في معركتها ضد وباء كوفيد-19 وقد أصبح إلزاما على كل مواطن فرنسي أو زائر إظهار بطاقة التصريح الصحي أو ما يطلق عليه باللغة الفرنسية Le passe sanitaire تلك الوثيقة التي غيرت ملامح الحياة في باريس.
ولا يمكن لغير حامل هذه البطاقة التي تشير إلى أن صاحبها قد تلقى اللقاح ضد كوفيد-19 أو كشف بي سي آر أن يرتشف قهوة أو يتناول الطعام في إحدى المطاعم الفرنسية أو حتى زيارة المستشفيات لغير الظروف العاجلة فضلا عن دخول قاعات السينما والمتاحف وركوب المواصلات.
وبدأ الناس في شوارع باريس في اكتشاف الطعم الجديد للحياة في زمن كورونا وعلى ملامح أصحاب المطاعم والمقاهي إحساسا بالحرج وأحيانا بالتردد.
فسلطة القانون فوق الجميع خاصة مع العقوبات التي أعلن عنها مؤخرا والتي بدت جد مشددة ضد كل من يخالف التصريح الصحي.
وعلى خلاف العادة يصطف الزبائن في طوابير أمام المقاهي والمطاعم وقبل الجلوس وطلب ما يريدون من أكل وشرب، يستقبلهم النادل بعبارة:صباح الخير هل لديكم التصريح الصحي.
إنها عبارة مزعجة لمن لا يقم بالتلقيح بعد سواء عن قناعة أو لضيق وقته، فقد قلبت كورونا موازين الفسحة في العالم لتستلم عاصمة الجن والملائكة أمام عدو خفي لا يزال يوقع إعدادات كبيرة من الضحايا كل يوم في فرنسا عدد الإصابات 20 ألف و 28 وفاة خلال 24 ساعة الماضية.
في هذا اليوم الغائم نخطف بعض الكلمات على لسان فيليب وهو صاحب مقهى في شارع قريب من الشانزيلي حدثنا عن استعداداه لهذا التاريخ وكيف عاش الأسابيع الماضية على أعصابه وهو ويتابع تصريحات كبار المسؤولين في الدولة الذين قرروا عدم التراجع عن فرض التصريح الصحي.
وقال فيليب :رغم إن عملية التحقق من التصريح الصحي لا تأخذ إلا ثواني إلا أنها عملية مزعجة نشعر بالحرج وأعتقد أن الأمر سيأثر على نسبة إقبال الزبائن.وبينما يواصل فيليب كلامه عن تداعيات الإجراء على معدل إقبال الزبائن خاصة السياح الذين لا يمتلكون تصريحا صحيا معتمدا من طرف الاتحاد الأوروبي يتقدم بالسؤال أربع شباب ملامحهم أوروبية ويطلبون مقعدا للجلوس في المقهى.
ليبدأ النادل بالتحقق أولا من حيازتهم جميعاً للتصريح الصحي وقد اكتشف أن أحدهم لم يكن يحمل تصريحا.
موقف كهذا يعد الأصعب بالنسبة لصاحب المقهى فيليب الذي قال: هل نرفض ثلاثة زبائن لأن صديقا لهم لا يحمل تصريح معادلة صعبة جداً ولكننا ملتزمون بذلك..هكذا تأخذ فرنسا الخطوة الأخيرة والأكثر حزما بعد عام ونصف من معركة كوفيد-19 كانت باريس قد جربت خلالها كل أشكال المواجهة خاصة الحجر الصحي، ويبدو أن أفضل الحلول وأكثرها نجاعة اليوم هي تكثيف عمليات التلقيح تم تلقيح 63 بالمئة من المواطنين الفرنسيين حتى الآن.
ولم يكن من السهل على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الوصول إلى هذه المرحلة وقد اضطر لعرض القرار على مجلس الشيوخ والمجلس الدستور الذي قطع الطريق أمام موجة الرفض والمسيرات التي دامت شهرا كاملا يقودها أشخاص من مختلف فئات المجتمع وجدوا في فرض وثيقة التصريح الصحي شكلا جديداً من الديكتاتورية التي تريد إلزام الناس بأمر رغم ارادتهم.
وينص القانون المتعلق بإدارة الأزمة الصحية على فرض غرامة قدرها 130 يورو على كل مواطن يضبط في مكان عمومي وهو لا يحمل تصريحا، وقد تصل الغرامة إلى 35 ألف يورو مع سنة سجن لمن يضبط مخالفا ثلاثة مرات.
