عولمة الجريمة والإرهاب …!! لويز شيلي، أستاذة في كلية الخدمات الدولية في الجامعة الأميركية، ومؤسسة ومديرة لمركز الجريمة والفساد عبر الدول في الجامعة الأميركية في واشنطن، العاصمة، خبيرة رئيسية في الجريمة والإرهاب، ومؤلفة كتاب “ضبط المجتمع السوفيتي” (Policing Soviet Society)، وكتاب “الجريمة والتحديث” (Crime and Modernization)، بالإضافة إلى كتابتها مقالات عديدة وفصولا في كتب حول كافة أوجه الجريمة التي تتخطى الحدود القومية. في نهاية القرن العشرين، برزت ظاهرة جديدة تمثلت في قيام العولمة المتزامنة مع الجريمة، والإرهاب، والفساد، ذلك “الثالوث غير المقدس” الذي أصبح يظهر في كافة أنحاء العالم. فيمكن إيجاده في أفقر بلدان أميركا اللاتينية وأفريقيا، وكذلك في قلب أوروبا المزدهرة. تعمل مجموعات الجريمة والإرهاب بالترافق وتسهل عملها ظاهرة الفساد، منطلقة من منطقة الحدود الثلاثية في أميركا اللاتينية (البرازيل-الأرجنتين-الباراغوي) إلى مناطق النزاعات الإقليمية في غرب أفريقيا والاتحاد السوفياتي السابق، والى سجون أوروبا الغربية. تتقاطع الجريمة والإرهاب أيضاً في استراليا، وآسيا، وأميركا الشمالية كما تدل على ذلك القضايا الإجرامية التي توثّق هذا المزيج الواسع من نشاطاتهما. لكن هذا الثالوث غير المقدس أكثر تعقيداً من مجرد توجّه الإرهابيين نحو الجريمة لدعم نشاطاتهم، أو من مجرد الزيادة الدولية لتدفق السلع الممنوعة. فهو بالأحرى ظاهرة مميزة بذاتها تعمل فيها شبكات الجريمة المعولمة مع الإرهابيين، ويتمكن كلاهما من تنفيذ نشاطاتهما بنجاح يساعدهما في ذلك الفساد المستوطن. يستند التمييز المصطنع بين الجريمة والإرهاب إلى فكرة ذهنية بالية. فالقول الذائع إن المجرمين يمارسون الجريمة لمجرد الربح المادي، وأن الإرهابيين يعملون بصورة حصرية لتحقيق أهداف سياسية، يكذبه الواقع المعاصر لهاتين المجموعتين. فالمجرمون لا ينتمون اليوم إلى منظمات تخضع لسلطة هرمية لا تُشكّل تهديداً للدولة بالذات، كما كان ذلك صحيحاً بالنسبة للمافيا الصقلية أو الياكوزا اليابانية. والإرهابيون، كثيراً ما أصبحوا يتنقلون بدعم من الجريمة، ما بين هويتي الإجرام والإرهاب. تسمح هيكليات شبكات كليهما بالارتباط، عن وعي أو بدونه، بهوية احدهما الآخر. فقد تعمل المجموعتان مباشرة سوية أو قد تتصلان من خلال مسهلين بينهما. ففي لوس انجلوس، على سبيل المثال، منحت كلية تعليم اللغة نفسها إلى بعض الخاطفين المتورطين في أحداث 9/11 تأشيرات دخول وزودت كذلك تأشيرات دخول أيضاً إلى مومسات تابعات لعصبة رئيسية لتهريب البشر. وبدورها، انخرطت هذه الحلقة في تجارة بطاقات الهوية المسروقة التي يمكنها تسهيل نشاطات الإرهابيين. بعكس الرأي القائل ان كل ذلك نتج عن العولمة، فإن الجريمة المنظمة والإرهاب كان لهما نشاط تاريخياً عابراً لحدود الدول. في الثلاثينات من القرن الماضي، كان أعضاء عصابات المافيا الإيطالية في الولايات المتحدة يسافرون إلى كوبيه في اليابان والى شنغهاي في الصين للحصول على المخدرات، وكان يلجأ أعضاء من مختلف عصابات الإجرام الأميركية إلى الصين لتجنّب وصول السلطات الأميركية المختصة بفرض تطبيق القانون إليهم. كما وجد أعضاء منظمة الجيش الجمهوري الأيرلندي ملجأ آمناً في كنف الجاليات الأيرلندية في الخارج التي وفرت كذلك الدعم المالي لهذه المنظمة في أيرلندا. إلاّ أن الجديد اليوم، هو سرعة وتكرار تفاعلاتهم المتبادلة، وكثافة التعاون بين هذين الشكلين من الجريمة العابرة للحدود القومية. طور كل من المجرمين والإرهابيين شبكات تتخطى الحدود القومية، فوزعوا نشاطاتهم، وخططهم، ولوجستياتهم عبر عدة قارات، مربكين بذلك الأنظمة القانونية للدول التي تُستخدم كأداة لمكافحة أنماط الجريمة العابرة للحدود القومية في كافة تبدلاتها المتعددة. يُعتبر المجرمون الذين يتخطون الحدود القومية من المستفيدين الرئيسيين من العولمة. فالإرهابيون والمجرمون ينقلون الناس، والأموال، والسلع عبر عالم أمسى التدفق المتزايد للناس، والأموال، والسلع فيه يوفر غطاءاً ممتازاً لنشاطاتهما. اعتمد الإرهابيون ومجموعات الجريمة العابرة للحدود القومية على نظام