متابعة عادل شلبى قال عنى ديودورس الصقلى «مؤرخ يونانى ألَّف أربعين كتابًا، مات سنة ٣٠ قبل الميلاد عن ٦٠ سنة عمرًا»: ما أعجب هؤلاء القوم «المصريين»!. بالتحنيط رأيت جمال الوجه وشكله كما هو!، شعر الرأس والحواجب، بل رموش العين كما هى!، ملامح مَن ماتوا منذ وقت بعيد كما هى!، احتفظوا بأجساد أسلافهم بحالة جيدة حتى هُيِّئ لى أنهم مازالوا أحياء بيننا!!.
أعداء الحضارة المصرية يهاجموننى ويقولون: ما الفائدة؟، إنها حضارة موت، بينما يرد عليهم آلان جاردنر: لم أجد شعبًا على وجه الأرض أَحَب الحياة وكره الموت مثل الشعب المصرى!، أنفقوا معظم ثرواتهم لمقاومة الموت!، تجدون بردية فى إحدى المقابر تقول: يا مَن تحب الحياة مثلى، وتكره الموت كما كنت أمقته، أعطنى ما فى يديك!، لقد أعطيت الناس أملًا فى حياة بعد هذه الحياة، وبالتالى كان قانون الأخلاق والثواب والعقاب. كنت سببًا فى تقدم العلوم الطبية، خاصة الجراحة، لأنى كنت بمثابة علم التشريح الآن.
ولعلكم تذكرون ما ذكره أ. د. محمد فياض فى كتابه: المرأة الفرعونية، حين تقدم ببحث فى مؤتمر سنغافورة عن اكتشاف مصر القديمة انسداد أنابيب فالوب كسبب من أسباب العقم عند النساء، وكيف كان تعليق رئيس الجلسة: هذا يدل دلالة واضحة على دراية قدماء المصريين بدقائق الجسم البشرى. طبعًا هذه المعارف جاءت بسببى: التحنيط!. كما برعوا فى عملية المياه البيضاء «كاتاراكت»، زراعة الأسنان، الفتق، التثبيت الداخلى لكسور العظام «المتحف البريطانى»، الأطراف الصناعية، ربط الشريان المغذى للأنبورزم، كما استفاد الطب الحديث من استخراج المخ عن طريق الأنف، وأنتم الآن تضعون مواد مشعة عن طريق الأنف لعلاج أورام الغدة النخامية فى المخ.
تخلطون ما بين كلمة Embalming، وهى كلمة لاتينية معناها التعطير؛ لأنى كنت أضع الراتنجات العطرية فى جسد المتوفى، وبين كلمة لاتينية: Mumification، ومعناها القار الأسود الذى يتسرب من الأرض، ومن هنا جاءت كلمة مومياء.
وصف هيرودوت عملية التحنيط: ١- استخراج المخ من الأنف بعد وضع مواد مذيبة للمخ من الأنف. ٢- فتحة جانبية فى البطن من الناحية اليسرى لاستخراج كل شىء ما عدا القلب والكليتين «جاء فى العهد القديم.. يا فاحص القلوب والكلى». ٣- غسل التجاويف بالكحول «نبيذ البلح». ٤- ملء التجاويف بالراتنجات العطرية والصمغ النقى. ٥- حقن مواد تحت الجلد حتى يعطى الجسم شكله الظاهرى قبل الموت. ٦- تُخاط فتحة الخاصرة كما تُخاط الفتحة الشرجية. ٧- يُغمر الجسد أربعين يومًا فى الملح الصخرى «جناز الأربعين». ٨- عيون زجاجية. ٩- يُلف كل عضو بالكتان Criss- Cross.
ذكر ديودورس طقسًا لم يذكره هيرودوت، أنه كان يأتى مَن يقوم بعمل الفتحة فى الخاصرة اليسرى بسكين حاد، ويجرى، ثم يتظاهر البعض بالجرى وراءه ويلعنونه، ذلك لأن القانون عندنا كان: كل مَن جرح إنسانًا حيًا أو ميتًا باستثناء الأطباء، يستحق اللعنة. أنا علم التحنيط بدأت فى عصر ما قبل الأسرات، ولكنى لم أكن متمكنًا من فنى، فكانت الوجوه مشوهة، لذا لجأ المصريون إلى فن الرسم والتماثيل حتى تستدل الروح على صاحبها، فكنت سببًا فى تقدم الفنون، وكنا نرسم وجه الأوزير «المرحوم» على غطاء التابوت، ويحمل هذا الوجه طائر أخضر جميل يصعد به إلى السماء، لعلكم تذكرون هذا الحديث النبوى الشريف: «أرواح الشهداء فى حواصل طيور خضر تصعد بها إلى الجنة»، تطورت علميًا حتى بلغت الذروة فى الأسرة ٢١.
كانت هناك طرق أخرى رخيصة للتحنيط، وهى حقن زيت الأرز Cedar OIL. أخيرًا كنا قبل التحنيط نُشرِّح الجثة بحثًا عن سبب الوفاة، خصوصًا بعد الحوادث، وهو ما تسمونه الآن P.M، أى post Mortum، تجدون فى بردية أدوين سميث حالة كسر فى الفقرات العنقية تقول: شلل رباعى، وعند التشريح تجد الفقرة العليا مغروزة فى الفقرة السفلى، كما تنغرز القدم فى الطمى!، لا تعجبوا منّا، اسمعوا لأمير الشعراء وهو يتغنى بنا:
مشت بمنارهم فى الأرض روما/ ومن أنوارهم قبست أثينا
تعالى الله كان السحر فيهم/ أليسوا للحجارة مُنْطِقينا؟!.