قال الكاتب والمفكر حسن إسميك، إن الأنظار تتجه إلى أفغانستان التي تتصدر المشهد السياسي الإقليمي والعالمي، لأن ما يجري هناك من أحداث قد يغير من شكل الصراع المستمر بين الأقطاب الكبرى المتناحرة في العالم، ويرسم ملامح جديدة للنظام العالمي وخرائط توازع النفوذ القائمة، كما حدث منذ 20 عاماً بالضبط عندما شهد عام 2001 استهداف برجي مركز التجارة العالمي ومقر وزارة الدفاع الأميركية– البنتاغون، في هجوم أسفر عن آلاف الضحايا تبناه تنظيم القاعدة من أفغانستان نفسها، لتعلن على أساسه الولايات المتحدة حربها على الإرهاب، تلك الحرب التي غيرت كثيراً في الموازين الدولية، ومازالت تغير إلى اليوم، وكان كل ما بعدها ليس كما قبلها.
وأوضح إسميك، أنه كان لهذا الحدث واحدا من أكبر الصدمات العالمية، وبدأت التحليلات تطفو على السطح، فكانت النظريات القائلة بوجود اتفاق وتنسيق بين العاصمة واشنطن وأجهزة مخابراتها من جهة وطالبان من جهة أخرى حاضرة بقوة، حالها حال نظريات مضادة تتحدث عن تعرض الأمن العالمي عموما والأمريكي على وجه الخصوص لخطر إرهابي جديد قد يتوغل في العواصم الأوروبية والمشرقية معاً، وكل ما بين هذين الطرفين من مروحة احتمالات.
تابع: لكن، اليوم وبعد عشرين عاماً لم يعد لأي من هذه النظريات أهمية كبيرة، خاصة وأن الرئيس السادس والأربعين لأميركا “جو بايدن” قرر الانسحاب الكامل من أفغانستان وتنفيذ الوعد الذي لم يفِ به سلفه الديمقراطي “باراك أوباما”.
وأكد أن قرار الانسحاب من أفغانستان لاقى دعماً في أروقة صنع القرار الأميركي، كما ساند حلفاء أمريكا في أوروبا الرئيس بايدن بشكل واضح، وخرجت تصريحات مختلفة تقول بإمكانية إقامة علاقات دبلوماسية مع طالبان، أي إعطاءها الشرعية الدولية كحكومة وتحولها من حركة إرهابية إلى مؤسسات رسمية تمثل دولة بأكملها، حتى ولو كانت التصريحات تحمل طابع “التريث” الذي تحدثت عنه وزارة الخارجية الأميركية.
ولفت إلى أن التوجه الأوروبي يشي لإقامة علاقات مع طالبان –على اعتبارها “منتصرة بالحرب” حسبما جاء على لسان وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل– بحدوث تغير جذري في قواعد اللعبة التي وضعتها واشنطن أساساً بعد انسحابها دون أن تطبقها.
أضاف أن الواقع يزداد تعقيداً بالنسبة للإدارة الأمريكية نتيجة السباق ما بين الصين وروسيا وتركيا للحوار مع طالبان، شريطة قيام الحركة بالإعلان عن خطتها الجديدة والمناسبة في إدارة البلاد.
وشدد على أنَّ الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، أو من أي حرب أمريكية في الخارج خاصة في الشرق الأوسط، هو مطلب شعبي أمريكي بلا شك، لكن المنعطف الذي شهده هذا الانسحاب من أفغانستان، والطريقة التي عادت فيها طالبان للسيطرة، هي التي تضع بايدن وإدارته أمام أسئلة كبيرة من الصعب الإجابة عنها بالمعطيات والوثائق المكشوفة أمام الجميع، فالفشل واضح، ونتائجه جاءت أسرع من المتوقع، خاصة وأنه قبل إتمام عملية إجلاء القوات الأميركية كانت طالبان قد بسطت سيطرتها على كامل البلاد تقريباً.
يقول بايدن متحدثاً عن السياسة الأمريكية الجديدة: «لقد طورنا القدرة على مكافحة الإرهاب عبر الأفاق التي ستسمح لنا بإبقاء أعيننا ثابتة على أي تهديدات مباشرة للولايات المتحدة في المنطقة، والتصرف بسرعة وحسم إذا لزم الأمر». وهذا سيعني أن الولايات المتحدة ستضرب أية تهديدات مستقبلية من بعيد. لكن بايدن لم يفسر كيف أن انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان سيساعد في الواقع على تطبيق هذه السياسة، خاصة وأن طالبان ترى نفسها اليوم “منتصرة”، وبرأيها وبرأي مناصريها فقد كان صبرها وثباتها ومرونتها أقوى من جيوش العالم، ولن تتوانى بالطبع عن استخدام هذه الدعاية في تجنيد مؤيدين جدد، وترهيب المعارضين لها وتعزيز سلطتها.
قد تكون الإدارة الأمريكية على وعي تام بما تفعله، وقد يكون لدى بايدن وفريقه “بجعات سوداء” وأوراقاً لم تطرح على طاولة الضغوطات حتى الآن، وقد يحمل قرار الانسحاب نتائج إيجابية لأمريكا على المدى الطويل، وقد يحسّن قدرتها في الحفاظ على أمنها، لكن كل هذا لا ينفي وصف هذا الانسحاب بأنه أحد أكثر الأفعال قسوة حتى في براغماتيا السياسة، وانه أظهر أنانية غير مسبوقة للدولة التي يقوم خطابها العالمي على الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان. وإذا كان العالم كله قد تعاطف مع الأمريكيين في 11/9/2001، إلا أنهم اليوم –والأمريكيون أولهم– غير متعاطفين مع قرار بايدن، وما زال من الصعب تخمين سبب قراره ربط التاريخين معاً!.