اللواء رضا يعقوب المحلل الاستراتيجي والخير الأمني ومكافحة الإرهاب بعد الظهور الأخير لزعيم القاعدة أيمن الظواهرى، تزايدت التكهنات حول إحتمال وفاته بدل يبددها وفى تقرير لآندى غريغورى نُشر مؤخراً فى الإندبندنت يقول الكاتب إن اللقطات التى أنتجها وأطلقها الذراع الإعلامى الرسمى للقاعدة، السحاب، تقدم أول لمحة جديدة عن الظواهرى منذ ظهور شائعات عن وفاته بسبب المرض لأول مرة فى أواخر العام الماضى.
ما يمكن أن نعرفه هو أن الظواهرى كان على قيد الحياة حتى يناير/كانون الثانى وبينما أشار خطابه الى الإنسحاب الأمريكى من أفغانستان الذى تم تأكيده لأول مرة فى فبراير/شباط 2020 بموجب إتفاق الدوحة لم يشر الى إستيلاء طالبان على أفغانستان الشهر الماضى.
ومع ذلك، أشار الظواهرى الى هجوم إستهدف القوات الروسية على أطراف مدينة الرقة شمال سوريا فى يناير/كانون الثانى الماضى من هذا العام، بعد عدة أسابيع من ظهور شائعات عن وفاته لأول مرة فى نوفمبر/تشرين الثانى.
بحسب حسن حسن، مؤسس مجلة نيو لاينز ونقلاً عن مصادر مقربة من التنظيم لم تعلّق قيادة القاعدة على التقارير المتعلقة بوفاته المحتملة عندما ظهرت لأول مرة فى نوفمبر/تشرين الثانى.
تولى جراح العيون، الذى ساعد فى تأسيس جماعة الجهاد المصرية قيادة القاعدة فى أعقاب مقتل بن لادن على أيدى قوات أمريكية فى الثانى من مايو/ أيار 2011. وقبل ذلك كان ينظر للظواهرى على أنه الساعد الأيمن لبن لآدن والمنظر الرئيسى لتنظيم القاعدة.
ويعتقد بعض الخبراء أنه من العناصر الأساسية وراء هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، إذ كان إسمه آنذاك ثانياً بعد بن لادن فى قائمة تضم 22 من “أهم الإرهابيين المطلوبين” للولايات المتحدة. وكانت الحكومة الأمريكية قد رصدت مكافأة بقيمة 25 مليون دولار لمن يساعد فى الوصول اليه. ويشير بعض الخبراء الى أن تنظيم الجهاد المصرى، سيطر على تنظيم القاعدة حين تحالفا نهاية التسعينيات من القرن الماضى.
وكان الظواهرى قد شوهد آخر مرة فى بلدة خوست شرقى أفغانستان فى أكتوبر/ تشرين الأول عام 2001، حين بدأت واشنطن حملتها العسكرية للإطاحة بحكومة طالبان. وإستطاع فى ذلك الحين الإختفاء فى المناطق الجبلية على طول الحدود بين أفغانستان وباكستان وذلك بمساعدة رجال قبائل متعاطفين.
وقد برز الظواهرى كأحد الناطقين البارزين بإسم القاعدة. وقد ظهر فى 16 شريطاً مرئياً ومسموعاً فى عام 2007، ويمثل ذلك 4 أضعاف ظهور بن لادن فى العام ذاته.
شكل بن لادن والظواهرى الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين عام 1998 ويعتقد أن الظواهرى قد إستهدف بضربة صاروخية أمريكية فى 13 يناير/ كانون الثانى من عام 2006 بالقرب من الحدود الباكستانية مع أفغانستان. وقد قتل فى الهجوم آنذاك 4 من أعضاء القاعدة ولكن الظواهرى نجا وظهر على شريط فيديو بعد أسبوعين يحذر فيه الرئيس الأمريكى آنذاك، جورج بوش أنه لا هو ولا كل القوى على الأرض يمكن يقتلوه إن لم يكن مقدراً له ذلك.
وفى يوليو/ تموز من عام 2007، ظهر فى شريط مرئى مطول يحث فيه المسلمين حول العالم الإنضمام الى الحركة الجهادية والإلتفاف حول تنظيم القاعدة. وفى الشريط ذاته حدد الظواهرى إستراتيجية القاعدة المستقبلية وقال إن التنظيم على المدى القصير يهدف الى مهاجمة مصالح الصليبيين واليهود قاصداً بذلك الولايات المتحدة وحلفائها فى الغرب وإسرائيل. وأما على المدى الطويل فقد اعتبر الظواهرى إسقاط الأنظمة فى العالم مثل السعودية ومصر، الهدف الأساسى داعياً الى إستخدام أفغانستان والعراق والصومال كمناطق لتدريب المتشددين الإسلاميين.