العولمة للوصول إلى أسواقهم ولتدويم أفعالهم وللتهرب من الاكتشاف. صلة العولمة عولمت الجريمة المنظمة الدولية نشاطاتها لنفس الأسباب الذي تدفع شركات مشروعة متعددة الجنسيات إلى عولمة أعمالها. وتماماً كما تُنتج شركات متعددة الجنسيات فروعاً لها حول العالم للاستفادة من الأيدي العاملة الرخيصة أو من أسواق المواد الأولية، كذلك تفعل مؤسسات الأعمال غير المشروعة. أبعد من ذلك، تُنشئ أيضاً مؤسسات الأعمال، المشروعة منها وغير المشروعة، مراكز لها عبر العالم لتلبية حاجات الإنتاج، والتسويق، والتوزيع. تستطيع مؤسسات الأعمال غير المشروعة أن تتوسع جغرافيا للاستفادة من هذه الظروف الاقتصادية الجديدة بفضل الثورة في الاتصالات والنقل الدولي. وكذلك يُعولم الإرهابيون نشاطاتهم للاستفادة من القدرة على تجنيد الناس دولياً، وللبقاء بالقرب من جاليات المهاجرين المشتتين التي تستطيع دعمهم لوجستياً ومالياً، كما ليتمكنوا من اختراق المجتمعات الأكثر ثراءً. كان لانتهاء الحرب الباردة تأثير هائل على بروز الجريمة العابرة للحدود القومية. فمع نهاية المواجهة بين القوتين العظميين، تقلص احتمال نشوب نزاع واسع النطاق. ولكن، منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي، حدث ارتفاع هائل في عدد النزاعات الإقليمية. لسوء الحظ، كثيراً ما تم ربط السلاح والقوى البشرية التي تنفذ هذه النزاعات بالنشاط الإجرامي العابر للحدود من خلال التجارة بالممنوعات: المخدرات، الألماس، والناس. ولّدت هذه النزاعات بدورها عدداً لا سابق له من اللاجئين وألحقت الأضرار بالاقتصادات المشروعة في مناطق هذه النزاعات التي أمست لاحقاً أراضٍ خصبة لتجنيد الإرهابيين، أو ملاجئ آمنة لتخطيط العمليات الإرهابية وتدريب الإرهابيين. التقدم التكنولوجي العظيم الذي تحقق خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ساعد بدرجة هائلة نمو النشاطات الممنوعة العابرة للحدود القومية. فنشوء حركة السفر الجوي التجاري، والتحسينات في أنظمة الاتصالات (بضمنها الهاتف، والفاكس، والاتصالات السريعة عبر الإنترنت)، ونمو التجارة الدولية سهلت جميعها الحركة الفعلية للسلع والبشر. يستغل المجرمون والإرهابيون سرية غرف الدردشة عبر الإنترنت لتخطيط وتنفيذ نشاطاتهم. استخدم إرهابيو 9/11 أجهزة كمبيوتر عامة لإيصال رسائلهم ولشراء تذاكر السفر الجوي مباشرة. بصورة مماثلة، استخدم مهربو المخدرات في كولومبيا اتصالات لاسلكية مرمزة لتخطيط وتنفيذ عملياتهم. تقترن مع العولمة إيديولوجية الأسواق الحرة والتجارة الحرة وانحسار تدخل الدول في الشأن الاقتصادي. استناداً إلى دُعاة العولمة، سوف يؤدي هذا التقليل من القوانين والحواجز الدولية المقيدة لحرية التجارة والاستثمار، إلى زيادة التوسع التجاري والإنمائي. لكن هذه الظروف بالذات والتي تُعزز البيئة المعولمة، تكون حاسمة أيضاً لتوسع الجريمة. استغلت كل من عصابات الإجرام والإرهاب هذا التقليل الهائل في الأنظمة والتخفيف من وسائل مراقبة عبور الحدود، والحرية الأكبر الناتجة عن ذلك، لتوسيع نشاطاتهم عبر الحدود وللوصول إلى مناطق جديدة من العالم. وقد ازداد اليوم تكرار هذه الاتصالات وتسارعت ممارستها. ففي حين يخضع نمو التجارة المشروعة للتنظيم عبر الانصياع لسياسات مراقبة الحدود التي يرصدها موظفو الجمارك والأنظمة البيروقراطية، تستغل بحرية مجموعات الجريمة التي تتخطى الحدود القومية، منافذ التهرب المتوفرة في الأنظمة القانونية للدول، للتوسع في بسط نفوذها. يسافر المجرمون إلى مناطق لا يمكن فيها تسليمهم إلى حكوماتهم، وينشئون قواعد لعملياتهم في البلدان التي تكون أجهزة فرض تطبيق القانون فيها غير فاعلة أو مرتشية، ويبيّضون أموالهم في دول تتبع نظام سرية المصارف أو لا تُطبّق سوى عدد قليل من قوانين المراقبة الفعالة. ومن خلال تجزئة عملياتهم يحصد المجرمون والإرهابيون فوائد العولمة، وفي نفس الوقت يقللون من مخاطر عملياتهم. ازداد حجم التجارة العالمية بشكل هائل خلال النصف الثاني من القرن العشرين. كما ترافق مع التدفق المتعاظم للسلع المشروعة زيادة مرور السلع الممنوعة. يُشكّل إيجاد السلع الممنوعة من بين تدفقات السلع