فى لقاء مع اللواء رضا يعقوب المحلل الاستراتيجي والخير الأمني ومكافحة الإرهاب يعيش العديد من الإثيوبيين فى مخيمات اللآجئين فى السودان المجاور بسبب الصراع الدائر فى بلادهم. أسفرت الحرب فى إثيوبيا التى إستمرت 10 أشهر عن حدوث خسائر بشرية هائلة وسقوط الآف القتلى فضلاً عن تشريد ملايين آخرين من بينهم العديد ممن هم فى أمس الحاجة الى مساعدة.
بيد أن ذلك لم يكن الضرر الوحيد الذى منيت به ثانى أكبر دولة فى أفريقيا من حيث تعداد السكان بل كبدت الحرب البلاد تكلفة إقتصادية ضخمة، قد تستغرق سنوات لإصلاحها.
وتقول مواطنة من أديس أبابا تدعى تيغيست تبلغ من العمر 26 عاماً، لم ترغب فى الإفصاح عن إسمها بالكامل إن نفقاتها الشهرية تضاعفت لسببين: الحرب التى إندلعت فى منطقة تيغراى شمالى البلاد فى نوفمبر/تشرين الماضى، وجائحة فيروس كورونا. وتضيف: قبل كوفيد والصراع كنت أدفع 1000 بير (حوالى 22 دولاراً) شهريا لشراء البقالة. الآن أنفق 2000 بير. أسعار الأشياء أغلى الآن الهواتف والطعام والملابس.
وتظهر الإحصاءات الرسمية أن تكلفة السلع الإستهلاكية الأساسية إرتفعت بالفعل فى إثيوبيا، فقد سجلت زيادة فى المتوسط أعلى بنحو الربع فى يوليو/تموز مقارنة بعام سابق. وتضيف: أيضاً سعر صرف الدولار ليس جيداً فبعد أن كان سعر الدولار الواحد 35 بيرا العام الماضى، أصبح الآن 45 بيرا. ويقول فيصل روبل خبير مقيم فى الولايات المتحدة ومتخصص فى شئون القرن الأفريقى، إن الإنفاق على المجهود الحربى أثر سلباً بالفعل على قدرة إثيوبيا على شراء الدولار مما تسبب فى تدهور سعر الصرف. وليس من الواضح كم بلغت تكلفة الحرب بيد أن مؤسسة تريدنج إيكونوميكس تتوقع أن يصل الإنفاق العسكرى الى 502 مليون دولار بحلول نهاية العام الجارى، زيادة عن 460 مليون دولار العام الماضى. وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، قد صرح الأسبوع الماضى بأن الصراع إستنزف ما يزيد على مليار دولار من خزينة البلاد.
كان الإقتصاد الإثيوبى قبل جائحة فيروس كورونا والحرب واحداً من أسرع الإقتصادات نمواً فى المنطقة، إذ سجل نموا بمعدل 10% سنويا فى العقد حتى عام 2019، وفقاً للبنك الدولى. وعلى الرغم من أن تيغيست تتحدث عن السعر الرسمى المتاح فى البنوك تراجع سعر البير أكثر فى السوق غير الرسمية كما يقول روبل ووصل الآن الى 67 بيرا مقابل الدولار.
ويضيف أن أصحاب الأعمال التجارية فى البلاد قلقون من تدهور الوضع الأمنى فى ظل إنتشار الحرب خارج تيغراى والى منطقتى عفار وأمهرة المجاورتين.
ويقول روبل إن كثيرين يلجأون الى تجار الأموال على الحدود مع جمهورية أرض الصومال المعلنة من طرف واحد، وهذا يدفع سعر عملة البير الى التراجع أكثر. بدأت الحرب الأهلية عندما هاجم حزب الجبهة الشعبية لتحرير تيغراى الحزب الحاكم فى تيغراى، قواعد عسكرية حكومية فى نوفمبر/تشرين الثانى، وسط تصاعد الخلاف مع رئيس الوزراء آبى أحمد بشأن حل الإئتلاف الحاكم وتأجيل الإنتخابات. ومنذ ذلك الوقت خاض الجيش الإثيوبى، وحلفاؤه الإريتريون وقوات الشرطة الحكومية والميليشيات المحلية، حرباً دموية ضد مقاتلى تيغراى. وإتُهم الطرفان بإرتكاب أعمال وحشية بما فى ذلك الإغتصاب والقتل الجماعى للمدنيين. وتعانى تيغراى من عدم توافر خدمات أساسية بما فى ذلك الإتصالات السلكية واللآسلكية والبنوك منذ أن فرضت الحكومة حصاراً عليها فى يونيو/حزيران، بعد أن إستعاد المتمردون العاصمة الإقليمية ميكيلى. ويعيش أكثر من 400 الف شخص فى تيغراى بالفعل فى ظروف أشبه بالمجاعة فى ظل تقويض عمليات توزيع المساعدات ونقص إمدادات الكهرباء والوقود مما أدى الى إرتفاع الأسعار.