وفى 8 يونيو/ حزيران من عام 2011، أصدر الظواهرى بياناً يحذر فيه الأمريكيين من أن بن لادن سيستمر فى ترويع الولايات المتحدة حتى من قبره. ينحدر الظواهرى المولود فى العاصمة المصرية القاهرة فى 19 يونيو/ حزيران من عام 1951، من عائلة متميزة من الطبقة المتوسطة، وفيها العديد من الأطباء وعلماء الدين. جده، ربيع الظواهرى تقلد منصب شيخ جامع الأزهر الذى يعد أحد أهم مراكز التعليم الإسلامية السنية الأساسية فى الشرق الأوسط، فى حين أن أحد أعمامه كان أول أمين عام لجامعة الدول العربية. وتقول دائرة المعارف البريطانية إن الظواهرى ترعرع فى حى المعادى جنوبى القاهرة، وتأثر فى صباه بشكل كبير بكتابات سيد قطب.
وقد إنخرط الظواهرى فى نشاطات حركات الإسلام السياسى فى سن مبكرة، وهو لا يزال فى المدرسة، وقد إعتقل فى سن الخامسة عشر، لإنضمامه لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة.
وتعد جماعة الإخوان المسلمين من أقدم الجماعات الإسلامية وأكبرها فى مصر. لكن نشاط الظواهرى السياسى لم يمنعه من دراسة الطب فى جامعة القاهرة التى تخرج منها فى عام 1974. من بينهم 15 سعودياً وتزعمهم مصرى تعرّف على منفذى هجمات 11 سبتمبر 2001
ثم خدم لمدة 3 سنوات جراحاً بالجيش، وفى عام 1978 حصل على درجة الماجستير فى الجراحة. وفى الفترة من 1980 الى 1981 سافر كعامل إغاثة مع الهلال الأحمر الى بيشاور فى باكستان حيث عالج اللآجئين المتضررين من الحرب الأفغانية. وخلال ذلك الوقت قام بعدة رحلات عبر الحدود الى أفغانستان حيث شاهد الحرب عن كثب.
ويذكر أن والده محمد الذى توفى فى العام 1995كان أستاذاً فى علم الصيدلة فى نفس الجامعة. بدأ الظواهرى فى البداية يتبع التقاليد العائلية وأسس عيادة طبية فى إحدى ضواحى القاهرة، ولكنه سرعان ما إنجذب الى الجماعات الإسلامية التى كانت تدعو للإطاحة بالحكومة المصرية. والتحق بجماعة الجهاد الإسلامي المصرية منذ تأسيسها فى العام 1973.
وفى عام 1981، إعتقل ضمن المتهمين بإغتيال الرئيس المصرى آنذاك أنور السادات. وكان السادات قد أثار غضب الناشطين الإسلاميين من خلال التوقيع على إتفاق سلام مع إسرائيل، وإعتقال المئات من منتقديه فى حملة أمنية آنذاك. وخلال إحدى جلسات المحاكمة، ظهر الظواهرى بإعتباره متحدثاً بإسم المتهمين، لإتقانه اللغة الإنجليزية، وصور وهو يقول للمحكمة: نحن مسلمون نؤمن بديننا ونسعى لإقامة الدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامى. ورغم تبرئته فى قضية إغتيال السادات، فقد أدين بحيازة الأسلحة بصورة غير مشروعة، وحكم عليه بالسجن مدة 3 سنوات. وعقب الإفراج عنه في العام 1985 غادر الى السعودية. وبعد ذلك بوقت قصير توجه الى بيشاور فى باكستان وأفغانستان المجاورة فى وقت لآحق، حيث أسس فصيلاً لحركة الجهاد الإسلامى المصرية، وعمل طبيباً أيضاً فى البلاد خلال فترة الإحتلال السوفيتى.
وتولى الظواهرى قيادة جماعة الجهاد بعد عودتها للظهور فى عام 1993، وعُد الشخصية الرئيسية وراء سلسلة من الهجمات داخل مصر بما فيها محاولة إغتيال رئيس الوزراء آنذاك عاطف صدقى. وتسببت سلسلة الهجمات، التى شنتها تلك المجموعة للإطاحة بالحكومة المصرية وإقامة دولة إسلامية فى البلاد خلال منتصف التسعينيات من القرن الماضى بمقتل أكثر من 1200 شخص فى مصر.