المشروعة تحدياً حقيقياً. فهناك نسبة صغيرة جداً من سفن الحاويات فقط تخضع لتفتيش شحناتها، الأمر الذي يُسهل نقل المخدرات، والسلاح، والسلع المهربة. وهكذا، يمكن نقل المخدرات على سفن سمك التونا لتجنّب اكتشافها بسهولة، كما يمكن استغلال تجارة العسل لنقل الأموال وتوليد الأرباح لمنظمة القاعدة في نفس الوقت. شهدت العقود الأخيرة تصاعداً في أشكال عديدة من الجريمة المعولمة. كانت تجارة المخدرات أول قطاع للممنوعات يحقق أقصى الأرباح في عالم معولم. حقق المجرمون أرباحاً هائلة من المتاجرة بالمخدرات، واستخدمت مجموعات إرهابية عديدة تهريب المخدرات كمصدر هام لتمويل عملياتها. لكن، بعد ان ازدادت المنافسة في سوق المخدرات، وتعززت أساليب فرض تطبيق القانون الدولي لمكافحتها، انخفضت الأرباح بسبب المنافسة والمخاطر المتزايدة، وكانت النتيجة ان استغل العديد من المجرمين والإرهابيين أشكالاً أخرى من الجريمة سهّل تنفيذها الاقتصاد المعولم. استفاد المجرمون والإرهابيون بالتالي مالياً من ازدياد التجارة بالأسلحة وعمليات تهريب البشر. كما حصلت زيادة هائلة في التجارة غير الشرعية بأجناس الحيوانات المعرضة للخطر، بالنفايات الخطرة، بالأعمال الفنية والآثار المسروقة، بالسلع المزيفة، وبالجريمة المعولمة المتصلة ببطاقات الائتمان. تستغل كل من الجريمة المنظمة والإرهابيين كافة هذه النشاطات، وفي بعض الأحيان حتى بصورة مترادفة لكليهما. كذلك، تطورت صناعة من الخدمات الرئيسية لتوفير خدمة لكافة فئات المجرمين الذين يتخطون الحدود القومية. تشتمل هذه الخدمات على مزودي الوثائق المزورة، ومبيضي الأموال، وحتى مهنيين من المستوى العالي يقدمون خدمات قانونية، ومالية، ومحاسبية إلى كلا المجموعتين. يتبيّن هذا الاتجاه من الحقيقة الظاهرة في محاكمة بنك ريغز في واشنطن العاصمة، الذي شملت لائحة زبائنه القانونيين رؤساء أميركيين والعديدين من أفراد المجتمع الدبلوماسي في العالم، والذي تمّت مقاضاته لقيامة بتبييض الأموال لديكتاتور غينيا الاستوائية ولتسهيله لعمليات تحويل الأموال إلى إرهابيين، فحُكم عليه بدفع غرامة مقدارها 25 مليون دولار. تُبيّن هذه القضية ان نشاطات المجرمين والإرهابيين لا تبقى دائماً ضمن نطاق اقتصاد الظل، بل تتقاطع في أحيان كثيرة مع النظام الاقتصادي المشروع. ماذا يمكن عمله؟ ينبغي إحداث تبديل أساسي في المثال المتبع لطريقة مقاربتنا للأمن الدولي. فالاستمرار في اعتماد التوصيفات المصطنعة والمتهالكة التي تقول إن المجرمين لا يحفزهم إلاّ الربح، وإن الإرهابيين لا تحفزهم سوى الدوافع السياسية أو الدينية، هو ما يؤدي إلى فشل صانعي السياسة وهيئات فرض تطبيق القانون وواضعي الخطط الاستراتيجية العسكرية، بوجه عام، في التعامل بشكل فعال مع الظاهرة الجديدة لشبكات الجريمة المتخطية للحدود القومية. يجب ان تبتعد الدول والمؤسسات المتعددة الأطراف عن المثال الأمني الذي ساد خلال فترة ما بعد الحرب الباردة، والذي يعتبر النزاعات بين الدول القومية بمثابة التهديد الرئيسي للأمن الدولي، ويفترض، بناءً على ذلك، ان الدول قادرة على التحكّم بالأمن الدولي. فعلى سبيل المثال، قد تكون استراتيجية التحكم بانتشار أسلحة الدمار الشامل من خلال احتجاز المواد اللازمة لصنعها مصممة بصورة رائعة لكن يشوبها خطأٌ مُهلك، لأنه بدون معالجة التهديدات الإضافية التي يطرحها الانتشار المستشري للفساد، ولعمليات الشبكات الإجرامية والإرهابية فقد تولّد الدول شعوراً زائفاً بالأمن. تتطلب معالجة مسألة تقاطع كل من الجريمة والإرهاب والفساد ضمن البيئة العالمية، معالجة البيئة الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية التي تولد وتساند هذه الظاهرة. ترتبط كل من تلك الشرور الثلاثة بالمشاكل العميقة العائدة لاختلال التوازنات الاقتصادية بين البلدان، وللحكومات المستبدة، ولغياب فرص العمل في العديد من مناطق العالم. إن على الحل القابل للحياة أن يدرك ويتعامل مع الشعور بالحرمان من الحقوق الذي يدفع إلى القيام بالكثير من الأعمال الإرهابية، بالأخص بين السكان المسلمين. إن توفر فرص العمل ووسائل تأمين سبل العيش أمران حاسمان بالنسبة للعديد