من أروع ما كتبه الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله: عندما يمسك بالقلم جاهل وبالبندقية مجرم وبالسلطة خائن وعلى المنبر فاجر…يتحول الوطن الى غابة لا تصلح لحياة البشر!!!. الناس يتقربون من الرجل الصالح لكن سرعان ما يبتعدون عنه عندما يصبح مصلحا. فكرامة الانسان هي الروح الثانية، يجب الحفاظ عليها حتى لا يموت مرتين. جمهورية المزامير يهضم فيها حق الفقير وتهمش رؤية المفكر ولا ينطق العالم كلمة الله على المنابر، تطبل الصحف للمظالم ويعزف الاعلام على المزامير، يصفق المنافقون للآمر، ينحتون مستقبل شعب بالمسامير في شرخ مؤلم بين الأمين والخائن، سفهاء يسبغون كل مرة بلون داكن، خوفا من كرب الزمان راغبين العيش في الأمان، همهم الدنيا طائشين بين الربا والسلب والنهب وحب الشهوات والنفس دون إذن ، طغيان وسفاهة منذ الأمس إلى اليوم تحتضنها جمهورية المزامير. يصلب فيها التقي ويعدم الفقي ويسجن الحر الأبي ويهدد الإمام الذكي ، تحتضن الحاكم الجائر والقاضي الماكر والعالم الفاجر واللص الناصر ورجل الاعمال المحتكر والمسؤول الحقير والسياسي الفاشل . يزخر الوطن العربي بمساحة أكبر من القارة الأوروبية، عدد سكانه ما يقارب نصف مليار عربي، يمتلك أكبر مساحة بحرية في العالم ،كما يتحكم في أهم أربعة ممرات عبور دولية تربطه بباقي العالم : باب المندب، قناة السويس، مضيق هرمز، جبل طارق ، وإذا اتحد العالم العربي والاسلامي سيشكل القوة الرابعة عالميا من الناحية الاقتصادية والعسكرية والتطور العلمي. الوطن العربي تستغل أكبر مساحة زراعية في العالم وأكبر ثروة حيوانية وسمكية. ينتج مايقارب نصف إنتاج العالم من الثروة المعدنية. كل هذه الامكانيات الهائلة التي يتمتع بها الوطن العربي لا تستفيد منها الشعوب العربية. أصبح الوطن العربي عرضة للحروب يفتك به المرض والفقر والجهل بسبب فصل الأمة العربية الواحدة عن بعضها إلى دويلات مصطنعة تتحكم فيها الحدود التي رسمها الاستعمار للانفراد بكل دويلة على حدى من خلال السيطرة المباشرة عليهم أو إشعال الحروب فيما بينهم واللجوء إليهم لحل النزاعات التي هم من يزرعها لمنع التقارب بين العرب لأن توحد الوطن العربي والشعب العربي يعني انتزاع القيادة والزعامة منهم وهذا ما لم تسمح به الإملاءات الخارجية . هكذا هي البنية المعقدة للشخصية التي ما فتئت أن تدخلت في تشكلها عدة عوامل. أصبح الفقراء ضحية الإعلام الرسمي يطعمونهم شعرا بأحلى الكلام ينشؤون لهم جنة من النعم لا تعرف الإبادة ولا الظلام في نشرات الاخبار يبشرونهم بأن البلاد يسودها العدل والنظام، الظلم عنها زائل والرغيف فيها دائم ، يوهمونهم أن الحقول كبيرة والمعامل كثيرة و المشاريع متعددة سيفتتحها سيدهم،منجزات لا تتجاوز التلفاز ليست إلا وثائق هدية من صاحب الفضل والمقام الرفيع. قوانين مثل بيت العنكبوت تمسك بالذباب الصغير لكنها تسمح للدبابير بالمرور، لنتمحص في المصطلحات المفخخة التي يستعملها ما يسمى بالساسة و يطبل لها الإعلام مثل: رئيس الدولة، هبة الدولة ، خزانة الدولة ، مؤسسات الدولة، ممتلكات الدولة، أراضي الدولة، إذ يموت الجميع كي لا تنهار الدولة، ولا أحد يسأل ما هي الدولة، ما المقصود بهذا المسمى الاعتباري المقدس، الذي يملك كل شيء ويستحود على كل شيء،يسلب من الشعب أرواحهم ومعتقداتهم وشرفهم ولقمة عيشهم. هذا الصنم المقدس الذي يفرض على الناس أن تجوع ليشبع، وتتقشف لينعم ،وتموت ليعيش،وتدنس كرامتهم ليحتفظ بهيبته. في الأصل الدولة هي وثن وهمي لا يرمز إلا لسلطتهم ومراكز قوتهم، ولكي يستوعب الناس فكرة الامتثال لهم، يدعون أن ما يقومون به لا يخدم مصالحهم أكثر ما هو من أجل الدولة ورقي الوطن. ينهبون أموال الفقراء ويغتصبون حقوقهم ثم يبررون أنهم أخذوها لكي يوفروا أموالا لأجل الدولة ومصلحة الوطن، يهينونهم أشرس إهانة ويستبيحون دماءهم ثم يدعون انهم يقومون بذلك حفاظا على هيبة الدولة ومصلحة الوطن. يستغلون الجيش من أجل الحفاظ على كراسيهم و سلطتهم ويزجون بهم إلى بؤر الموت فيدعون أنهم يحمون الدولة والوطن. نشروا كابوسا بيولوجيا سموه كورونا ليستفزوا الشعوب ، طعموهم بالمجان مرة واثنتان وثلاثة لينقدونهم من الوهم خوفا على ارواحهم، متى كانت الحكومات تحب البقاء و الخير لشعوبها، إنها مآمرة الموت الجماعي، ولو اعترفوا بها مباشرة أنهم يقتلون الشعوب ويهينونهم ويسلبون ثرواتهم لأجل سلطتهم لما تقبلها أحد. الوطن ليس هو الشعب ، هل هو الأرض؟ فإن كان الأرض فمن وضع حدودها وهي حدود تتغير على مر التاريخ، الثابت الوحيد هو الإسم، فمعظم حدود الوطن حاليا صممها المستعمر وصنعها أجدادنا، ثم إذا ما اتفقنا على حدود الأرض، فهل هي الأرض التي تمتلك الناس،أم الناس هم من يمتلكون الأرض.فكل من يمتلك بيتا أو أرضا فإنه يدفع الضرائب إلى الدولة وكأنه يستأجرها من رئيس الدولة وأتباعه،الجميع يدفع في أرض الوطن ،فأين الأرض التي تموتون في الدفاع عنها، إنها أراضي الدولة ،أراضي يوزعها رئيس الدولة على أقرباءه ورجال الأعمال الفاسدين والمستثمرين ليملك وفاءهم له .إذن الدولة أو الوطن هي ليست الأرض ،فما تبقى من معنى الدولة أو الوطن ليموت الناس دفاعا عنه هو أصحاب السلطة ومراكز القوة ، والشعب مطلوب منه أن يجوع وأن يتقبل الإهانة وأن يستشهد من أجل بقاء سلطتهم ونظامهم وأن تتحقق مصالحهم في استمرار حكمهم. فالوطن الحقيقي هو الشعب ولا يقدس إلا المواطن ،والأرض التي لا تحفظ عيش وكرامة المواطن الكريم لا يطلق عليها إسم وطن.