لواء دكتور/ سمير فرج
متابعة عادل شلبى
فور انتهاء الحروب، عادة ما تبدأ مراكز الدراسات، ومعها المحللين والمفكرين، في استنباط الدروس والعبر من نتائج تلك الحرب، إلا في هذه المرة، إذ بدأ تحليل الدروس المستفادة، منذ الأيام الأولى لاندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. ولعلنا نتذكر مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، التي انتهت بهزيمة ألمانيا، ضمن قوات المحور، مما جعلها ترضخ لجميع العقوبات المفروضة عليها من قوات الحلفاء، والتي كان من بينها عدم إنشاء جيش قوي، بل ولم يسمح لها، وإيطاليا واليابان، بامتلاك السلاح النووي.
وتعاقبت العقود، وتطورت الأحداث، وصارت ألمانيا عضواً في حلف الناتو، وتناسى الجميع أنها كانت، يوماً، عدو لدود للمعسكر الغربي، ولكن ظلت ألمانيا تحتفظ بجيش محدود العدد والعداد العسكري، وظلت تعتمد في تأمين بلادها على قوات حلف الناتو، ووجود القوات الأمريكية على أراضيها ضمن قوات الحلف. وهو ما دفع المستشارة الألمانية، السابقة، أنجيلا ميركل، أن تهرع إلى واشنطن، في اليوم التالي، لإعلان الرئيس الأمريكي، السابق، ترامب، أثناء فترة ولايته، نيته لخروج بلاده من حلف الناتو، لإقناعه بالعدول عن قراره، والإبقاء على قوام الحلف، إدراكاً منها بعدم قدرة بلادها، من حيث التكلفة أو الوقت، على بناء جيش ألماني قوي، قادر على التصدي للأطماع الروسية المتوقعة مستقبلاً.
واليوم، بعدما قامت روسيا بغزو أوكرانيا، إذا بحلف الناتو لا يهب لدعم أوكرانيا، رغم تصريحات الرئيس الأوكراني باستغاثته برؤساء 28 دولة، للتدخل لحماية بلاده، إلا أن أحداً لم يستجب، ويبدوا أن معظم الدول الأعضاء لحلف الناتو، لا تريد استنزاف مواردها في حرب، من ذلك النوع، خاصة ضد روسيا. وبعد ثلاثة أيام من غزو روسيا لأوكرانيا، أصدر المستشار الألماني، الجديد، قراره بتخصيص 100 مليار يورو، لإنشاء جيش ألماني، جديد، قادر عن الدفاع عن ألمانيا ضد أي تهديد. وهو نفس القرار الذي اتخذته اليابان، منذ عدة سنوات، عندما خذلتها القوات الأمريكية، الموجودة في قاعدة ايكاناوا اليابانية، وتركتها تسارع الدب الروسي وحدها، فنجحت روسيا في الاستيلاء على جزر الكوريل اليابانية، فأصدر البرلمان الياباني قراره بإنشاء جيش ياباني قوي، يصنف اليوم كسادس قوة عسكرية على مستوى العالم.
وهكذا هي أصول العلوم العسكرية، منذ قديم الأزل؛ فاعتماد كل دولة على قوتها الذاتية، وتعزيز تلك القوة ورفع كفاءتها، هو الأساس في حماية أراضيها، وتأمين مصالحها، وردع من تسول نفسه الاعتداء عليها. وكان هذا هو الدرس الذي تعلمته ألمانيا من الحرب الروسية الأوكرانية، والتي يتوقع أن يخرج منها العالم بدروس جديدة، في الأيام القادمة.