يعتبر ملف العشوائيات من وجهة نظري ، أهم الملفات ذات الأولوية التي تواجه الدولة المصرية ، فهناك الملايين من سكان مصر يعيشون في مناطق عشوائية . في ظل العشوائيات تنشأ وتنمو كل السلوكيات المنحرفة والأفكار المتطرفة والسلوك الإجرامي وجميعها متصادمة مع القانون وإستقرار الدولة . فإذا كان الاستهداف قد استعصى عليه الدخول من بوابات الطائفية وتفتيت ولاءات المؤسسات العسكرية والأمنية التي تمثل كتل صلبة في مصر ، فأن البوابة الوحيدة الرخوة والخطيرة ، هي زيادة رقعة العشوائية ليس في السكن فقط رغم خطورته ، لكن لتمتد إلى المجالات الأخرى لإعاقة أي جهود للتنمية ، وتزيد فرص الصدام بين المواطن والدولة وهو بيت القصيد . من هنا لا يمكن بناء مصر الحديثة ، بالصورة التي يريدها كل مصري ، إلا بالبدء في فتح ملف العشوائيات ومواجهته وليس تضييع الوقت في البحث عن أسبابة ، بل وقف امتداده وإنتشاره ومواجهة المناطق العشوائية القائمة . علاج ملف العشوائيات ليس في نقلة مكانية متطورة ، بشوارع ومساكن مفروشة يدخلها الماء والكهرباء والغاز ، بل يجب أن يليها مباشرة نقلة نوعية في تعديل سلوك سكان المنطقة الجديدة ، وتأهيل المنظومة الحكومية التي ستنفذ هذه المهمة الثقيلة جداً في تطوير عشوائية السكن والتعليم والصحة والمرور … والأهم السلوك الإنساني . لم يأخذ ملف مواجهة العشوائيات ، الحجم الحقيقي لقيمة وأهمية وخطورة هذا الملف ، الذي كانت أولوياته عند الدولة أهم من ملفات أخرى ، قد يراها البعض في تحديد أولويات العمل والتطوير التي يجب على الدولة القيام بها . بعض الأفلام المصرية تناولت ملف العشوائيات بواقع وجرس إنذار لشريحة في المجتمع موجودة بنسبة عددية كبيرة تمثل العشوائية السكنية والتعليمية والصحية والنقابية وغيرها ، والحقيقة نجح تنظيم الإخوان في استغلالها . هذه العشوائية لم تكن موجودة في منطقة بعينها ، ولكن منتشرة في جميع محافظات مصر ، وتشكل خطورة وتهدد الأمن القومي المصري . البعض يرى مشروع ” الأسمرات ” مثلا ، من البعد الاجتماعي والإنساني والادمي ، وعيشة سكنية كريمة لساكني العشوائيات ، لكن لم تنظر لها من البعد الأمني ، الذي كان يصعب على رجل الأمن دخول مثل هذه المناطق ليباشر عملة ، والبعد الصحي والتعليمي والديني وغيره . الحقيقة أن الإعلام لم يركز على هذه الأبعاد ، وإنما أقتصر دورة سواء عن جهل أو عدم فهم ، عند أفتتاح مشروعات تطوير العشوائيات ، على الشوارع والعمارات وفرش الشقق وعلى تناول السيد الرئيس الإفطار مع أسرة مصرية ، انتقلت من العشوائيات إلى المسكن الجديد ، لكن لم يعقد لقاء مع مسؤول أمني يوضح أهمية هذا العمل من المنظور الأمني ، وكذا رجل دين من المنظور الديني ، ومسؤولين من كل مؤسسات الدولة ليوضحوا مردود هذا العمل وتأثيره على المجتمع . المشكلة التي تواجه الدولة حالياً وتحتاج الى تدخل المجتمع المدني وكل مؤسسات الدولة المعنية ، تكمن في انتقال شريحة العشوائيات إلى مناطق متحضرة حاملين ثقافة العشوائيات التي تربوا عليها سنيين طويلة ، وهنا تكمن الخطورة التي يجب مواجهتها ، وإلا ستتحول هذه المناطق الجديدة إلى عشوائية بصورة جديدة . الحديث عن ملف العشوائيات يوضح أن ترتيب الأولويات عند الدولة في الملفات التي يعاني منها المواطن ، تختلف عن رؤية الكثيرين ممن يتحدثون عن فقة ” الأولويات ” ، المهم أن هناك ملفات خطيرة تهدد الأمن القومي للبلاد ، بيتم فتحها وإصلاحها .