كتب : وائل عباس بدأت الحرب الروسية الأوكرانية تتسارع وتيرة أحداثها ؛ وتتصاعد المواقف فيها بين أولئك وهؤلاء ؛ فهذا المعسكر الغربى يصعد بعقوبات أقتصادية وحرب إعلامية ؛ لإظهار الدب الروسي فى صورة المغتصب الغاشم ؛ والمحتل التوسعى الطامع ؛ والمعسكر الشرقى يستعرض قوته بمناورات صينية بحرية قبالة تايوان ؛ وكوريا الشمالية تطلق أحدى صواريخها الباليستية فى بحر اليابان ؛ فى رسالة مفادها ؛ ( إذا أردتموها حربا فلتكن الفاصلة ) . وقد تكون هذه الأحداث بداية السقوط للمعسكر الغربى ؛ بعد سياسات فاشلة على مستوى العالم وخاصة فى ( الخمسة عشرة عاما الأخيرة ) فلم تترك الولايات المتحدة الأمريكية صديقا ولا حليفا ؛ إلا وخزلته بأنتهازية وتبجح ؛ وزرعت كراهيتها بمنتهى الغباء السياسي على المستوى العالمي ؛ حتى حلفائها الأقربين ك ( فرنسا ) أحدثت شرخا فى علاقتها معها عندما أقتنصت صفقة غواصات بمنتهى الأنتهازية والغشم . المعسكر الغربى أجبن بكثير من أن يتدخل تدخلا مباشرا فى هذه الحرب ؛ وأوكرانيا بالنسبة لهم لا تعدو إلا بالون أختبار ليس أكثر من ذلك ؛ هم فقط يريدون إنهاك الدب الروسي وإستنزافه من خلال إطالة أمد الحرب ؛ وتحويلها إلى حرب شوارع عن طريق نقل إرهابيي الشرق الأوسط ؛ لتكون اوكرانيا هى أفغانستان أخرى ؛ لم تكن تلك الحرب مفاجئة لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ؛ كل طرف يعلم جيدا ما يقدم عليه ومايترتب عليه من احداث ؛ لذا فالقيادة الروسية لن تقع فى هذا الفخ الساذج . وما أشبه الليلة بالبارحة ؛ ستون عاما من كوبــا إلى أوكرانيا ؛ وكأن التاريخ يعيد نفسه في مرآة خرج الرئيس الأمريكي «جو بايدن» مصرحا بالقول ان «أوكرانيا» دولة حرة مستقلة ؛ ومن حقها أن تختار الإنضمام إلى حلف الناتو بكامل إرادتها ؛ ولا يجب أن يعترض أحد على ممارستها لسيادتها على أراضيها ، تناقض عجيب واذدواجية فى المعايير وحلال لهم وحرام على الغير !!! ولا تتطابق أفعال الولايات المتحدة مع أفعالها !!! فى عام 1962 ، اى منذ ستون عاما بالتمام ، وفي عز إشتعال أوزار الحرب الباردة بين حلف «الناتو» بقيادة الولايات المتحدة ، وبين حلف «وارسو» بقيادة الاتحاد السوفيتي ودول شرق أوروبا ؛ أستيقظ العالم فجأة على كارثة كادت تؤدى إلى حرب نووية مدمرة ؛ فقد رصدت المخابرات الأمريكية بدء إقامة قواعد صواريخ باليستية نووية على أراضي دولة «كوبــا» الشيوعية الموالية للاتحاد السوفيتي ؛ والملاصقة لسواحل ولاية فلوريدا الأمريكية ولا يفصلها عن الساحل الأمريكي سوى 50 ميل فقط . .وقد جاء هذا القرار السوفيتي الخطير ؛ كنوع من رد الفعل على محاولة الولايات المتحدة الفاشلة ؛ لغزو دولة «كوبــا» وإسقاط النظام الشيوعي الحاكم فيها بقيادة «فيدل كاسترو» بواسطة عملاء متمردين تلقوا تدريبًا عسكريًا في أمريكا ؛ تحت إشراف جهاز مخابراتها C.I.A ، لكن القوات الكوبية تمكنت من إجهاض هذه العملية وقتلت أغلب منفذيها، وقد عرفت هذه المحاولة وقتها بأزمة «خليج الخنازير» .