بدأنا العام الجديد بدراسة تحليلية، مبسطة، قدمت، من خلالها، في الأسبوع الماضي، استعراضاً لأنماط العلاقات الدولية، بداية من الولايات المتحدة، زعيمة القوى العالمية، وعلاقتها بالصين، التي تعتبر، الآن، عدوها الأول. واليوم نقدم حلقة ثانية حول استراتيجية الولايات المتحدة مع روسيا، التي تعتبرها عدوها الثاني، خاصة مع احتلالها للمركز الثاني، كأكبر قوة عسكرية، في العالم، يليها الصين في المركز الثالث، وفقاً لتصنيف مؤسسة جلوبال فاير باور، الذي يضع الولايات المتحدة الأمريكية على رأس تلك القائمة، كأكبر قوة عسكرية، في العالم.
وتؤكد التقارير على امتلاك روسيا لقوات عاملة، تُقدر بنحو مليون جندي وضابط، فضلاً عن قوات الاحتياط البالغ قوامها 2 مليون، أما إنفاقها العسكري فقد بلغ حوالي 72 مليار دولار، كما تُفيد التقارير بامتلاك روسيا لعدد 15,500 دبابة، و5,990 مدرعة، و4,625 مدفع، بالإضافة إلى 3,781 من قاذفات الصواريخ، و3000 طائرة مقاتلة، و973 هليكوبتر. أما قواتها البحرية فتملك حاملة طائرات واحدة، و4 بوارج، و13 مدمرة، و63 غواصة، و34 كاسحة ألغام.
تسبقها في الترتيب، الولايات المتحدة الأمريكية، بحجم إنفاق عسكري يبلغ 740 مليار دولار، وقوات عاملة قوامها 1,2 مليون فرد، في حين قوات الاحتياط تبلغ 860 ألفاً، فقط. أما أعداد الدبابات في القوات المسلحة الأمريكية فلا يتجاوز 6,287 دبابة، إلا أن مدرعاتها تبلغ 40 ألفاً، ومنصات الصواريخ 1,056. وتمتلك قواتها البحرية 24 حاملة طائرات، و22 فرقاطة، و68 مدمرة، و68 غواصة، وتمتلك القوات الجوية 13,233 طائرة حربية، منها 1,956 مقاتلة.
وفي مجال حرب الفضاء، Space Warfare، فتتربع الولايات المتحدة، حالياً، على عرشه، يليها روسيا، ثم الصين، وتعني حرب الفضاء استخدام الأقمار الصناعية، والتي يبلغ عددها، حالياً، 1,300، تسبح في الفضاء، مع القدرة على شن معارك فضائية، سواء بهجوم أقمار صناعية على أهداف أرضية، أو تدمير أقمار صناعية بصواريخ من الأرض. وقد شهد ذلك المضمار تحديات عدة، منها ظهور أسلحة مضادة للأقمار الصناعية، فضلاً عن مشكلة النفايات الفضائية، الوارد اصطدامها بالأقمار الصناعية وتدميرها، كما ظهرت فكرة التحرش بالأقمار الصناعية، من خلال التشويش عليها بموجات الميكرون.
ولقد كانت الولايات المتحدة أول دولة تنشأ قيادة لقوات الفضاء، عام 1998، وأضاف إليها الرئيس، السابق، ترامب، قوة الفضاء الأمريكية، كأحد أفرع الجيش الأمريكي، مثل القوات الجوية والبرية، وغيرهم. كما أعلن وزير الدفاع، الحالي، بيتر اوستن، أن بلاده ستنشأ منصات فضائية، قريباً، تحسباً لحروب فضائية، جديدة، ضد روسيا والصين. وعلى الجانب الآخر، أنشأت روسيا قوات الدفاع الجوي والفضائي، عام 2011، وفي عام 2015 انضمت قوة الفضاء الروسية لقواتها الجوية، وبدأت روسيا، منذ 2016، في استخدام حروب الفضاء ضمن مناوراتها العسكرية، السنوية. وفاجأت روسيا، العالم، بتجربة صاروخ مضاد للأقمار الصناعية، أطلقته لتدمير أحد أقمارها الصناعية، وهو ما أثار المخاوف الأمريكية، من قرب تحول الفضاء الخارجي إلى ساحة حرب، مما دفعها لوضع خطتها، المستقبلية، لمجابهة الأسلحة الروسية في الفضاء.
أما المشكلة الثانية التي تقلق الولايات المتحدة، فتتمثل في احتمالات التدخل العسكري الروسي ضد أوكرانيا، بعدما قامت روسيا، في 2014، بعمليات عسكرية، استولت بها على شبه جزيرة القرم، في الأراضي الأوكرانية، وضمتها تحت سيادتها. ورغم الإدانات الدولية لذلك، وفرض عقوبات اقتصادية، أمريكية وأوروبية، على روسيا، فقد أعلنت أوكرانيا، مؤخراً، أن روسيا تحشد قواتها العسكرية، على الحدود الأوكرانية، بهدف ضم الأخيرة إلى روسيا الاتحادية. ويرجع أساس هذا التوتر، لرصد روسيا نشراً لقوات عسكرية، ولصواريخ أمريكية، وأخرى تابعة لحلف الناتو، في أوكرانيا، وهو ما اعتبرته تهديداً لأمنها القومي، بما أعاده للأذهان من أزمة الصواريخ الكوبية، عام 1962، عندما نشر الاتحاد السوفيتي صواريخاً، في كوبا، أثناء حكم كاسترو، وكادت الحرب أن تندلع بين الدولتين، لولا سحب الاتحاد السوفيتي للصواريخ من كوبا.
واليوم يتكرر المشهد، مع اختلاف الأوضاع، حيث رفض الرئيس الروسي بوتين، وجود أية صواريخ، أو قوات عسكرية، سواء أمريكية أو من حلف الناتو، على حدود بلاده مع أوكرانيا، معتبراً تلك الحدود خطاً أحمر، لن يسمح بتجاوزه. ورغم اللقاء الافتراضي، عبر شاشات الفيديو، الذي جمع الرئيس بوتين والرئيس الأمريكي، الحالي، جو بايدن، لمدة ساعتين، إلا أن اللقاء لم يسفر عن تهدئة الأوضاع، بل استمر تهديد الولايات المتحدة، والدول الأوروبية، بفرض حزم، جديدة، من العقوبات على روسيا، حال هجومها على أوكرانيا، وهو ما يُتوقع أن يكون له تأثير كبير على روسيا، وعلى ميزان القوى العالمية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، لا تزال الولايات المتحدة، تتابع، بكثب، قيام روسيا بمد خط الغاز الطبيعي “نورديم استريم 2″، من أراضيها إلى ألمانيا، لتغذية ألمانيا، وشمال أوروبا، بالغاز الطبيعي، وما قد يمثله، مستقبلاً، من أداة ضغط سياسي، على ألمانيا ودول أوروبا. ورغم محاولات الولايات المتحدة، وقف إنشاء هذا الخط، إلا أن احتياج ألمانيا، وباقي دول أوروبا، للغاز الطبيعي، خاصة في فصل الشتاء القارس، وقف عائقاً أمام تلك المحاولات. ورداً على تلك العراقيل الأمريكية، وتحسباً لاحتمالية استجابة ألمانيا لها، قامت روسيا بإنشاء خط بديل، هو “السيل التركي”، لنقل الغاز الروسي إلى تركيا، عبر البحر الأسود، ومنها إلى أوروبا … وهكذا ستظل روسيا، في الفترة الراهنة، التهديد الثاني للولايات المتحدة الأمريكية.