كتب // وائل عباس لم تكن التحركات الفرنسية المنفردة والتى تمت دون مشاورة الحلفاء خاصة فى الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ؛ كصفقات الأسلحة لمصر ؛ والتى غيرت موازين القوى فى منطقة الشرق الأوسط ؛ وأعادت ترتيب الجيوش على المستوى العالمي ليست بالشىء البسيط الهين ؛ ولا بالذى يمر مرور الكرام ؛ خاصة بعد اعتراض اللوبى الصهيوني العالمى عليه ؛ فهو حتما يشكل خطراً على إسرائيل وعلى المصالح العالمية ؛ ويفرض مصر كلاعب أساسي وبقوة فى اتخاذ القرارات العالمية لما تملكه مصر من موقع جغرافي ؛ وحتما كانت فرصة سانحة للمنافس اللدود لفرنسا وهى المملكة المتحدة ؛ وهنا تلاقت المصالح ما بين الولايات المتحدة وبريطانيا ؛ حتى ولو على حساب شريك استراتيجي وحليف أساسى فى حلف شمال الأطلنطى ؛ وكان لابد من إجراءات عقابية ضد فرنسا ؛ فكانت صفقة الغواصات لأستراليا هى أول الطعن ؛ ومشهد أظهار الحقائق . أن تحالف مصر وفرنسا أظهر للإدارة الفرنسية أنه يجب عليها أن تعيد ترتيب حساباتها جيدا وحتمت صفقة الغواصات النووية لأستراليا على فرنسا أن تسترجع التاريخ جيدا ؛ حيث عصر تصادم الأمبراطوريات ؛ ما بين بريطانيا سيدة البحار ؛ والامبراطورية الفرنسية ؛ والتنافس العدائى بينهما فى احتلال الشعوب ؛ ونهب الثروات ؛ ألقت الأزمة بظلالها على الساحة الدولية، بعد أن تسببت في أزمة دبلوماسية بين فرنسا وأستراليا من جانب وفرنسا وأميركا من جانب آخر، عقب فسخ أستراليا تعاقدها مع باريس لشراء 12 غواصة فرنسية وفقا لاتفاق مبرم بينهما عام 2016، وهو الأمر الذي وصفته الأخيرة بـ “طعنة في الظهر” اعتراضا على إلغاء الصفقة وإبرام تحالف ثلاثي بين أميركا وأستراليا وبريطانيا. ويرى مراقبون أن تبعات الأزمة الراهنة ولجوء أميركا لتحالف ثلاثي مع المملكة المتحدة وأستراليا، وتزويد أستراليا بغواصات تعمل بالطاقة النووية، تؤزم الخلاف بين أوروبا وأميركا الذي جاء عقب أزمة الانسحاب من أفغانستان، وربما تؤدي تلك الخلافات إلى رسم تحالفات جديدة خاصة مع تمسك عدد من دول الاتحاد الأوروبي بمقترح “تأسيس قوى عسكرية أوروبية” موازية لحلف الناتو.