وقد باءت بالفشل جميع محاولات معارضي فرض التصريح الصحي، سواء المظاهرات أو العرائض التي قام بتوقيعها أكثر من 250 ألف مواطن فرنسي ضد إجراء التصريح الصحي، لما يحمله حسبهم من تقويض لحرية الحركة التي يقدسها الدستور الفرنسي.
وبين مشكك في جدوى اللقاح أصلا ومعترض على التصريح لأسباب سياسية وآخري إنسانية دخل الإجراء حيز التنفيذ على نطاق واسع في باريس تحديداً رغم تجاهل عدد من أصحاب المطاعم والمقاهي التحذيرات مقابل رهان الرافضين على عامل الزمن.
وبشكل عام تبدو الحياة عادية في باريس حيث يمكن رصد مشاهد الازدحام َفي محطات المترو والشوارع الكبرى وفي محطات القطار الكبرى، منها محطة الشمال التي تعد واحدة من أبرز نقاط العبور في باريس.
في تلك الزاوية التي تربط المسافرين القادمين من لندن وبلجيكا وألمانيا وهولندا تم وضع لافتات كبيرة كتب عليها الرجاء حمل بطاقة السفر وبطاقة التصريح الصحي والقناع إلزامي بينما تحمّلت أجهزة الأمن مسؤولية مراقبة تلك الوثائق بين الحين والآخر.
ويؤكد باتريك وهو موظف في محطة الشمال منذ أكثر من عشرين عام أن الأجواء عادية لا تختلف عن الماضي ويرى أن هناك تجاوب من طرف المسافرين.
كما قال : أعتقد أن الأمر مختلف عندما يتعلق بالسفر، لقد اعتادت الناس خلال السفر على استظهار جواز السفر ووثائق آخري وإضافة التصريح الصحي هو أمر غير مزعج للجميع.
وتعول عليها السلطات الفرنسية كثيراً من أجل حث المواطنين على مراكز التلقيح الموزعة بكثافة عبر كل المناطق في فرنسا.
وقبل أن تدخل باريس في هذه المرحلة فرضت عدة إجراءات مشاهبة دخلت حيز التنفيذ منذ 21 يوليو في أماكن الترفيه والثقافة (دور السينما والمتاحف وما إلى ذلك) التي تضم أكثر من 50 شخصًا.
وقد شهدت فرنسا منذ أشهر حالة من الغضب المتجددة وكانت باريس الشهيرة ساخنة، وكل سبت كانت الأمور تنتفض من منطقة إلى منطقة آخر رفضا لفرض التصريح الصحي.وعاشت ساحة الجمهورية وسط العاصمة باريس مظاهر مشابهة لتلك التي شهدها شارع الشونزيلي وقد كان التعامل الأمني صارما في كل مرة عبر استخدام القوة والغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين.
وبينما تقود وسائل الإعلام الفرنسية حملات إقناع الفرنسيين بالتلقيح حمل المتظاهرين شعارات بعضها سياسي وآخر يشكك في الجدوى من التلقيح واعتباره سما قاتل للأجيال كما رفعت إحدى المتظاهرات لافتة كتبت عليها تريدون قتل أولادنا.
ولا يبدو أن الأمور قد استقرت عند إعلان المتظاهرين استسلامهم، حيث يتوقع عودتهم للساحات في الموعد الأسبوعي المحدد بيوم السبت كما تحدثت إحدى المتظاهرات في وقت سابق بينما كانت الأمور تغلي وسط باريس.
وقالت كاترين وهي في العقد الخامس من العمر أن الأمر لا يتعلق بغضب سياسي وإنما خوفهم على صحتهم وصحة أبناءهم واعتبر الإجراءات التي تريد السلطة فرضها بحجة محاصرة كورونا إجراءات غير إنسانية وسياسية بالدرجة الأولى.
وترى كاترين فرض مثل هذه الإجراءات بضغط المجلس الدستوري مسألة تحصيل حاصل بالنسبة لهم كما قالت: حربنا قانونية وإنسانية سنتواصل مهما كانت النتيجة وهناك الآلاف من الفرنسيين الذين يرفضون التصريح وهذا حق ديمقراطي.
وتشير أرقام وزارة الداخلية الفرنسية إلى أن أعداد الذين يتظاهرون هم قلة رغم أنهم في تزايد منذ السبت الأول للمظاهرات حيث سجلت السلطات الأمنية خروج 250 ألف فرنسي ضد التصريح الصحي في السبت الأخير قبل فرض القرار على أرض الواقع.