ويقول فيلمون برهانى، وهو من سكان ميكيلى لبى بى سى تيغراى إن أسعار المواد الغذائية والإيجارات إرتفعت مؤخراً بشكل كبير. ويضيف: لا توجد أموال لأن جميع البنوك مغلقة والمؤسسات الحكومية لا تدفع الرواتب. وعلى الصعيد الدولى، أثرت الحرب بشدة على سمعة إثيوبيا كمكان للإستثمار كما تقول الخبيرة الإقتصادية إيرمغارد إيراسموس من مجموعة إن كيه سى أفرقان إيكونوميكس الإستشارية. وتقول: إذا كان عملاؤك يتعرضون لضغوط شديدة من إرتفاع معدلات التضخم فلن ترى نمواً يحركه المستهلك كما نراه فى الولايات المتحدة أو منطقة اليورو. وتشير إيراسموس الى التحرير الأخير لقطاع الإتصالات فى إثيوبيا والذى جذب فى الأصل إهتمام عدد من مزودى الخدمات بما فى ذلك شركة إتصالات جنوب أفريقيا العملاقة إم تى إن. وفى النهاية نجحت شركة واحدة فقط فى تقديم عطاء للحصول على إحدى رخصتى الإتصالات المعروضتين وهى مجموعة تقودها شركة سافاريكوم الكينية بقيمة 850 مليون دولار. وعلى الرغم من أن القواعد قيدت فى البداية حاملى التراخيص الجدد من تفعيل نظام تبادل النقود عبر الهاتف المحمول وقللت من إهتمام المستثمرين تقول مصادر فى الصناعة إن صراع تيغراى أثر أيضاً بشكل كبير على تصورات المستثمرين. من المتوقع أن يتباطأ النمو الإقتصادى الإجمالى لإثيوبيا لهذا العام بشكل كبير من 6% عام 2020 الى 2% فقط عام 2021، وهو أدنى مستوى منذ ما يقرب من عقدين وفقا لصندوق النقد الدولى.
وتستورد البلاد نحو 14 مليار دولار من البضائع سنوياً، بينما تصدر 3.4 مليار دولار فقط. كما يثير الدين الوطنى الإثيوبى قلق المراقبين الإقتصاديين إذ يتوقع البعض أن يصل الى 60 مليار دولار خلال العام الجارى أو ما يقرب من 70 % من إجمالى الناتج المحلى.
وتقول إيراسموس: هذا تقدير متحفظ مضيفة أن الإنفاق العسكرى الإثيوبى قد يكون أعلى من المتوقع وربما تحمّلت ديونا لم يُعلن عنها فى الماضى. وعلى الرغم من فرض الولايات المتحدة بعض القيود على منح تأشيرات لإثيوبيين متورطين فى الحرب وعلقت بعض الإنفاق الا أن المجتمع الدولى يتردد حتى الآن فى فرض أقصى ضغوط إقتصادية على الحكومة، أو قطع برامج المساعدات السخية. ويعيش نحو ربع السكان تحت خط الفقر الوطنى، ويبلغ متوسط دخل الفرد سنويا 850 دولاراً فقط.
ويقول ويتنى شنايدمان، أستاذ فى معهد بروكينغز للأبحاث بواشنطن: من الواضح أن هناك مجالاً لتشديد العقوبات إذا لم يقم رئيس الوزراء آبى الذى فاز بجائزة نوبل للسلام عام 2019 بتخفيف حدة الصراع. ويضيف أن معضلة إدارة بايدن تتمثل فى ممارسة ضغوط كافية على آبى لإنهاء الحرب دون عزل إثيوبيا تماماً. ويقول شنايدمان: كل الأدوات مطروحة على الطاولة لكن لديك 110 ملايين شخص ولا يمكنك جعل الأمة منعزلة، إنها مهمة للغاية، وإستراتيجية للغاية”.