ترتبط بعقود الغاز والطاقة الضخمة مع موسكو ولهذا فبلدان شرق أوروبا عامة لا تعطي الأولوية للمصالح الأوروبية بقدر اعطائها الأولوية لتحالفها مع واشنطن.
ويضيف زهير: وهكذا فالدول المحورية في الاتحاد الأوروبي وفي مقدمها فرنسا وألمانيا وايطاليا لن تتراجع عن تمايزها عن الموقف الأميركي عامة وخاصة حول الأزمة الأوكرانية وهي ستسير في طريقها هذا وبوتيرة أكثر جرأة ومبادرة في المرحلة القادمة نحو تكريس استقلالية القرار الأوروبي الذي يبتعد عن واشنطن.