أستمتع كثيرًا بالأغانى لأنها تستدعى إلى ذهنى معانى جميلة.. ها هى شادية تشدو: ما تشوف لك حل فى حكايتنا، دا العقل مفيش غيره حيلتنا!. وها هو أبو العلاء المعرى يقول:
كذب الظنُّ لا إمام سوى العقل
مشيرًا فى صبحه والمســاء
فإذا ما أطعـتــه جلب الرحمة
عند المسير والإرســـاء
وحين أسمع أغنية عبد الوهاب: جفنة علم الغزل.. كلمات بشارة الخورى (الأخطل الصغير) حين يقول: يا حبيبى أكلما ضمنا للهوى مكان.. أشعلوا النارَ حولنا فغدونا لها دخان!. أستدعى إلى ذهنى المأذون البريطانى بول ديريك الذى زاوج بين قوانين الكم لماكس بلانك وقوانين النسبية الخاصة لألبرت أينشتين، فاكتشف البوزيترون فعقد قرانه على الإلكترون، فاحترق الاثنان فى سحابة من الدخان اسمها أشعة جاما، فقال ديرك: ليت ما فرقه الله لا يجمعه إنسان، وعلى الإلكترون والبوزيترون أن يدورا حول بعضهما وفى اتجاه معاكس، لأنهما إذا تزوجا احترقا فى جحيم من القبل!.
وحين أسمع نجيب الريحانى بصوته الأجش يغنى وكأنه من ضمير الغيب يأتينا (كلمات صالح جودت): علشانك إنتى أنكوى بالنار والقح جتتى، وادخل جهنم وانكوى بالنار واقول: يا دهوتى!. أتذكر التغيرات البيوكيماوية التى تحدث عند المحبين حين يحيط الخطر بالمحبوب، يفرز المخ مادة تشبه المورفين اسمها أندروفين، تجعل الريحانى لا يحس بلسع النار من أجل ليلى مراد التى أحبها فى فيلم غزل البنات. حين أسمع محمد فوزى: دارى العيون داريها، السحر ساكن فيها، عيون تنده لك وتقولك اهوانى، وعيون تقولك أنا ليا حبيب تانى!. أتذكر علم التشريح، وكيف أن العين هى العضو الوحيد الذى ترى من خلاله المخ، أى العصب البصرى. كما أتذكر وليم شكسبير وكلماته: العين هى مرآة الروح. كما أتذكر آلان بييز «Allan pease» وكتابه لغه الجسد، وفصلا كاملا عن العيون. أتذكر الخوارق وكيف أن شعاعا من العين على عملة معدنية يجعلها تسيح كالشمع، وقد شاهدت ذلك بنفسى!.
تألمت من أجل محمد عبد الوهاب وهو يقص علينا قصة حبيبه ولعبته الهجر والهوى، يقول: حبيبى يحب الآه أأولها له، ولما يغيب أحوشها له!، وأحلى ليلة تحلى له، ساعة ما دموعى تصحه له!، يكدب ويعتذر وأصدق حجته، والقلب إن عشق الكدب يصدقه!. أسمع فتتداعى إلى ذهنى السادية والكذب، وأقول: ليه كده يا عبد الوهاب حبيبك مغرور وسادى وكداب، إللى بالشكل دة يغور فى داهية.
ليس فقط الأغانى تستدعى إلى ذهنى المعانى، بل ربما كلمات عابرة، ها هو أحد الحوارات أمامى: يسأل الزوج زوجته ضاحكا: هل أحببت من قبلى أحدا؟، تقول له: اللى ما يحبش يبقى جبان!، طبعا أحببت من قبلك!.. يضحك الزوج ويقول لى: سامع قريبتك؟.. أقول له: إنها فيلسوفة، لقد استدعت إلى ذهنى كلمات شوبنهاور: الحب يحتاج إلى شجاعة لأنه خروج من الذات واندفاع نحو الآخر!.
ضحكنا جميعا وكانت كلمات الزوجة تدعو إلى التأمل والتفكير.