من الناس في العالم النامي، ولكي لا يبقى، على سبيل المثال، المزارعون في أفغانستان وأميركا اللاتينية معتمدين على زراعة المخدرات لإعالة عائلاتهم. كثيراً ما تعتبر الجريمة كمسألة هامشية للإرهاب. فمنذ 11 أيلول/سبتمبر 2001، تحولت موارد عديدة في الولايات المتحدة وغيرها من البلدان عن عمليات مكافحة الجريمة العابرة للحدود القومية إلى عمليات مكافحة الإرهاب. قد يكون هذا التصرف خاطئا بالنسبة للقوات المسلحة ولمجتمعات الاستخبارات، ولغيرها. فالحاجة لمحاربة الجريمة ليست مسألة هامشية بل أنها قضية مركزية بالمطلق للحرب ضد الإرهاب. ربما كان بالإمكان إفشال عمل الإرهابيين الذين فجروا قطارات الركاب في مدريد في 11 آذار/مارس 2004 لو كانت سلطات السجون مدركة لما يجري التخطيط لتنفيذه في داخل مرافقها. هناك مثال عن الاستراتيجية الناجحة المتبعة ضمن دائرة الشرطة في لوس انجلوس، التي تدمج جهود قوات الشرطة المحلية مع جهود قوات تطبيق القانون الفدرالية. فمن خلال توحيد التحليل الخبير مع عمل الشرطة التقليدي، والمتابعة الوثيقة للنشاط الإجرامي داخل مجتمعاتها، حققت دائرة الشرطة في لوس انجلوس نجاحاً باهراً في تمزيق النشاط الإرهابي المحتمل، كما التنظيمات التي تمول وتسهل الإرهاب. من خلال العمل التقارني والتخفيف من الحواجز البيروقراطية، تمكن رجال الشرطة في لوس انجلوس من مكافحة الإرهاب دون استعمال أي أدوات قانونية خاصة، ودون ارتكاب أي انتهاكات للحقوق القانونية للناس. إذا استمر صعود التهديد الصادر عن فاعلين من خارج الدول، كالمجرمين والإرهابيين الذين يتخطون الحدود القومية خلال العقود القادمة، فسوف نحتاج في المستقبل إلى قيام تعاون دولي اعظم، والى قوانين اكثر انسجاماً، والى تشاطر أكبر للمعلومات الاستخبارية. وعند تطبيق سياسة مضادة للجريمة والإرهاب العابرين للحدود القومية، يتوجب علينا، بالترافق مع ذلك، احترام حقوق الإنسان وتجنب إجراءات تؤدي إلى تعزيز الراديكالية وتغذية الإرهاب. سوف تحدد طريقة إدارتنا لهذه الإزاحة للنموذج القائم بحيث نرى ونعامل المجرمين، والإرهابيين، والفاسدين على أنهم متصلون ببعضهم البعض، مدى نجاحنا في إنقاذ فوائد العولمة من سوء الاستخدام الخطر لها في حلبة الأمن الدولي. الآراء المعبر عنها في هذا المقال لا تعكس بالضرورة آراء أو سياسات الفســـاد الإداري… جريمــة منظمــة بلبــــاس رســمـي يفيد تقرير لمنظمة الشفافية العالمية صدر مؤخرا بأن الفساد الإداري والمالي اصبح مشكلة دولية تضرب اغلب دول العالم، غير انه يتباين من دولة لأخرى حسب قوانين وثقافات تلك الدول والطبيعة السياسية للحكم فيها، وكما هو معتاد تتصدر دول العالم الثالث باقي دول المعمورة بتلك الظاهرة لعدة أسباب أهمها طبيعة الأنظمة الشمولية التي تسيطر على مقاليد السلطة وغياب استقلالية القضاء والرقابة ومبدأ فصل السلطات وتكميم وتغييب لدور السلطة الرابعة. ان لقضية الفساد مخاطر حقيقية تهدد الحريات عموما والاستحقاق الإنساني من حقوق وخدمات، فهو يصادر ويلغي وينقل ما يستحق شخص ما الى آخر نتيجة لأسباب مادية او فئوية او حزبية او عصبية قبلية او دينية ويفرغ ساحات شاسعة لمجتمعات من حقوقها ويكدسها ويضاعفها في اخرى نتيجة لسلوك افراد معينين. وهو بذلك يجعل من المجتمع وأفراده يشعرون بالظلم واليأس والإحباط، فتبدأ منظومة القيم الاجتماعية بالتحلل والتدهور تدريجياً ويعم التسيب في مجالات واسعة بحيث تؤثر على سمعة البلد, مع اتجاه البعض من الذين يعانون من البطالة والفراغ نحو الانحراف والإجرام وما يسببه ذلك من زعزعة الاستقرار الأمني في المجتمع ويساهم في رفع نسبة الجريمة. فقد اشارت دراسات اخيرة أجريت لنماذج من دول معينة مثل (تايلند وإندونيسيا والهند وكوريا) أن الحكومات تدفع ما بين 20 و60% زيادة على الأسعار التي ينبغي أن تدفعها، ومرد هذه الزيادة في قيمة السلع هو الفساد, فيما اضطرت منظمات الغوث الدولية في دول أفريقية إلى دفع رشى كبيرة لمسؤولين كبار لأجل السماح بإيصال المعونات إلى الفقراء، ان تلك النسب والطرق للفساد تكاد تكون متشابهة الى حد كبير في دول العالم والفقيرة منها بالخصوص. ان ماتعانيه اغلب