وهنا صعقت أمريكا ودول حلف الناتو بسبب هذه النقلة الفجائية الخطيرة على رقعة الشطرنج العالمي ، فمعنى ذلك أن عدوهم الأزلي «الاتحاد السوفيتي» قد أصبح على مرمى حجر من زعيمة المعسكر الغربي والتي أصبحت تحت التهديد النيراني بل والنووي المباشر من ألد أعدائها ولأول مرة في تاريخها . وبالطبع اعترضت الولايات المتحدة على هذه الخطوة العدائية الغير مسبوقة ، وأقامت الدنيا ولم تقعدها ، و صرح قادتها بأنهم يعملون وفق مبدأ «مونرو» والذي صكه الرئيس الأمريكي الأسبق «جيمس مونرو» منذ 300 عام ؛والقائل بأن الولايات المتحدة يجب ألا تسمح بوجود أي تهديد عسكري لأمنها القومي في حدود الأمريكتين الشمالية والجنوبية ، ويجب عليها أن تمنع حدوث مثل هذا التهديد بكل الطرق وأن تزيله بالقوة العسكرية المباشرة ؛ فقد أعطت الولايات المتحدة لنفسها الحق ؛ في أن تتحكم وتمنع أي دولة فيهما من أي محاولة قد تؤدي إلى تهديد الولايات المتحدة ، على حدود القارتين ؛ فما بالك وأنت تهدد أمن دولة عظمى بالاقتراب من حدودها ؛ بأستقطاب دولة حليفة سابقة لتلك القوة العظمى ؛ المشكلة الكوبية تصعدت لدرجة أن رؤساء القطبين الكبيرين (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي) كانوا يحرصون على الظهور أمام الكاميرات وهم يحملون «الحقيبة النووية» ؛ وهي حقيبة تحتوي على أكواد وأزرار إطلاق الصواريخ النووية عند كل منهما ، في اشارة إلى أن كلا الطرفين على أهبة الاستعداد وأن كل شئ قد بات قاب قوسين أو أدنى من بدء الكارثة ؛ وعاش العالم ولمدة 13 يوما في أسوأ كوابيسه ، فقد تحركت البوراج الحربية من كلا الجانبين لتجوب البحار والمحيطات ، وتحركت الجيوش والفيالق ، وارتفعت فوهات المدافع ، ونُصبت منصات الصواريخ الباليستية النووية طويلة المدى ؛ بل وتم تحميل الرؤوس النووية عليها ووضعت في وضع الإطلاق ، ولم يتبق سوى ضغطة زر واحدة ليبدأ الطوفان وتنتهي الحياة على الكوكب تماما ، لدرجة أن الطيارين كانوا يبيتون داخل كبائن مقاتلاتهم تحسبا لإعطاء إشارة الإنطلاق في أية لحظة ، وكانت الاتصالات بين زعماء القوتين الأعظم في العالم عبر «الخط الساخن» تتم أكثر من مرة في اليوم الواحد ؛ رغم أنه في العادة قد تمر سنوات وسنوات دون أن يتم استعمال هذا الخط المخصص لحالات الطوارئ القصوى ؛ وبعد مفاوضات عسيرة وتوسلات عديدة ؛ ووساطات من أمين الأمم المتحدة «يوثانت» وصلت الأزمة لنهايتها ؛ بعد أن تم توقيع اتفاق مكتوب بين المعسكرين ؛ يقضي بأن يسحب الاتحاد السوفيتي صواريخه النووية من كوبا ؛ في مقابل أن يرفع حلف الناتو صواريخه النووية من مدينة «أزمير» التركية ؛ والتي كانت في ذلك الوقت هي أقصى نقطة نحو الشرق استطاع الغرب الوصول إليها للاقتراب من عرين الدب الروسي ، وكذلك أن تتعهد الولايات المتحدة بعدم غزو «كوبــا» مستقبلا ؛ وهنا نجد الكيل بمكيالين ؛ والحلال لهم حرام على الغير ( تلك إذن قسمة ضيزى ) ؛ ولكن هذه السياسة لن تمر هذه المره ؛ فروسيا ليست العراق أو سوريا أو ليبيا ؛ بل أضف إلى حساباتك أن من يحكم روسيا اليوم رجل قوى ذو خلفية مخابراتية ؛ حسب حسابه جيدا ؛ ويعلم ما يقدم عليه ؛ يمتلك من الشجاعة والإقدام ما يفتقده أعدائه ؛ هم يلعبون خلف الكواليس ومن خلال حروب الجيل الرابع ( الحروب السيبرانية ) ثم حروب الجيل الخامس ( الحروب بالوكالة ) ؛ وبوتين قد أستعد بأسلحته الاستراتيجية والنووية ؛ لإنه يعلم جيدا أن الهدف هو روسيا وليست أوكرانيا . أخيرا التلويح بالنووى ليس بالضرورة لإستخدامه ؛ ولكن ضرورة لترهيب حلف الناتو ؛ أنه فى حال تدخله تدخل مباشر فإن الرد سيكون قاسيا . لننتظر ما ستسفر عليه الأيام القادمة ؛ ونسئل الله أن يحفظ مصر وسائر أقطار العالم العربي والإسلامي . .