لواء د. سمير فرج متابعة عادل شلبى في دراسة وتحليل استراتيجي لمعهد الدراسات الاستراتيجية في لندن (IISS) تناول التحليل ماذا حقق الحزب الشيوعي في الصين خلال احتفال الصين هذا العام في أول شهر يوليو 2021 بالذكري المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني خلال هذه الاحتفالية شن الحزب حملة دعاية سياسية واسعة النطاق ليذكر الشعب الصيني بما قدمه الحزب الشيوعي للصين خلال مائة عام ويذكر التقرير أن صحيفة الواشنطن بوست أجرت استطلاع عبر الانترنت اشترك فيه حوالي 20 ألف مواطن حيث أظهرت فيه النتائج أن الغالبية العظمي من الشعب الصيني يثق بحكومته الوطنية وحزبه الذي حقق ذلك النجاح. ويضيف التقرير أن الحزب الشيوعي الصيني نجا من العديد من الأزمات التي كان من الممكن أن تقضي عليه لذلك أصبح الآن أهم نظام شيوعي لايزال في السلطة ورغم أن النظام الشيوعي في كوبا وكوريا الشمالية موجودون إلا أن أوضاعهم الاقتصادية الصعبة تعطي التفوق للحزب الشيوعي الصيني وأفاد التقرير أنه من اللافت للنظر أن الحزب الشيوعي الصيني قد احتفظ بالسيطرة الكاملة علي الدولة الصينية التي تمر الآن بأسرع وأهم توسع اقتصادي في تاريخ العالم وهذا الذي دعي الي خوف الولايات المتحدة الأمريكية من التطور الاقتصادي الصيني السريع والذي أدي الي قيام الولايات المتحدة منذ عهد الرئيس السابق ترامب الي فرض العديد من الإجراءات المضادة لمنع التمدد الاقتصادي الصيني في الولايات المتحدة وأوروبا. حيث ظهرت المشكلة فجأة عندما وجدت الولايات المتحدة الأمريكية أنها تستورد من الصين منتجات أكثر من أي دولة أخري في العالم حيث قدرت غرفة التجارة الأمريكية طبقا لإحصائية عام 2017 أن استيراد الولايات المتحدة من الصين بقيمة 505 مليار دولار بينما يبلغ حجم تصدير منتجاتها الي الصين 130 مليار دولار وبالدخول في التفاصيل يظهر أن الولايات المتحدة تستورد من الصين المعدات الكهربائية وأجهزة اللاب توب والهواتف والآلات بقيمة 146 مليار دولار والأحذية وخاصة الأحذية الرياضية بقيمة 1,4 مليار دولار.. كل هذه الأرقام بالطبع أزعجت الرئيس السابق ترامب ومن هنا بدأت الولايات المتحدة في اتخاذ الإجراءات الاقتصادية العنيفة ضد الصين. وعلي المستوي الأوروبي كانت علاقات الصين مع أوروبا قد شهدت تطوراً كبيراً حيث نما حجم التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي والصين بمقدار ثمانية أضعاف ووصل الي 560 مليار يورو عام 2019 مما أدي لخفض أسعار السلع الاستراتيجية في الدول الأوروبية ولهذا باتت الصين المصدر الرئيسي لما يقرب من ربع السلع المستوردة الي دول أوروبا في العام الماضي ولكن هناك بعض الانتقادات لهذه العلاقة الاقتصادية حيث تقول الأرقام أن 43% من الصادرات الصينية لأوروبا هي سلع استهلاكية مثل أجهزة الهواتف المحمولة والكمبيوتر والأجهزة المنزلية وعلي الجانب الآخر فإن الصين تعتمد بشكل كبير علي استيراد معدات أوروبية تدخل في السلع والمنتجات التي تصدرها للخارج لذلك يعتبر المحللين أن استثمارات الشركات الأوروبية ضرورة في تنمية الاقتصاد الصيني وتعمل الولايات المتحدة الأمريكية حاليا علي عمل تحالف لمجابهة النفوذ الاقتصادي الصيني وخاصة مع دول أوروبا لذلك قام الاتحاد الأوروبي في مارس الماضي بفرض العقوبات علي الصين بسبب انتهاكات حقوق الإنسان لأقلية الايغور المسلمة وهذا بالطبع خلق مناخا غير سوي علي العلاقات المستقبلية بين البلدين رغم أن هناك عدد