الدول من فساد إداري ومالي يجعل منه تهديد حقيقي لمواطنيها وشعوبها بدل ان تكون الراعي الحقيقي لهم، وهي بذلك تشكل صوراً من صور المافيات العالمية التي تكون الجريمة المنظمة عملها الاساس،غير ان الفرق فيما بين من يقوم بالفساد الحكومي والمتستر عليه وبين المافيات هو الشكل الرسمي للاول والحالة الفوضوية اللارسمية للثاني. وقد تكون احد اهم اسباب نشوء المعارضات او النشاطات العسكرية ضد بعض الحكومات ناتجة من ردة الفعل العكسية قبال حالة الفساد الموجودة في تلك الدولة. وهي بذلك تساعد على تقليص مدة مكوث تلك الحكومات في مواقعها وهذا يدفعها للاستقتال في تثبيت وجودها فتنشغل بجوانب اخرى كالمحافظة على امن اعضائها على حساب امن شعوبها وتذهب بعيدا عن الاهتمام بالخدمات الاساسية لتهتم بالجوانب الامنية والعسكرية وهي بذلك نتاج لحالة دورية من الفساد والفساد المضاعف. ليس من الضروري تعريف الفساد وتحديد معناه ومضمونه بنص قانوني أو سياسي أو اقتصادي لأن مظاهر الفساد قد تختلف من مجتمع إلى آخر ومن دولة إلى أخرى تبعاً لتكوين هذه المجتمعات والدول وطبيعة الأنظمة السياسية والدستورية التي تحكمها .إلا أنه من الممكن صياغة تعريف يكون قريباً من الواقع الذي تعالجه هيئة الأمم المتحدة حالياً، الفساد : هو قيام أفراد أو مجموعات من الأفراد باستغلال مناصبهم ونفوذهم في الحكومات بالامتيازات التي يتمتعون بها في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفي المجال الدولي كالجرائم المنظمة وغسل الأموال والتهريب والاتجار غير المشروع وغيرها مما لا يمكن حصره .وقد تفادت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد أي تعريف قانوني محدد للفساد وإنما تناول الفصل الثالث منها ومن المواد 15 إلى 23 تسعة أشكال من جرائم الفساد وتتركز في رشوة موظفي القطاع العام والخاص والموظفين الدوليين والاختلاس والمتاجرة بالنفوذ وإساءة استغلال الوظائف والإثراء غير المشروع وغسل الأموال وغيرها .هذا وقد أضحى الفساد ظاهرة دولية أصاب المجتمعات والدول في مختلف أنحاء العالم .. مما اضطر الجمعية العمومية للأمم المتحدة إلى الاهتمام الجدي بهذه الظاهرة المرضية فأصدرت القرار رقم (55/61) تاريخ 4/12/2000 المتضمن تشكيل لجنة متخصصة من الخبراء مهمتها إنشاء صك دولي فعال لمكافحة الفساد .وقد صدر الصك الدولي متضمناً نص اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد . هل بإمكان البرلمانات لجم الفساد ؟إذا كانت للفساد كل هذه الآثار السلبية على الوطن والمواطنين ، تصبح مكافحته مسؤولية وطنية وأخلاقية وإنسانية . ومن الواضح أن مكافحة ظاهرة بمثل هذا الاتساع وهذه الخطورة كظاهرة الفساد لا يمكن أن تكون مسؤولية أحادية الطرف ، بل أنها مسؤولية المجتمع بأسره ، مسؤولية يشارك فيها المواطنون ، والمنظمات الاجتماعية ، والحكومات والقيادات السياسية …الخ.والنجاح في مكافحة الفساد يتطلب رسم استراتيجيه واضحة ، تشتمل على إجراءات ذات طابع شامل ومتكامل ، يجري العمل بمثابرة ودأب لتنفيذها فمن المعروف أن أية ظاهرة سليبة يمكن أن تصبح شديدة الخطورة عندما يغض النظر عنها، أو يتوقف النضال ضدها ما هو دور البرلمانات في مكافحة الفساد ؟ إن بإمكان البرلمانات أن تضرب المثل الأعلى في النزاهة والاستقامة ، وهي تعتبر عاملاً مهماً في تعميم ثقافة مكافحة الفساد ، وفي محاسبة الحكومة على الانتهاكات التي ترتكبها . وما دامت البرلمانات تمتلك الإرادة السياسية فإن بمقدورها سن التشريعات اللازمة لمحاربة الفساد وامتناع الحكومات بضرورة استئصال الفساد من جذوره . ويستطيع البرلمان والبرلمانيون أن يلزموا الحكومات بالشفافية . ومحاسبتها ، وبإمكانهم تعزيز دور منظمات النزاهة الوطنية ، في السيطرة على الفساد … وتعد الإرادة السياسية أحد أهم عناصر الشفافية والنزاهة الوطنية . وبدون توافر الإرادة السياسية يتعذر تطبيق هذه التشريعات على أرض الواقع ، حتى وإن كانت السلطة التشريعية قادرة على استصدار تشريعات قامعة للفساد . ومن أجل أن تطبق الحكومة القوانين الرادعة للفساد ، يفترض أن يضرب البرلمانيون المثل الأعلى والقدوة الحسنة ، ويلتزموا بقواعد