كتبت هدي العيسوي
علق الكاتب والمفكر حسن إسميك، على التصعيد الروسي والحشد على طول أرضها مع الحدود الأوكرانية، ومواصلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التهديد بغزو أوكرانيا، مشيرا إلى أن العمل العسكري إذا ما تم يمكن أن يتحول إلى أكبر صراع على الأراضي الأوروبية منذ عقود.
وأشار صمويل شاراب، كبير المحللين السياسيين في مؤسسة RAND ومسؤول سابق في وزارة الخارجية الأمريكية: “إنها عملية مختلفة اختلافًا جوهريًا عن أي شيء رأيناه من قبل”.
وتساءل عن كيف وصلت الأمور إلى هذا المستوى من التصعيد؟ مجيبا لعدة قرون مضت، كانت أوكرانيا جزءاً من الإمبراطورية الروسية، قبل أن تصبح فيما بعد أيضا جزءاً من الاتحاد السوفييتي، وقد خاضت روسيا في السابق حرباً ضروساً ضد الدولة العثمانية على شبه جزيرة القرم (الناطقة بالروسية والتي تم اعتبارها أوكرانية عام 1954 من قبل الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف).
في مسيرة البيروسترويكا وأثناء المفاوضات بين غورباتشوف والقادة في أوروبا، وافق الزعيم السوفييتي على هدم جدار برلين، وكل ما يرمز له هذا الهدم، في مقابل تعهد شفهي من أوروبا بعدم تمدد حلف الناتو باتجاه الشرق نحو حدود الاتحاد السوفييتي.
ثم بعد انهيار الاتحاد، أصبحت أوكرانيا دولة مستقلة، ولكن ظلّت عيون بوتين ترنو إليها منذ أن استلم رئاسة روسيا.
نهاية عام 2013، ألغى الزعيم الأوكراني –صديق موسكو– فيكتور يانوكوفيتش خططًا لتوقيع اتفاقية من شأنها تقريب البلاد من الاتحاد الأوروبي، بعد أن اقترح بوتين اتحاداً جمركياً مع روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان بدلاً من ذلك. أثارت تلك الخطوة احتجاجات واضطرابات مدنية في كييف، العاصمة الأوكرانية، انتهت بهروب الرئيس، الأمر الذي أغضب روسيا كثيرا.
وأكد أن بوتين استخدم فراغ السلطة أولاً: لضم شبه جزيرة القرم، في إجراء زعم الكرملين أنه تم بناء على استفتاء جرى في شبه الجزيرة لصالح العودة إلى روسيا، استفتاء وصفه الغربيون بـ “غير القانوني وغير الشرعي”، والضمٌّ نددت به الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعدته بقرار لها غير قانوني أيضا.
وثانيا: قام بوتين بدعم الانفصاليين في المقاطعات الجنوبية الشرقية من أوكرانيا، دونيتسك ولوهانسك، المعروفتين باسم دونباس، لإعلانهما جمهوريات ذاتية الحكم. ثم وقعت روسيا وأوكرانيا اتفاقيات في مينسك (عاصمة بيلاروسيا) عامي 2014 و2015 بهدف وقف إطلاق النار في دونباس، حيث أدى الصراع هناك إلى مقتل أكثر من 14 ألف شخص وشرد الملايين.
ورغم ذلك استمر انتهاك وقف إطلاق النار مع تحول الصراع إلى ما يشبه حرب خنادق. وعام 2019، تجدد الأمل في إحراز تقدم ما، حيث تبادلت روسيا وأوكرانيا الأسرى، وصرح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عام 2020 بأن هناك “فرصة كبيرة لإنهاء الحرب” لكن الاشتباكات بقيت مستمرة. وفي ربيع عام 2021، بدأت روسيا بحشد عشرات الآلاف من قواتها بالقرب من أوكرانيا ردًا على ما وصفته بتهديدات من حلف شمال الأطلسي.
وأشار إسميك، إلى أنه في ظلّ تراجع أرقامه على المستوى الداخلي، حيث يقاوم الروس التطعيم وينددون بالصعوبات الاقتصادية التي تفاقمت في ظل وباء كوفيد-19، يتذكر بوتين التأييد الذي حصده داخلياً عندما ضم شبه جزيرة القرم، فهل ستؤدي حرب جديدة أو تصعيد جديد إلى تشتيت انتباه الروس عن المشاكل الداخلية وتعزيز شعبية بوتين من جديد؟ بالإضافة إلى ذلك؛ يريد الرئيس الروسي استعادة الحوار مع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، ولو بالإكراه، وأظنه قد نجح في ذلك من بوابة أوكرانيا.
