تحتفل الولايات المتحدة الأمريكية، في هذا العام، بذكرى مرور عشر سنوات على نجاحها في القضاء على أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة؛ أخطر منظمة إرهابية، في العصر الحديث، والتي كبدت الولايات المتحدة الأمريكية ثاني أكبر خسائر، في تاريخها، بعد خسائرها في هجوم اليابانيين على الأسطول الأمريكي، بميناء بيرل هاربر، خلال الحرب العالمية الثانية.
يقف تنظيم القاعدة، بقيادة بن لادن، وراء تفجيرات الخُبر في عام 2004، التي استهدفت الجيش الأمريكي بالسعودية، والهجوم على المدمرة الأمريكية “يو إس إس كول” بميناء عدن في عام 2000، فضلاً عن التفجير المتزامن لسفارتي الولايات المتحدة الأمريكية بدار السلام ونيروبي في عام 1998، بالإضافة إلى الضربة القاضية، الأكثر شهرة، في العصر الحديث، والمتمثلة في هجمات الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001، التي نفذها عناصر تنظيم القاعدة، بواسطة 4 طائرات مدنية، تمكن 2 منها من الاصطدام ببرجي مركز التجارة العالمي بنيويورك، واستهدفت الثالثة مبنى البنتاجون، مقر وزارة الدفاع الأمريكية، بينما تمكن ركاب الطائرة الرابعة من السيطرة عليها لتسقط في أراضي بنسلفانيا.
خلفت تلك الهجمة الأخيرة، وحدها، ما يقرب من ثلاثة آلاف ضحية، وما يزيد عن ستة آلاف من الجرحى والمصابين، بتخطيط أسامة بن لادن، ذلك الشاب السعودي، الذي ورث ثروة طائلة عن والده في مجال المقاولات، ثم انتقل “للجهاد” في أفغانستان، فأسس “جبهة المجاهدين العرب”، التي صارت، فيما بعد، “تنظيم القاعدة”، أكبر تنظيم إرهابي، شغل العالم كله، في العصر الحديث. ومن رحم بن لادن وتنظيم القاعدة، في أفغانستان، خرج أبو مصعب الزرقاوي الذي اتجه إلى العراق وسوريا، لنشر فكره المتطرف، في العالم العربي، مؤسساً “تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام” المعروف باسم “داعش”.
تتزامن الذكرى العاشرة للقضاء على بن لادن، مع قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن، الصادر مؤخراً، بسحب القوات الأمريكية، وقوات حلف الناتو، من أفغانستان، بعدما ظلت بها عشرون عاماً، تكبدت خلالهم الولايات المتحدة خسائر فادحة. وتشاء الأقدار أن يكون قرار الرئيس بايدن بسحب آخر جندي أمريكي، من أفغانستان، قبل الحادي عشر من سبتمبر. كما تصادف القرار الأمريكي مع متابعة المشاهد المصري، والعربي، لمسلسل “القاهرة كابول”، الذي عرضته القنوات المصرية، والفضائية، خلال شهر رمضان، والذي وضح، لأول مرة، نبذة عما يدور في جبال أفغانستان، وسهول قندهار، وتعرف المشاهد، على أيدولوجيات الإرهاب الديني المتطرف، وعلى الأفكار المغلوطة، التي تروجها تلك الجماعات، ونقلها عنهم البعض، دون بحث أو تفكير، ورد عليها العمل الدرامي، بالحجة والبرهان السلس.
واليوم يبرز السؤال الأهم، عما سيحدث في أفغانستان، في أعقاب انسحاب القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو؟ وهل سيصمد الجيش الأفغاني أمام قوات طالبان التي تحتل أغلب المناطق الريفية والطرق الاستراتيجية، حتى وصلت سيطرتها، اليوم، على حوالي 85% من الأراضي الأفغانية، وخاصة بعد سيطرة الحركة، الآن، على معظم المداخل الحدودية مع الدول المجاورة، وقيامها بإعدام أحد المترجمين الأفغان، الذي يعمل مع القوات الأمريكية. فكيف ستسير الأمور في أفغانستان؟ يرى الرئيس الأفغاني أشرف غني ضرورة التوصل لاتفاق، مع طالبان، لوقف إطلاق النار، وإجراء انتخابات رئاسية، وهو التوجه الذي تؤيده الولايات المتحدة الأمريكية، التي ترى ضرورة أن يشمل الاتفاق تشكيل حكومة انتقالية، تشارك فيها عناصر طالبان. بينما يرفض متمردو طالبان إجراء أي انتخابات مستقبلية، مؤكدين أن أفغانستان إمارة إسلامية، لابد أن يحكمها مجلس ديني، استرشاداً بفترة حكمهم السابق بين أعوام 1996 و2001.
ويرى العديد من المحللين أن إعلان الرئيس بايدن الانسحاب، غير المشروط، من أفغانستان، يعني انتصار حركة طالبان، ولتفادي ذلك تمكن الرئيس الأمريكي جو بايدن من الاتفاق مع نظيره التركي، أردوغان، بقيام القوات العسكرية التركية بحماية وتأمين مطار كابول بعد الانسحاب الأمريكي من هناك، وهو الأمر الذي ترفضه حركة طالبان، معتبرة وجود القوات التركية في مطار كابول، في أعقاب الانسحاب الأمريكي، بمثابة عمل عدواني ضدهم، معولين في ذلك على مساندة المعارضة التركية، الرافضة لبقاء القوات التركية في كابول.
ومن المتوقع أن يؤدي ذلك الانسحاب لإفساح المجال لقوى إقليمية أخرى، تتطلع للعب دور أكبر في أفغانستان، مثل الهند وباكستان والصين وروسيا، ممن لهم مصالح استراتيجية في المنطقة؛ فمن المتوقع أن تسعى روسيا للعودة مجدداً إلى أفغانستان، أما باكستان فترى فرصة لزيادة حجم تجارتها، ونمو استثماراتها مع أفغانستان، التي أنهكتها سنوات الحرب، وهو ما سيقلق عدوتها اللدود الهند، وسيدفعها للعمل، بكل السبل، للتقارب مع طالبان، والحيلولة دون الاتفاق بين إسلام آباد وكابول. أما على المستوى الشعبي، فتتوقع جميع التحليلات قرب نشوب حرب أهلية في أفغانستان، فور انسحاب القوات الأمريكية، ليتدهور الوضع الداخلي، ويفقد الشعب الأفغاني المكاسب، البسيطة، التي حققها في الفترة السابقة، خاصة في مجال حقوق الإنسان، وتمكين المرأة، لتُجبر المرأة، مرة أخرى، على البقاء بالمنزل، وحرمانها من التعليم.
ويبقى السؤال الأهم … هل ستعود أفغانستان مركزاً لتصدير الإرهاب الديني المتطرف مستقبلاً، مثلما كانت من قبل؟