السلوك العام ، ويعلنوا عن أموالهم المنقولة وغير المنقولة والمصادر التي اكتسبوا منها ثرواتهم ، ويمتنعوا عن الانغماس في الممارسات الفاسدة. وعلى التوازي حتى يتمكن أعضاء البرلمان من أداء مهامهم ، يفترض أن يتمتعوا بالحصانة وألا يكونوا عرضة للمقاضاة والمحاسبة على أقوالهم وأفعالهم ، خلال المداولات البرلمانية وفي اجتماعات اللجان . فالامتيازات البرلمانية تنطوي على أهمية كبيرة لتفعيل عمل البرلمانيين في تعقب أداء الحكومة ومحاسبتها . والوسيلة الأساسية للبرلمانيين لأداء دورهم في عملية مكافحة الفساد تعتمد على استخدام المحاسبة التي هي صمام الأمان الذي يحول دون استخدام السلطة للفساد والإفساد .ومن أولويات الديمقراطية البرلمانية أن يتقدم كبار المسؤولين بكشف حساب عن أفعالهم وأنشطتهم ، وبما أن الفساد غالباً ما يمارس في الخفاء ومن تحت الطاولة، يفترض بالسلطة التشريعية أن تسن قوانين مرنة قابلة للحياة وللتطبيق واستخدام المحاسبة البرلمانية في مساءلة الحكومة عن تقصيرها في تنفيذ السياسات الاقتصادية، وفي تقصيرها في إدارة الشأن العام ، وفي إنفاق الأموال العامة ، ويمكن التحكم بالفساد وتطويقه من خلال :استخدام الدعم والمساندة الجماهيرية في الضغط على الحكومة وكشف ممارساتها .تحديد الأهداف والمعايير القابلة لمحاسبة مرتكبي الفساد .وضع نظام فعال للمراقبة والتحقق من الممارسات الخاطئة .توفير قاعدة معلومات تفضي إلى كشف الفساد وفضحه .اعتماد نظام مالي متماسك غير قابل للاختراق من مرتكبي الفساد.تدقيق وتمحيص الاتفاقات المالية والدولية والتحقق من سلامتها .تطبيق السياسات الاقتصادية بشفافية .ضمان أن تكون اجتماعات اللجان البرلمانية الدائمة مفتوحة أمام عامة الناس وأمام وسائل الإعلام ، وإلزام الحكومة بتوصيات اللجان الدائمة ومقترحاتها التنسيق مع أجهزة الرقابة والتفتيش ، ومنحها الاستقلالية الكاملة التي تؤمن لها ممارسة دورها على أتم وجه ، وأن تعمد البرلمانات إلى الاستفادة من تقارير لجانها في الكشف عن الحالات التي تنطوي على الفساد وسوء الإدارة.ولا يجوز أن تكتفي اللجان البرلمانية بالتحقيق في المسائل التي تتطلب تجاوز الثغرات الموجودة في القوانين ، وإنما تتخطاها إلى التحقيق في فساد المسؤولين وفي ممارساتهم الخاطئة ، وبوسعها أن تجبر المتهمين بالفساد على المثول أمامها ومساءلتهم وأن تكون مداولات اللجان معلنة للجميع . وتقع على اللجنة المختصة بالموازنة العامة للدولة مسؤولية التحقق من إيرادات الحكومة ونفقاتها والتحقق من صحة الإنفاق العام وسلامة تنفيذ الموازنة العامة للدولة وقطع حساباتها في المواعيد المقررة .نظراً لانتشار آفة الفساد في العالم فقد وضعت الأمم المتحدة اتفاقية عالمية لمكافحة الفساد تم اعتمادها عام 2003 ، ودخلت حيز التنفيذ في 14 / 12 / 2005 . ومن المفيد أن يحث البرلمانيون العرب حكوماتهم على الانضمام إلى هذه الاتفاقية والتوقيع عليها ، إذا كانت لم توقعها بعد . كيف نقيس الفساد في العالم ؟أعلنت الأمم المتحدة يوم 9 ديسمبر (كانون الأول) من كل عام يوما عالميا لمكافحة الفساد. وهذه السنة هي الثانية التي يحتفل العالم فيها بهذا اليوم الذي يشهد عادة نشاطات دولية متعددة الأوجه لمحاربة الفساد والتلاعب. وظاهرة مكافحة الفساد وكسب الرأي العام لمحاربته أخذت رواجاً في العقد الأخير، خصوصاً مع أطلاق «مؤشر الانطباعات عن الفساد (CPI) » قبل عشرة اعوام الذي يعلن كل عام عن تصنيف أكثر من 150 دولة لنسب «تفشي الفساد» فيها، أو على العكس «شفافيتها». وعلى الرغم من ان هذا المؤشر يعطي دلالة عن الانطباعات العالمية إزاء الفساد، مبنية على دراسات أكاديمية وأرقام وخبرات ميدانية، الا ان المؤشر مبني على «انطباعات» وليس تفاصيل دقيقة حول كل بلد. وتجري هذا الإحصاء سنوياً «منظمة الشفافية الدولية» التي تأسست عام 1993 بالتعاون مع مؤسسات ومراكز أبحاث في دول عدة، مع عمل فروعها في تسعين دولة وبإشراف أمانتها العامة في برلين. وقالت منسقة برامج المنظمة في الدول العربية، أروى حسن، إن «المؤشر يعطي فكرة ولكن يجب ألا يؤخذ المؤشر كأنه الكلمة الأخيرة في الموضوع». وأضافت في اتصال مع «الشرق الأوسط» ان «المؤشر مبني على رأي جملة من المختصين ومن لديهم تجارب عملية في الدول المعنية، على سبيل المثال رجال الأعمال والذين لديهم أحكتاك مع القطاع الخاص».