القول في تأويل قوله : وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ يقول سبحانه وتعالى : وإن استأمنك من المشركين بعد إنسلاخ الأشهر الحرم أحدٌ ليسمع كلام الله منك وهو القرآن الذى أنـزله الله فأجره يقول: فأمّنه حتى يسمع كلام الله وتتلوه عليه ثم أبلغه مأمنه (يقول: ثم رُدَّه بعد سماعه كلام الله إن هو أبَى أن يسلم، ولم يتعظ لما تلوته عليه من كلام الله فيؤمن الى مأمنه يقول: الى حيث يأمن منك وممن فى طاعتك حتى يلحق بداره وقومه من المشركين (ذلك بأنهم قوم لا يعلمون) يقول: تفعل ذلك بهم من إعطائك إياهم الأمان ليسمعوا القرآن وردِّك إياهم إذا أبوا الإسلام الى مأمنهم من أجل أنهم قوم جهلة لا يفقهون عن الله حجة، ولا يعلمون ما لهم بالإيمان بالله لو آمنوا، وما عليهم من الوِزْر والإثم بتركهم الإيمان بالله( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره) قال: إنسان يأتيك فيسمع ما تقول، ويسمع ما أنـزل عليك، فهو آمنٌ حتى يأتيك فيسمع كلام الله, وحتى يبلغ مأمنه حيث جاءه)، خرج رسوله الله صلى الله عليه وسلم غازياً فلقى العدوَّ وأخرج المسلمون رجلاً من المشركين وأشرعوا فيه الأسنّة فقال الرجل: إرفعوا عنى سلاحكم وأسمعونى كلام الله ! فقالوا: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وتخلع الأنداد، وتتبرأ من اللات والعزى! فقال: فإنّى أشهدكم أنى قد فعلت.
ثم أبلغه مأمنه) قال: إن لم يوافقه ما تتلو عليه وتحدثه فأبلغه. قال: وليس هذا بمنسوخ. ولم تصحّ حجةٌ بوجوب حكم الله فى المشركين بالقتل بكل حال، ثم نسخه بترك قتلهم على أخذ الفداء ولا على وجه المنّ عليهم. فإذ كان ذلك كذلك وكان الفداء والمنّ والقتل لم يزل من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم من أول حرب حاربهم.