لواء د. سمير فرج متابعة عادل شلبى تصاعدت حدة التوتر بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف الناتو مؤخراً، وذلك عقب حشد روسيا قواتها العسكرية على حدود أوكرانيا ورغم تصريحات روسيا بعدم غزو أوكرانيا لكن التقديرات العسكرية والاستخباراتية لحلف الناتو تؤكد احتمال روسيا بالقيام بعملية الغزو ورغم اعلان الولايات المتحدة الأمريكية أنها لن تتدخل عسكرياً حال هجوم القوات الروسية حيث أكدت نيتها بقيامها بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا في حالة قيامها بغزو أوكرانيا. ويرجع سبب الخلاف في المنطقة الي قيام الولايات المتحدة والناتو بمحاولة توسيع نفوذهما في منطقة البحر الأسود كذلك محاولة أوكرانيا للضغط علي حلف الناتو لقبولها عضواً لمنع روسيا من محاولة غزوها مستقبلاً وبالطبع كان ذلك ضد استراتيجية روسيا التي تري أن تحركات حلف الناتو في البحر الأسود أمنها القومي خاصة بعد أن شهدت العلاقات الأوكرانية والدول الغربية تطوراً شمل تعميق الشراكة الاستراتيجية حين اعلن وزير خارجية الولايات المتحدة بلينكن في لقاء مع نظيره الأوكراني كوليبا أنه جاري تعميق التعاون الثنائي في مجالات السياسة والأمن والدفاع والاقتصاد والطاقة ومن هذا المنطلق قامت الولايات المتحدة ببيع أسلحة متطورة مثل صواريخ جافيلين المضادة للدبابات الي أوكرانيا كذلك حصلت أوكرانيا من تركيا علي طائرات بدون طيار (درونز) (البيرق دار) التي استخدمتها أوكرانيا مؤخراً ضد المتمردين المدعومين من روسيا في شرق أوكرانيا وبالطبع زاد ذلك من غضب روسيا التي وجدت في ذلك تهديداً من الولايات المتحدة ضد أمنها القومي. وتأتي أهمية البحر الأسود لروسيا أنه يحقق لها مصالح اقتصادية كبيرة حيث يعتبر المياه الدافئة الرئيسية للأسطول الروسي لذلك قام حلف الناتو بتأكيد وجوده في المنطقة بضم رومانيا وبلغاريا للحلف وهم أعضاء سابقين في الاتحاد السوفيتي، وبذلك أصبح لحلف الناتو ثلاث دول علي البحر الأسود وفي الطريق هناك جورجيا مرشحة أيضاً للانضمام لحلف الناتو.. كل ذلك أثار حفيظة روسيا التي أصبحت محاصرة بتواجد الناتو في منطقة البحر الأسود ورغم تحكم تركيا في مدخل البحر الأسود بوجود مضيق البوسفور والدردنيل حين حاولت الولايات المتحدة في أحد المرات بالتلويح بإغلاقهم أمام السفن الروسية لكن جاء الرد الروسي سريعاً بأن روسيا لن تسمح بذلك وسيكون الرد عنيفاً كما أن تركيا لن تغامر بفقد صداقة روسيا في هذه المرحلة.. ومن هذا المنطلق كله أصبحت روسيا تفكر في وجود حزام إقليمي في منطقة البحر الأسود يحقق لها أمنها القومي حيث بدأت في اثارة النزاعات الانفصالية لشعوب جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة التي انضمت إلى حلف الناتو ومن هنا جاء حشد القوات الروسية على حدود أوكرانيا حيث بدأت روسيا تشعر بأن دوائر الأمن القومي المباشر لها أصبحت مهددة من الولايات المتحدة وحلف الناتو، خاصة بعد قيام أوكرانيا بتوجيه ضربات ضد المتمردين المدعومين من روسيا في شرق البلاد مستخدمة الطائرات التركية بدون طيار. وتشير بعض التقارير الاستخباراتية الي أن روسيا سوف تتجه الي شن هجوم عسكري شامل ضد أوكرانيا مع أوائل عام 2022، وبالطبع هناك تفوق للقوات الروسية ضد الأوكرانية حيث تؤكد التقارير أن القوات الروسية قد تصل الي كييف العاصمة الأوكرانية في وقت سريع من بدء الغزو على أساس تقدم القوات الروسية للقتال على ثلاث جبهات متعددة بهدف تحقيق اختراقات لسرعة الوصول واسقاط العاصمة كييف وفي حالة نجاح أحد هذه الاتجاهات في الاختراق يتم دعمه بدفع احتياطات روسية من العمق قبل أن تتمكن الولايات المتحدة وقوات حلف الناتو من اتخاذ أي عمل عسكري مضاد حتي ولو كان محدود رغم علم القيادة الروسية صعوبة تنفيذ ذلك من قوات الناتو الا أنها تري احتمال وقوع الناتو ضد أي ضغوط دولية تجبره علي القيام بأي رد فعل عسكري سريع.. ومن هذا المنطلق تجئ فكرة تحقيق اختراق سريع بقوات روسية مدرعة لسرعة اسقاط العاصمة الأوكرانية كييف ووضع المجتمع الدولي أمام الأمر الواقع مثلما حدث في شبه جزيرة القرم.. إلا إذا أتبعت القوات الأوكرانية حرب العصابات ضد القوات الروسية وليس القيام بعمليات دفاعية تقليدية.. وهنا تحقق القوات الروسية هدفها من الهجوم. ورغم كل هذه الاحتمالات بتدخل الجيش الروسي لغزو أوكرانيا فإن جميع التقديرات تؤكد أن الولايات المتحدة وحلف الناتو ودول أوروبية لن تتدخل مباشرة في موجهة مع روسيا حول أوكرانيا، فالناتو قواته ليست جاهزة لهذه التدخل العسكري خاصة أن روسيا وضعت في اعتبارها أن سياسة الولايات المتحدة الآن عدم التدخل عسكرياً في أي مناطق توتر في العالم وتضع روسيا في تقديرها أن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان والعراق أكبر دليل علي ذلك، خاصة أن الولايات المتحدة أكدت أنها سوف تعاقب روسيا بمزيد من العقوبات الاقتصادية في حالة غزو أوكرانيا. وهناك أراء أخري أن الحشد الروسي علي حدود أوكرانيا ربما كان هدفه استخدامه للضغط السياسي علي الولايات المتحدة وحلف الناتو وأوكرانيا لوقف التدخل في الأمن القومي الروسي في منطقة البحر الأسود وحتي عندما تدخل روسيا في مفاوضات مباشرة تكون لها قوة علي الأرض تعطيها ميزة تفاوضية خاصة أن روسيا تعارض تماماً انضمام أوكرانيا الي حلف الناتو وعموماً تشير احتمالات الموقف الآن الي مسارين، الأول هو التصعيد من الجانب الروسي حتي الدخول في مفاوضات مباشرة، والمسار الثاني تجميد الموقف الحالي لحين البدء في مفاوضات مباشرة بين روسيا والولايات المتحدة وحلف الناتو تحقق لروسيا الاستقرار في منطقة البحر الأسود وعدم تهديد الولايات المتحدة وحلف الناتو الأمن القومي المباشر لروسيا وهذا ما سوف تحققه المفاوضات المباشرة بين كل الأطراف في بداية العام الجديد.