أما المؤشر والانطباعات التي يقاس على أساسها الفساد فتتعدد، ومن بينها على سبيل المثال قبول الرشوة لدى الموظفين الحكوميين وفي المؤسسات الخاصة وطلب العمولات غير الشرعية لمنح العقود للشركات الأجنبية. الا ان المسؤولية في «منظمة الشفافية الدولية» اعترفت بأن هذا المؤشر لا يعطي دائما الرؤيا الكاملة عن البلدان المشمولة في الإحصاء الذي ضم 159 دولة هذا العام. وشرحت أن «المؤشر أحياناً يبين وجهة واحدة من ظاهرة الفساد وهي محاسبة من يأخذ الرشوة من دون التركيز على المسئولين أو الشركات الدولية التي تعطيها». وأضافت «من يعطي الرشوة ليس أفضل من الذي يأخذها، ولذلك علينا مراعاة ذلك في الحديث عن الفساد وهدر الأموال العامة». الا أن هذا المؤشر هو حتى الآن أفضل وسيلة لقياس نسب التلاعب بالأموال في العالم. ولذلك، اعتمدت الكثير من المؤسسات على هذا المؤشر لأنه مبني على المعرفة الشخصية للمختصين في مجالات القطاع العام والخاص ليكون فقط منظارا الى عالم الفساد الملبد بالغيوم. وكانت «منظمة الشفافية الدولية» قد أفصحت في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عن نتائج إحصائها لعام 2005 والذي أظهر ان الفساد متفش في 70 دولة من الدول الـ159 التي شملتها دراسات من 10 مؤسسات، وذلك بعد تحليل ردود أكثر من 50 الف من رجال الأعمال والأكاديميين والإعلاميين والمختصين الذين سألتهم «منظمة الشفافية الدولية» عن خبرتهم حول تفشي الفساد في بلادهم. ومن بين تلك المؤسسات «جامعة كولومبيا» الأميركية و«معهد تنمية الإدارة» في سويسرا و«المفوضية التابعة للأمم المتحدة لأفريقيا». وكانت أيسلندا على رأس قائمة الدول الأكثر شفافية والاقل فسادا في العالم. والمؤشر مبني على نسب من 1 الى 10، لتكون الدولة الحاصلة على 10 خالية من أية مظاهر فساد على الإطلاق. ووفقا لهذا حصلت آيسلندا على مؤشر 9.7. واجمالا احتلت الدول الاسكندينافية أعلى المراتب في القائمة، فيما احتلت الدول النامية والفقيرة اسفل القائمة بأكبر معدلات لتفشي الفساد في العالم، وكان على رأسها تشاد التي سجلت أسوأ اداء للعام 2005، اذ لم يتجاوز مؤشرها 1.7. وبينما الفساد يزداد في الدول النامية والفقيرة، يزيد الفقر وعدم التقدم بسبب حالات الاختلاس والفساد. ويخلق الوضعان حلقة مفرغة من المشاكل في توجيه سياسات الدول والمؤسسات الحكومية والخاصة، مما يصعب التصدي للفساد. وشرحت اروى حسن انه «بمجرد ان تبدأ الحكومات باطلاق برامج رسمية ضد الفساد يزداد وعي الشعب ويتقبل الناس أن هناك مشكلة في المجتمع عليهم مواجهتها». وتعاني المنظمات غير الحكومية والمؤسسات التي تعمل في محاربة الفساد من عدم تقبل بعض الجهات أن هناك حالات فساد في بلدهم. وبينما تعد الرشاوى بملايين الدولارات التي تقدم من الشركات الدولية، وعلى رأسها شركات مستثمرة في دول نامية احياناً، تلجأ الى دفع 15 في المائة من قيمة العقود رشاوى للحصول على الصفقات، الا ان تقديم الرشاوى للموظفين البسطاء لتسهيل اعمال بيروقراطية يساهم ايضا في تفشي الفساد وتصعب محاربته. وقالت اروى «البعض في العالم العربي ودول العالم الثالث يتصور ان بعض الممارسات المعتاد عليها هي طريقة حياة ولا يدركون انهم يعيشون في جو من الفساد».ومع انتشار ظاهرة «العولمة» والاقتصاد العالمي لجأت منظمات دولية عدة الى تشكيل وحدات لمكافحة الفساد من أجل تنفيذ مشاريعها من دون عرقلة الرشاوى والفساد، فأسس البنك الدولي عام 1997 وحدة خاصة لمكافحة الاختلاس والفساد بعدما اعتبرته المنظمة الدولية «أكبر عقبة امام التنمية الاقتصادية والاجتماعية». كما اصدر البنك الدولي بياناً يعرف الفساد بأنه «كالسرطان ولا تتمتع أية دولة بالمناعة ضده سواءً كانت دولة غنية أو فقيرة. وهو يصيب مشروعات التنمية ولكن من المستحيل تقدير قيمة رأس المال الضائع نتيجة لذلك». وهذه نقطة مهمة، فعدم القدرة على تقدير الأموال المهدورة بسبب الاختلاس والفساد حول العالم، من نقاط ضعف مكافحة الفساد. وعلى