وأدخل تحالف واشنطن مع لندن وكانبيرا ؛ العلاقات الأميركية – الأوروبية في أزمة تشبه أزمات حكم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، رغم ان الإدارة الأميركية الحالية بقيادة // جو بايدن … استهدفت إعادة العلاقات مع أوروبا لسابق عهدها بزيارة وزير الخارجية الأميركي // أنتوني بلينكن … إلى باريس، يونيو الماضي لإعادة مسار “العلاقات العابرة للأطلسي” إلى أصلها القديم. وتوالت ردود الفعل من الجانب الفرنسي، حيث أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية، الاتفاق مع الهند للعمل على برنامج “لترسيخ نظام دولي تعددي بحق”، يعزز الشراكة الاستراتيجية بينهما في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، لا سيما وأن فرنسا كانت تعتمد على علاقتها مع أستراليا والهند للحفاظ على وجودها في تلك المنطقة. كما استدعت فرنسا سفيريها في كانبيرا وواشنطن، وألغت حفل استقبال كان مقررا في إقامة السفير الفرنسي في واشنطن احتفالا بذكرى معركة بحرية في حرب الاستقلال الأميركية وانتهت بانتصار الأسطول الفرنسي على الأسطول البريطاني في نهاية القرن الـ 18. وتستمر أستراليا في تبرير موقفها بالتأكيد على إبلاغ فرنسا مسبقا بوجود مشاكل حقيقية بقدرة الغواصات التقليدية لتحقيق أهدافها الأمنية والاستراتيجية في المحيطين، حيث قال وزير الدفاع الأسترالي بيتر دونون، إن بلاده كانت صريحة ومنفتحة وصادقة” مع فرنسا بشأن مخاوفها من صفقة الغواصات الفرنسية. ولم تكتفِ أميركا بتصريحات أستراليا، بل أكد أنتوني بلينكن، على عدم التخلي عن أستراليا في مواجهة الممارسات الصينية لذا دعمتها بحيازة الغواصات النووية لتحسين قدرتها الدفاعية فرنسا تفسر الموقف الراهن بـ “الحرب الباردة” نظرا لأن صفقة الغواصات بين أميركا وأستراليا والتي أبرمت وفقا للتحالف العسكري الذي جمعهما مع بريطانيا خارج مظلة حلف الناتو له تبعات سلبية على أوروبا ؛ وفرنسا بالتحديد على المستويين العسكري والاقتصادي، كما أن باريس لم تعترض حينما طرح تشكيل هذا التحالف الدفاعي في المحيطين الهادئ والهندي وظنت أنها ستصبح شريكا في التحالف عبر تسليح أستراليا بالغواصات، قبل الإعلان عن إلغاء الصفقة. ولكنها سياسة المصالح ؛ والتى لايوجد فيها حلفاء دائمون ؛ ولا أعداء دائمون . فها هى فرنسا يضحى بها الحلفاء من أجل المصالح . ولن تقف فرنسا مكتوفة الأيدى ؛ فقد قامت بعقد تحالف دفاعى عسكرى بينها وبين اليونان تم من خلاله إمداد اليونان ب ٣ فرقاطات ورادار حديث ومعدات حربية بحرية بلغت قيمتها ال ثلاث مليار ونصف ؛ ليكون ذلك بمثابة حلف جديد في الشرق الأوسط يعيد ترتيب القوى فى تلك المنطقة الحساسة والإستراتيجية بالنسبة للعالم أجمع .
وتشير مجريات الأمور إلى احتمالية تقارب فرنسي روسي جديد في مجال تصنيع وبيع الأسلحة، وبالتالي فهو تقارب أوروبي – روسي محتمل، حيث تعد فرنسا القائد السياسي لأوروبا في إقامة العلاقات مع الدول، علاوة على وجود تقارب ألماني – روسي نوعا ما، وفي حالة إثبات موسكو النوايا الحسنة لإقامة علاقات مشتركة مع باريس وبرلين قد تنضم دول أوروبا الشرقية إلى هذا التحالف. ويعتبر التقارب الروسي- الأوروبي المحتمل قد يسمح بإقامة مشاريع مشتركة ووصول الغاز الروسي إلى أوروبا، والذي يعد ضربة قوية لأميركا لتصبح بمفردها مع تحالف “أوكوس” في مواجهة تهديدات الصين في المحيطين وفي جنوب الباسيفيك، خاصة وأن دول شمال وجنوب أوروبا لا تخشى الوجود الصيني في تلك المناطق . مما سبق نستنتج بعد نظر القيادة المصرية فى تقاربها وتحركها فى الأتجاه الفرنسى ؛ وعقد صفقات التسليح الضخمة معهم ؛ لتكون بمثابة نقطة اظهار الحقائق . لنرى ما ستسفر عنه الأحداث في القريب ؛ وإن كنت لأتوقع عن أن تلك التحركات وفقدان الحلفاء ماهى إلا بداية النهاية للعملاق الأمريكي . ولا زال للحديث بقية .