من الدول الأوروبية التي تدعم الصين ولا تري خطراً من نفوذها مثل اليونان والمجر وإيطاليا والبرتغال وصربيا.. ورغم ذلك كله فإن التقرير يري أن الصين في طريقها لتجاوز الولايات المتحدة كأكبر قوة اقتصادية وسوق استهلاكي قريبا مما يصعب الانفصال الاقتصادي بين الصين وأوروبا. ويؤكد التقرير أن بقاء الحزب الشيوعي الصيني في السلطة مائة عام بسبب قدرته علي الجمع بين الالتزام بالأيدولوجية الماركسية اللينينية والقدرة علي توفير احتياجات الشعب الصيني قدر الإمكان مع القدرة علي المرونة في الغاء بعض القوانين القديمة وكان أبسط مثال علي ذلك الغاء قانون الطفل الواحد حيث صدر هذا العام قانون جديد يسمح للأسرة الصينية أن تنجب 3 أطفال بدلا من واحد ولاشك أن هذا القرار قد اسعد معظم العائلات الصينية وأتذكر وأنا في الصين وجدتهم يتندرون بالإمبراطور وعندما سألت من هذا الإمبراطور كانت الإجابة هو الطفل الصيني لأن الأسرة الصينية غير مصرح لها إلا أن تنجب طفل واحد فقط وهذا الطفل أصبح مدلل من الأب والأم ثم الجد والجدة للأب والأم أي ستة أفراد يدللون هذا الطفل الذي اطلقوا عليه الامبراطور. وتقول الدراسة أنه منذ أن بدأ الإصلاح والانفتاح الصيني في أواخر السبعينيات أن التزم الحزب الشيوعي الصيني بالعمل علي تحسين حياه المواطن العادي لذلك أصبحت الحياة الاقتصادية لهذا المواطن أفضل مما كانت عليه قبل 20 عاما رغم أن الحزب في هذه الفترة كانت الاسبقية له هو النمو الاقتصادي والتحرير الاجتماعي وكان أبسط مثال علي ذلك النمو الكبير لشركات التكنولوجيا الصينية التي لعبت دورا كبيرا في النمو الاقتصادي وكانت شركة هواوي الصينية أبرز مثال علي ذلك بعملها داخل دول أوروبا كلها. ويأتي ملخص التقرير أن الحزب الشيوعي الصيني قد حقق طفرة كبيرة أن بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي ضعف ما كان يحصل عليه عام 2010 لذلك فإن المشكلة الآن لهذا الحزب كيف سيحافظ علي هذا المستوي في الأعوام القادمة ولكن يضيف تقرير معهد الدراسات الاستراتيجية في لندن أن الدولة الصينية والحزب الشيوعي لايزال يعتقل جماعات الماوين الجدد نسبة الي الزعيم ماوتس تونج الذين يرون أن الصين لم تعد اشتراكية وتعاني من عدم المساواة والحرمان الاجتماعي. علي أية حال كان الاحتفال هذا العام يفوق كل التصورات وعلي مستوي كل المستويات والأنشطة الشعبية حيث شملت المعارض والقراءات وعروض الأفلام والمسابقات وتقديم الأغاني الثورية مثل “بدون الحزب الشيوعي لن تكون هناك الصين الجديدة” حتي موسيقي الراب ظهرت في هذه الاحتفالات وتوسعت في هذه الاحتفالات بما يسمي بالسياحة الحمراء علي أساس زيارة شباب الصين بالمواقع التي ارتبطت بالأحداث الكبرى في تاريخ الحزب الشيوعي الصيني. كما كان شعار الاحتفال هذا العام هو “الانتصار” ويعني انتصار الحزب الشيوعي لتحقيق هذا التقدم الكبير للصين وهذا ما اعلنه الرئيس الصيني في الاحتفال بأن الحزب حقق ما يسميه “حلم الصين” بمعني مزيج من الرخاء والقوة التي من خلالها ستأخذ الدولة مكانها في العالم لتصبح القوة الجديدة في العالم الجديد ورغم أن التقرير لم يشير الي القوة العسكرية الصينية التي أخذت في التطور أيضا كذلك لم يشر الي مشاكل الصين مع الولايات المتحدة والحرب الاقتصادية التي تشنها الولايات المتحدة بحدة ومعها بعض دول الاتحاد الأوروبي إلا أن ذلك لم يمنع أن الصين سوف تصبح في الأعوام القادمة الي أن تكون الدولة التي سوف ترعب الجميع.