الرغم من توقيع 137 دولة من اعضاء الأمم المتحدة على معاهدة مكافحة الفساد في السنتين الاخيرتين، إلا ان الاتفاقيات بحد ذاتها محدودة بما تستطيع ان تقدمه من تصد لظاهرة الفساد. وعلقت اروى ان «المعاهدة نقطة جيدة ولكن الاهم من التوقيع هو التطبيق على أرض الواقع وادخال البنود اللازمة في القانون المحلي للدول». وأكدت على دور المجتمع المدني، الذي اعتمدته «منظمة الشفافية الدولية» في محاربة الفساد، لكنها اعترفت ببعض الصعوبات التي تواجه المجتمع المدني في الدفع ضد تغيير تقاليد وثغرات في القانون تسهل الفساد، كما انها أضافت ان الفائدة من القوانين والاتفاقات محدودة، فـ«عدم النزاهة في بعض المؤسسات ودفع الرواتب البسيطة ليسا اعذارا للمتورطين بأخذ الرشاوى بل يقدمان الارضية التي تؤدي اليها». ومن السياسيات التي تنادي بها المنظمة الدولية لمكافحة الفساد في الدول «ذات الدخل المحدود» زيادة الموارد المخصصة للجهود المبذولة للتصدي للفساد والتوعية به. كما انها تقترح اطلاع الشعب على المعلومات المتعلقة بالموازنات من أجل معرفة كيفية صرف الأموال العامة. وبالنسبة الى الدول التي تتمتع بـ«الدخل العالي»، فهي تحبذ ربط اعطاء المساعدات المادية للدول النامية بالجهود المبذولة للتصدي الى الفساد. كما ان على الدول الغنية تقليص منحها المساعدات المرتبطة بشروط لفائدة الشركات الاجنبية، وذلك لاعطاء الفرصة للشركات المحلية بدلاً من لجوئها الى طرق غير شرعية للعمل والاستفادة المادي وقعت مصر على اتفاقية مكافحة الفساد في 9 سبتمبر 2003 تنفيذا لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والتي تنص على تشكيل هيئة مستقلة للاضطلاع بدور في محاربة الفساد، وتمكين منظمات المجتمع المدني من القيام بدور المراقبة والمساءلة لتحقيق الشفافية والنزاهة، ومع ذلك ظلت مصر تحصل على درجة متدنية لا تزيد عن 3.3 من عشرة طوال ثلاث سنوات وتحتل المركز 70 من ضمن 163 دولة في تقرير منظمة الشفافية الدولية، وفي عام 2007 تراجعت للمركز 110 وحصلت على 2.9، واستمرت في التراجع عام 2008 لتصل للمركز 115بمعدل 2.8 درجة .في عام 2007 كان التراجع بسبب القيود على تداول المعلومات، والتعنت ضد منظمات المجتمع المدني في القيام بدورها الرقابي لمواقفها المطالبة بإصلاح شئون المجتمع، وفي عام 2008 وصفت المنظمة مصر بأنها “أقرب للدولة الفاسدة” وأن الفساد يشكل عائقا خطيرا أمام التنمية، واستمرار الفساد بمستويات عالية هو أشبه بكارثة إنسانية، وعلى الرغم من استمراره فإن النقطة الجيدة التي تم رصدها مؤخرا أن مشكلة الفساد في مصر أصبح يتم تداولها علنا بالنقاش .لعل ذلك يعود إلى أن الحكومة المصرية لم تبادر بوضع تقرير عن الفساد إلا في عام 2007 وإن لم يتم نشره بشكل كامل، وقد تأخر صدور التقرير الثاني لـ ” لجنة دعم الشفافية ومكافحة الفساد” حيث كان من المفروض أن ترفع تقريرها لرئيس مجلس الوزراء قبل نهاية شهر ابريل 2008، ذلك بسبب عدم انعقاد أي اجتماعات للجنة التي شكلها د. أحمد درويش وزير الدولة للتنمية الإدارية من شخصيات عامة، ونظرا لعجز هذه اللجنة عن إعداد التقرير فقد استعان د . درويش بمستشاريه ومسئولين حكوميين لإنجاز التقرير بعد غياب أعضاء اللجنة عن كل اجتماعاتها، وبالتالي لم تتمكن اللجنة الجديدة من إصدار تقرير سوى في 18/8/ 2008، وكان أول تقرير يتم إتاحته للتداول عبر موقع الوزارة الإلكتروني .وبالرغم من أن هذا التقرير قد أوضح إن اختلاف طبيعة المؤشرات والإحصائيات يكون حسب تعريف الجهة الدارسة، بما ينعكس على مصداقية تلك المؤشرات في التدليل على حجم ونوعية الفساد، إلا أن الحكومة المصرية قد خالفت غالبية دول العالم في طبيعة تشكيل اللجنة وفي صياغة تعريفاتها لمفاهيم الفساد والنزاهة والشفافية .فبخصوص الهيئات واللجان التي تم تشكيلها لمكافحة الفساد في بعض الدول، نجد أن مبادرة بلغاريا كانت نابعة من منظمات المجتمع المدني، التي قامت بإنشاء هيئات غير حكومية لمراقبة ومتابعة الفساد في البلاد، وفي الهند كانت الاستجابة لرغبة الشعب في القضاء عل الفساد والمشاركة الإيجابية … حازم خزام بالهيئة العامة للإستعلامات برئاسة الجمهورية