متابعة عادل شلبى زارنى كاتب هذه السطور ومعه زوجته فى متحف العلوم بنيويورك، وكان تعليق زوجته، وهى طبيبة حين شاهدتنى مجسمة فى حجم البطيخة الكبيرة: لم أتصور أبدًا أن تكون الخلية بهذا الشكل البديع، كنت أتصورها مسطحة كما أراها بالكتب.. كيف دبت فىَّ الحياة؟ هذا أمر شرحه يطول، ولا يعرف سره إلا واهب الحياة، ولكنى أذكر لكم تجربة ستانلى ميللر، التى ثبت عدم صحتها وكانت عام ١٩٥٣ حين خلط الميثان مع الأمونيا والهيدروجين وبخار الماء، وعرّض هذا الخليط لشرارات كهربائية، وبعد أسبوع حصل على ما يسمى الحساء البدائى وبه أحماض أمينية، وكانت ضجة علمية: الحياة من لا حياة!.
أنا خلية حيوانية لى غشاء رقيق كالحرير، أو نباتية لى جدار سميك يحمينى من قسوة الطبيعة والحشرات، ولكن غشائى هذا حدوتة كبيرة من الكوليسترول الذى تخافونه مع عناصر أخرى، ولى بوابات تسمح بدخول ما أريد وخروج ما لا أطيق، أحبس البوتاسيوم بداخلى حتى لا يوقف القلب، وأسمح للصوديوم بالخروج للدم لأن سبعين بالمائة من وزنكم ماء بحر: ماء بالصوديوم!.
بداخلى نواة.. ست الكل.. العقل المدبر الحافظ لشريطكم الوراثى من عصر لوسى وآردى (3.2 و4.4 مليون سنة).. (الإنسان العاقل؛ الإنسان الحاذق) وحتى الآن هذا الشريط الوراثى قد يحتوى على جينات مسرطنة تسبب السرطان أو تسبب مرض الضغط أو القلب أو السكر. مكتوب على جينك مش على جبينك!. وجب على أبى العلاء أن يقول:
وما فسدت أجسادنا باختيارنا/ ولكن بأمر سببته المقادر
فقل للغراب الجون إن كان سامعًا/ هل أنت على تغيير لونك قادر
بدلًا من قوله وما فسدت أخلاقنا… إلخ.
بداخلى بحر يحيط بالنواة، اسمه السيتوبلازم، هذا البحر به سبعة أعضاء صغيرة، كل عضو له وظيفة خطيرة، ها هى الميتوكوندريا محطات لتوليد الطاقة لقضاء أعمالكم، وها هى الفجوة وكأنها رئة لكل خلية، وها هى البلاستيدات، خضراء فى النبات، لأن بها الكلوروفيل، بيضاء فى الحيوان لأنها تحتوى على النشا. يحلم العلماء بهذه البلاستيدات الخضراء حتى نكوّن غذاءنا من الشمس، (التمثيل الضوئى)، لأنه لا ينقصنا الماء ولا ثانى أكسيد الكربون، ولا الطاقة الشمسية، فقط ينقصنا الكلوروفيل، ولا أنسى الشبكة الهيكلية التى تعطى كل خلية شكلها الخاص بها، أنا مؤسسة أحتوى الكائن كله بداخلى إذا كنت خلية جسمية (somatic) أو نصفه إذا كنت خلية جنسية (sexual).. هذه المؤسسة تحتاج إلى شنط صرف صحى داخل السيتوبلازم، هذه الشنط اسمها ليسوسومال bags أو شنط الانتحار، هناك نظرية تقول إن الموت قرار شخصى، وإن الإنسان يرحل عن دنياه إذا فقد الرغبة فى الحياة، وإن هناك مادة تشبه الكورتيزون يسمونها antideath substance أو المادة التى ضد الموت!.
هذه المادة تختفى إذا صاحبها زهد الحياة فتكون النتيجة انفجار شنط الانتحار أو الموت (نظرية).
منذ مئات الملايين من السنين يقول بعض العلماء إنى كنت خلية من نوع واحد، فكنت أتكاثر مثل الأميبا.. صحيح لم يكن للموت سلطان على بالشيخوخة إلا بالقتل العنيف، بالحرائق والبراكين، ولكنها كانت رحلة حياة مملة حتى وجدت خلية مختلفة عنى فتزوجتها، فجاء الناتج يحمل أقوى ما فينا نحن الاثنتين، ولكن الضريبة كانت باهظة.. ضريبة المتعة.. كانت هى الموت، يفنى الآباء من أجل الأبناء.. من أجل التطور.. مستقبل أفضل.