وفى عام 1997 قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن زعيم جماعة طلائع الفتح وهو فصيل من فصائل حركة الجهاد الإسلامى، يقف وراء المذبحة التى تعرض لها السياح أجانب فى مدينة الأقصر فى العام نفسه. وبعد ذلك بعامين صدر على الظواهرى حكم بالإعدام غيابياً من قبل محكمة عسكرية مصرية لدوره فى الكثير من الهجمات فى مصر.
فى السنوات التى أعقبت الإنسحاب السوفيتى من أفغانستان، يُعتقد أن الظواهرى أقام فى بلغاريا والدنمارك وسويسرا، وإستخدم فى بعض الأحيان جواز سفر مزور للسفر الى منطقة البلقان والنمسا واليمن والعراق وإيران والفلبين. وتقول دائرة المعارف البريطانية إن بن لادن كان قد غادر الى السودان فى عام 1992 حيث إنضم اليه الظواهرى فى النهاية هناك، وفى يونيو/حزيران من عام 1995 جرت محاولة فاشلة لإغتيال الرئيس المصرى حسنى مبارك، وتحت ضغط دولى طرد السودانيون فى النهاية الظواهرى وبن لادن وأتباعهم.
وفى ديسمبر 1996 أشارت تقارير الى أن الظواهرى سُجن لستة شهور، فى روسيا بعد القبض عليه، لدخوله داغستان فى طريقه للشيشان، من دون تأشيرة دخول سارية المفعول. ووفقاً لمقال كتبه الظواهرى، فإن السلطات الروسية فشلت فى التعرف على النصوص العربية فى جهاز الكمبيوتر الخاص بها ولذلك لم تكتشف هويته.
وفى عام 1997 إنتقل الظواهرى الى مدينة جلال أباد الأفغانية، حيث كان بن لادن يقيم. وبعد سنة، إنضم تنظيم الجهاد وخمس مجموعات راديكالية أخرى، الى بن لادن وتنظيم القاعدة مشكلين الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين. وشمل إعلان الجبهة لأول مرة فتوى دينية تسمح بقتل المدنيين فى الولايات المتحدة، وبعد 6 أشهر، دمرت إثنتان من الهجمات المتزامنة السفارتين الأمريكيتين فى كينيا وتنزانيا ما تسبب بمقتل 223 شخصا. وكانت مكالمات الظواهرى عبر هاتف فضائى قد إستخدمت كدليل لإثبات أن القاعدة تقف وراء الهجوم. وبعد أسبوعين من الهجمات، قصفت واشنطن معسكرات تدريب إسلامية متشددة فى أفغانستان. وفى اليوم التالى إتصل الظواهرى هاتفياً بصحفى باكستانى، وقال: قل للأمريكيين إن هذه الصواريخ وتهديداتها، وأعمالها العدوانية لا تخيفنا. الحرب بدأت للتو.
بعد وفاة بن لادن فى عام 2011، بايع خليفته أيمن الظواهرى الملا عمر بالنيابة عن تنظيم القاعدة وفروعها الإقليمية. وجُددت البيعة فى عام 2014 بعد الإعلان عن إقامة “الخلافة” فى العراق وسوريا.
فى يوليو/ تموز 2015 أعلنت طالبان أن الملا عمر قد مات قبل عامين وكان عرض الظواهرى بيعة الملا عمر بعد موته مصدر إحراج للقاعدة. وجدد الظواهرى بيعته للزعيم الجديد لطالبان الملا أختر محمد منصور فى 13 أغسطس/آب 2015 متعهداً بـ الجهاد لتحرير كل شبر من الأراضى الإسلامية المحتلة. وإعترف منصور بسرعة بتلقيه بيعة زعيم المنظمة الجهادية الدولية وهو بمثابة إقرار واضح بأهداف العمل الجهادى العالمى لتنظيم القاعدة. وهذا الموقف يتناقض تماماً مع الرسالة التى تحاول طالبان إيصالها للعالم الخارجى وهى أن الجماعة معنية بتطبيق الإسلام فى أفغانستان فقط وترغب فى إقامة علاقات طبيعية مع الدول المجاورة. وعندما تولى الزعيم الحالى هبة الله أخوند زاده قيادة الجماعة بعد وفاة منصور فى غارة جوية أمريكية في مايو/ أيار 2016 لم تعترف طالبان علناً ببيعة الظواهرى للحركة كما لم تنكرها. وهذا الغموض الذى يلف الوضع الحالى للبيعة يقع فى صلب الجدل وعدم اليقين المستمر حول العلاقة بين المجموعتين.