ترفض قوى الإطار التنسيقي في العراق تولّي دور المعارضة وفسح المجال أمام تحالف إنقاذ الوطن لتسلّم زمام المبادرة وتنفيذ مشروعه الهادف إلى تشكيل حكومة أغلبية سياسية.
وتمايزت الصفوف السياسية خلال الأيام القليلة الماضية حيث اتضح أن تحالف الصدر إنقاذ الوطن لا يمكنه تحقيق النصاب بمفرده حيث يمتلك بشكل فعلي نحو 150 نائبًا بينما تتطلّب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية ثلثي أعضاء المجلس (220 نائبًا).
ويسعى الصدر من خلال تحالفه الثلاثي مع الحزب الديمقراطي الكردستاني (31 مقعدًا) وتحالف السيادة (نحو 65 مقعدًا) إلى تشكيل حكومة أغلبية سياسية تتولّى مسؤولية إدارة البلاد للمرحلة المقبلة وعزل بقية الأحزاب في خانة المعارضة لممارسة دورها الرقيب على أعمال الحكومة.
ويتّضح من خلال تعليقات أعضاء في الإطار التنسيقي (تكتل سياسي يضم الأجنحة السياسية للفصائل المسلحة وأحزاب أخرى) خوفهم وقلقهم من تسليم الصدر زمام الأمور تحسّبًا لاستدارة عكسية قد تضعف نفوذهم أو تمارس تضييقًا عليهم على المستوى السياسي والعسكري.
ويبرز ملف شبهات الفساد والتورط في المال العام كأحد أسباب عدم رغبة قوى الإطار التنسيقي في تولّي دور المعارضة رغم أهميّة وعلوية هذا الدور في الممارسات الديمقراطية خاصّةً أن أغلب الأحزاب والفصائل المنضوية تحت جناح قوى الإطار تولت سابقًا إدارة الدولة في أغلب مفاصلها.
هنا يقول عضو الإطار وعد القدو في تصريح متلفز: إنهم يريدون تجريدنا من كل قوة تشريعية وتنفيذية وعقب وصولهم إلى السلطة سيتخذون بحقّنا عدة إجراءات.
في ذات السّياق يتحدَّث كُتّاب ومُحلّلون سياسيّون ضمن الأجواء العامة عن ضرورة تقديم تحالف إنقاذ الوطن ضمانات، لقوى الإطار التنسيقي، بعد تحريك أي ملفات ضدهم وذلك ضمن حديثهم عن التسويات السياسية بين الطرفين.
وتُطالِب قوى الإطار التنسيقي بتشكيل حكومة توافق يشترك فيها الجميع وذلك بعد خسارتها في الانتخابات النيابية وتحقيقها 17 مقعدًا فقط نزولًا من 48 مقعدًا كانت تلك القوى قد حصلت عليها خلال انتخابات عام 2018.
وإذا كان وجود تلك المجموعات المسلّحة في جسم الدولة بأشكال مختلفة فإن وصول تحالف إنقاذ الوطن قد يمهد لتخليص هذا الجسم من الزوائد التي علقت به خلال السنوات الماضية وهو ما يعني إضعاف نفوذ المجموعات المسلّحة التي كانت تستمدّ قوتها من الشرعية الممنوحة لها.
وتُسيطر تلك الفصائل على منافذ حدودية وأرصفة موانئ في العراق عبر الفساد والرشاوى التي تملأ خزائنها فضلًا عن التغلغل في مؤسسات الدولة وكسب الأموال عبر الابتزاز وبيع الوظائف والتحكم في التعيينات وصولًا إلى ممارسة التجارة وبيع الممنوعات وتهريب النفط.
كما تحصل تلك المجموعات على تمويلٍ من الدولة العراقية باعتبارها ضمن هيئة الحشد الشعبي التي تتلقى تمويلًا سنويًّا من الموازنة المالية وهو ما يضع تلك المكاسب على المحك في حال النأي بنفسها على المشاركة في الحكومة. ويرى المُحلِّل الأمني كمال الطائي أن الفصائل المسلّحة، وإن كانت تتمتع بقوة ونفوذ إلا أنها بحاجةٍ إلى شرعية دائمة توفّر لها الضمانات القانونية والغطاء الرسمي للتحرك، لذلك لجأت إلى زج بعضٍ من عناصرها ضمن هيئة الحشد الشعبي، وفي حال فتح مثل تلك الملفات فهذا يعني ضربة لنفوذها.
يرى الطائي في تصريح أن الذهاب نحو المعارضة يعني موتًا بطيئًا لتلك الفصائل وإضعافًا لقوتها لذلك تسعى إلى ضرورة إشراكها في الحكومة المقبلة ومنحها المناصب في السلطة التنفيذية وصولًا إلى السلك العسكري.
تكاد التجارب الماضية تعطي صورة واضحة عن سبب تلاشي بعض التجمعات السياسية إذ إنها تفقد قوتها لجهة عدم حصولها على مناصب سياسية مثل الوزراء أو المدراء العامين لإدامة مشروعها والبقاء ضمن الأجواء العامة.
ويبرز لدى الذّهن السياسي العراقي عدد من الأحزاب والتجمعات السياسية الكبيرة التي فقدت قوتها وتلاشت بشكل دائم بسبب عدم مشاركتها الفعلية في الحكومة وهو سيناريو تسعى أغلب الأحزاب إلى تجنبه.
يرى مراقبون للشأن العراقي أن العملية السياسية في العراق ليست مبنيّةً على أطر ديمقراطية وهدفها بناء المجتمع بل لها عنوان رئيس واحد هو مقدار ما تجنيه هذه الفعاليات السياسية من وجودها في الحكم وكلما ابتعدت عن السلطة قَلّ جمهورها. يرى سياسي ضمن قوى الإطار أن (تحالفنا) لديه شعبية واسعة فهو ليس حزبًا سياسيًّا بالمعنى المجرد ولا يمكن تكرار سيناريو عدة أحزاب عراقية تلاشت بمجرد ابتعادها عن السلطة والمشاركة السياسية خاصّةً أن الشخصيات المنضوية ضمن قوى الإطار تتبعها الجماهير لأفكارها ورؤيتها وليس لغرض آخر.
وأضاف السياسي الذي رفض الكشف عن اسمه أن قوى الإطار التنسيقي لا تخشى المعارضة لكنّها تريد دخول هذا المشروع وفق رؤيتها وليس جبرًا كما يسعى الآخرون إلى دفعنا نحوه وهو خيار وقفنا ضده على رغم إيماننا بشكل أوّلي بمشروع حكومة الأغلبية.