ماذا يريد بوتين أيضاً؟ قال إسميك، إن بوتين يفكر بإرثه المستقبلي، إذ يعتقد أنه لا يزال قادراً على إعادة روسيا قوة عظمى عالميةً لها عمقها الاستراتيجي الخاص، ولهذا لا يبدو أنه مستعد للسماح لأوكرانيا أو كازاخستان بالخروج من المدار الروسي.
في 17 كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، نشرت روسيا مسودات اتفاقيات أمنية، أو ما يمكن تسميته بـ “المطالب”، تضمنت هذه المسودات بالعموم ما لا يريده بوتين –إذا جاز التعبير- فقد طالبت الناتو برفض عضوية أوكرانيا وغيرها من دول الاتحاد السوفياتي السابق، والتراجع عن نشر القوات والأسلحة في وسط وشرق أوروبا.
كما طالبت بحظر إرسال السفن والطائرات الحربية، الأمريكية والروسية، إلى مناطق يمكن أن تهاجم منها أراضي بعضها البعض، وكذلك وقف التدريبات العسكرية للناتو بالقرب من حدود روسيا.
ولفت إلى أن الدول الغربية لا تريد استفزاز روسيا، مثلما فعلت الأخيرة بعلاقاتها مع كوبا فيديل كاسترو منتصف القرن الماضي، وإلا لكانت أوكرانيا ومنذ سنوات قد انضمت إلى حلف شمال الأطلسي، وباتت محمية بمعاهدات الدفاع المشترك الخاصة به، والتي تلزم الدول الأطلسية بالدفاع عنها في وجه أي اعتداء خارجي. لكن هذا لا يعني أن الغرب سينصاع لرغبات بوتين بشكل رسمي، ومن هذا المنطلق وصفت الولايات المتحدة مطالب موسكو بأنها غير مقبولة، ورفض الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ إلغاء التزام عام 2008 تجاه أوكرانيا، وأكد أنه “عندما يحين الوقت.. لن تتمكن روسيا من الاعتراض على انضمام أوكرانيا للحلف”. جاءت هذه الردود مخيبة للآمال الروسية، ولا تلبي الحد الأدنى من متطلباتها، فكان ردّ موسكو حشد المزيد من القوات العسكرية على الحدود الأوكرانية، سواء في بيلاروسيا أو روسيا.
وفي الأسبوع الماضي، أشارت مصادر إلى أن الرئيس بايدن كان يفكر في نشر عدة آلاف من القوات الأمريكية، بالإضافة إلى السفن الحربية والطائرات، لدى حلفاء الناتو في دول البلطيق وأوروبا الشرقية، لافتا إلى أن هذه خطوة تشير بشكل واضح إلى تحول إدارة بايدن عن الجهود التي بذلتها سابقاً لتجنب استفزاز روسيا، ولكن مع قيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتكثيف تهديداته، وفشل المحادثات بين المسؤولين الأمريكيين والروس في نزع فتيل الأزمة، بدا أن إدارة الرئيس الأمريكي قد غيرت مسارها، مكتفية بالتهديدات “الفضفاضة” من قبيل أنه إذا أقدمت روسيا على غزو أوكرانيا سوف “تدفع ثمناً باهظاً، وسوف تكون في عزلة كبيرة، أو قد تفرض واشنطن عقوبات كبيرة يمكن أن تطال بوتين شخصياً ورفاقه في القيادة الروسية”.
وحول التساؤل هل تخشى روسيا العقوبات؟ قال إسميك، إن الحديث عن العقوبات من باب التهديد والضغط لمعرفة رد فعل موسكو. ولكن هل تؤثر هذه العقوبات على روسيا وإلى أي مدى؟، متابعا: لقد وقعت روسيا مع الصين ما سمي بالاتفاقية “اللامحدودة” أو “لا توجد مجالات ممنوعة للتعاون”، وقد جاء هذا التفاهم بين الدولتين ضد أمريكا وأوروبا، كما وقّعا اتفاقية خط غاز الشرق والغرب، في إشارة واضحة إلى تشكل نظام عالمي جديد ضد أمريكا التي تدّعي تزعّم العالم.
أضاف إسميك، أكاد أجزم أن ربطات العنق “الحمراء” المتماثلة، والتي ارتداها الرئيسان بوتين وشي جين بينغ خلال التوقيع، لم تكن من باب المصادفة أبداً، بل تحمل رمزية من ناحية اللون والمواقف أيضاً، فالدعم المتبادل سيتضح كثيراً في المرحلة القادمة، الصين تدعم روسيا في أوكرانيا مقابل الدعم الروسي للصين في استعادة تايوان؛ إذن، عقوبات بايدن لا تخيف بوتين كثيراً بعد التحالف مع الصين.