قال الكاتب حسن إسميك رئيس مجلس أمناء مركز ستراتيجكس للدراسات والأبحاث، إن البحث عن التميز والتفرد، أصبح الشغل الشاغل لأغلب الحكومات في العالم أجمع، ويسعى إليها عالمنا المعاصر، بكافة طوافه” أفراده وشركاته ودوله”، وكلها تبحث عن ميزات، نسبية أو مطلقة، في السياسة والاقتصاد والمجتمع، والحضارة بالعموم، بل يكاد بعضها يميل إلى تبني بعض المواقف” غير المقنعة ولا المنطقية ولا حتى الأصيلة”، سعيا للحصول على التميز المرتجى.
وأشار اسميك، إلى أن بعض الدول تمتلك الكثير من التميز، ليس على صعيد واحد فحسب إنما على كافة الأصعدة، ومن أولى الدول التي ستتبادر إلى الأذهان عند الحديث عن موضوع الفرادة والتميز نجد أنها “مصر” وبكل جدارة، فلم يختلف أحد على نجاح مصر وتميزها في العديد من المجالات المختلفة “الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية” وهو ما أكدته وأشادت به الكثير من الهيئات والمؤسسات الدولية.
وأكد إسميك، أن مصر تمكنت بخصوصية واستثنائية لا يشاركها فيها أي بلد آخر، من الحفاظ على طابع خاص عبر آلاف السنين، فلم تتوقف فرادتها عند حضارتها الفرعونية التي ما زال العالم حتى الآن يعمل على حل رموزها وكشف أسرارها، إنما تنسحب هذه الخصوصية إلى كل ما هو مصري، بدءا من الموقع الجغرافي والاستراتيجي لمصر، ونيلها العظيم أطول أنهار العالم، الذي وهبها الحياة كما يقول المؤرخ اليوناني هيرودوت، مروراً بشواطئها الذهبية الواسعة وسحر الغوص في بحارها وبين شعابها المرجانية، وواحاتها الكثيرة حيث ستحملك الجِمال (أو أية وسيلة نقل حديثة طبعا) في مغامرة صحراوية لا تُنسى، وصولاً إلى «جبل الطور»، حيث كلّم الله سبحانه وتعالى نبيه موسى وأنزل عليه الوصايا العشر، هذا الجبل الذي يعد إرثاً إنسانياً لكل أتباع الديانات التوحيدية الثلاث.
وأوضح حسن إسميك، أنه حتى الأديان في مصر لها طابعها الخاص الذي لا يشاركها به أحد، فتجمع على أرضها بعض أقدم الأديرة والمساجد في إفريقيا كلها، ويُعرف مسيحيو مصر بالأقباط، كلمة يعني أصلها اللاتيني «سكان مصر»، فهم كانوا سكانها فعلاً قبل دخول العرب مع الإسلام إلى أرض مصر على يد عمر بن العاص رضي الله عنه، والكنيسة القبطية هي إحدى أبرز الكنائس الشرقية وأكثرها خصوصية، وقد أسس أتباعها أول دير معروف في إفريقيا والعالم. دير «الأنبا أنطونيوس» بجبال الصحراء الشرقية جنوب السويس، وهناك تأسست الرهبنة.
كما أخذت الكنيسة القبطية على عاتقها حماية آلاف النصوص والدراسات اللاهوتية والإنجيلية.
وكانت مدرسة الإسكندرية المسيحية أول مدرسة من نوعها في العالم. وتستخدم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الطقس الليتورجي الإسكندري المميز، وموسيقاها الكنسيّة هي واحدة من الأقدم علمياً، وحتى التقويم القبطي مميز، إذ يتكون من 13 شهراً، ومازال مستخدماً من قبل كثير من المزارعين المصريين لأنه يتتبع بدقة المواسم الزراعية المحلية.
أما عن المساجد، ففي القاهرة القديمة، كما ذكرت، واحد من المساجد الأولى التي تم بناؤها في أفريقيا، مسجد عمرو بن العاص، القائد المسلم الذي أسس العاصمة الجديدة لمصر آنذاك، الفسطاط. كما تمتاز مصر أيضاً في أنها تحتضن مؤسسة الأزهر التي تضم ثاني أقدم جامعة في العالم، والأكبر في العالم العربي، والأكثر شهرة في العالم الإسلامي، ويُنظر إلى الأزهر كممثل عالمي للفكر الإسلامي، فهو في مدى تأثيره وقوة حضوره يشبه وإلى حد كبير الكنيسة الكاثوليكية (أو الفاتيكان) في الغرب.
وأكد أن الشعب المصري بكافة أديانه وطوائفه يمتلك شخصيةً مختلفة وطاغية وأصيلة، من اللكنات المتنوعة إلى الطعام وطرق تحضيره الغريبة وصولاً إلى العادات والتقاليد المتجذّرة.
تابع: وتجد أن كل مدينة في مصر لها زيها الخاص الذي يميزها عن المدن الأخرى، وإذا ما أتى سائح أو زائر إلى مصر لا يمكن أن يفوته حسن الضيافة والاستقبال، وإذا ما قرر المرور بالأسواق سيجد زخماً متنوعاً من البضائع والمنتجات اليدوية المحلية، ولا يبخل عليه بائع في عرضها والشرح عنها مع ابتسامة مشجعة ترتسم على وجهه. وحتى في مجال السينما والمسرح والدراما كانت مصر رائدةً ولا تزال تتصدر قائمة الإنتاجات العربية من حيث التنوع والكم والكيف على حد سواء.
وشدد الكاتب حسن إسميك، على أن مصر لا تقف عند هذا الحد، بل تستمر بمفاجأتنا بنبع من الكنوز والمفاخر التي لا تنضب. تركت الحضارات في مصر آثاراً عمرانية لا تعد ولا تحصى، ومازال الغموض والإثارة يلفّان الحضارة المصرية الضائعة والتي لم تُكتشف كل أسرارها حتى يومنا هذا، ما يجعل من مصر معيناً لا ينضب من التراث الإنساني، ويحول التجول بين روائعها الفنية المعمارية إلى ما يشبه الدخول إلى قصص الأساطير الخرافية الساحرة والخلابة.