حذر رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك من أن تدخل البلاد في حالة من التشظي والانقسام بسبب تدهور الأوضاع الأمنية والفوضى والهشاشة الأمنية التي سادت خلال الأيام الماضية كاشفا عن إجراءات اقتصادية تتضمن سياسات جمركية وضريبية جديدة لتخفيف العبء على المواطنين.
وقال حمدوك في خطاب وجهه للشعب مساء الثلاثاء إنه سعى لحفظ التوازن الصعب بين كافة مكونات البلاد مما جعله عرضة للاتهام بالضعف وعدم القدرة على المواجهة، مشيرا إلى أن مصير البلاد والشعب كان هدفه في كل المواقف التي اتخذها.
يعيش السودان صعوبات اقتصادية بالغة وسط توقعات بارتفاع معدلات التضخم إلى أكثر من 500% وخروج العديد من الأعمال عن دائرة الإنتاج.
ويعاني السودان من ارتفاع الديون الخارجية إلى أكثر من 60 مليار دولار وانهيار معظم القطاعات الإنتاجية والخدمية بسبب الفساد والسياسات التي اتبعت خلال فترة حكم عمر البشير التي استمرت 30 عاما.
لكن بعض المراقبين يرون أن الحكومة الانتقالية الحالية التي تسلمت السلطة في أعقاب سقوط نظام البشير في أبريل 2019 لم تنجح في معالجة الأزمات المعيشية الطاحنة التي تواجه المواطن العادي.
وكانت سياسة تحرير أسعار الوقود التي بدأت الحكومة السودانية في تنفيذها الأسبوع الماضي أثارت احتجاجات وجدل كبيرين في الشارع السوداني، مما أدى لتسلل عناصر النظام السابق في محالة لإغراق البلاد في الفوضى والعنف.
ورفعت السياسة الجديدة أسعار المحروقات بنسبة تقارب المئة في المئة وحددت سعر لتر البنزين بواقع 290 جنيه سوداني (الدولار يعادل 430 جنيها) وسعر لتر الجازولين بواقع 285 جنيها.
وأكد حمدوك وعيه بحقيقة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي تمر بها البلاد مشيرا إلى أن حكومته ظلت تعمل على معالجات وإصدار قرارات لإجراء إصلاحات حقيقية في الجهاز المصرفي والجمارك والضرائب من خلال سياسات تتضمن إعفاءات جمركية وضريبية على السلع الضرورية ومدخلات الانتاج والسلع الرأسمالية وفرض ضرائب وجمارك مرتفعة على السلع غير الضرورية للمساعدة في توفير السلع الضرورية بأسعار تنافسية والحصول على السلع غير الضرورية بقيمتها الحقيقية إضافة إلى تشجيع الإنتاج المحلى والتوظيف.وأوضح استلمنا خزينةً فارغة وديوناً مهلكة وحالة حصار سياسي واقتصادي فقد كان اقتصادنا يعاني من خللٍ هيكلي واجتاحت بلادنا والعالم جائحة كورونا التي تسببت في كسادٍ اقتصادي عالمي وانخفضت إيرادات الحكومة بنسبة 40%.
ودافع حمدوك عن الإصلاحات الاخيرة التي تبنتها حكومته والتي شملت تحرير أسعار المحروقات وقال لم يكن أمامنا خيار غير تبنى برنامج للإصلاح الاقتصادي، فهو خيارنا الوحيد، الذي لم يفرضه علينا أحد أو تُصرُّ عليه جهة ولسنا مرغمين على ذلك، لكنه الخيار الواعي الذي وجدنا أنه كفيل بإصلاح الوضع الاقتصادي ونعلم قسوته وصعوبته، لكنه كان الدواء الوحيد لمثل ظروفنا وهو جزء من تصور عام عملنا عليه منذ يومنا الأول الذي كُلفنا فيه بهذا الموقع قبل ما يزيد قليلاً عن العام والنصف.
وشدد حمدوك على المضي في طريق إعادة هيكلة الاقتصاد السوداني المثقل بالتشوهات، عبر تخليصه من الديون ومراجعة المصروفات والايرادات لتقليل العجز الكبير في ميزان المدفوعات. وقال إن الامر استلزم التفاوض مع المؤسسات المالية الدولية وتكلل باتفاق في يونيو 2020 بموجبه دخل السودان في برنامج مدته عام ينتهي في الثلاثين من يونيو الجاري. وأكد حمدوك أن السودان سيكون بنهاية هذا البرنامج مؤهلاً لإعفاء ديونه المتراكمة ويكون اقتصاده قد وضع على قاعدة صلبة للانطلاق.
وفي المجال الزراعي قال حمدوك إن حكومته حققت هذا العام إنتاجية غير مسبوقة في القمح المحلي ووفرت عن طريق انشاء محفظة زراعية موارد محلية لتمويل الموسمين الزراعيين الصيفي والشتوي وعبر اتفاق مع البنك الدولي وفرت منحة للسودان بمبلغ ملياري دولار ستوظف في مشاريع في مجال الطاقة والطرق والزراعة ومياه الشرب والتعليم والصحة.
وأشار حمدوك إلى الجهود المبذولة لوقف الحرب وتحقيق السلام بما يوسع قاعدة الانتقال ويمتنه ويوفر فرصاً أفضل للبلاد لتوجيه طاقاتها نحو البناء عوضاً عن الصراع. وأوضح بدأنا ذلك منذ الشهر الأول لنا في أكتوبر 2019 وسرنا رحلة طويلة استمرت لعام حتى وقعنا اتفاق جوبا لسلام السودان في أكتوبر 2020 ولا زلنا نواصل المشوار لاستكمال المرحلة الثانية مع من تبقى من قوى الكفاح المسلح. وأوضح حمدوك أن حكومته عملت على فك العزلة الدولية عن السودان وإنهاء العقوبات والحصار الذي كبل امكانيات البلاد الوطنية. وأضاف بدأنا هذا المشوار منذ زيارتي الأولى للولايات المتحدة الأميركية والتي خاطبت فيها الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2019 ومن ثم انخرطنا في تفاوض شاق ومكلف تكلل بالنجاح في خروجنا من القائمة في ديسمبر 2020 بعد 15 شهراً من العمل الدؤوب الذي شارك فيه رجال ونساء كثر لم يدخروا جهداً من أجل رفعة وخلاص الوطن.
وتوقع حمدوك أن تثمر مسالة الانفتاح الخارجي قريبا خصوصا بعد النتائج التي خرج بها مؤتمر باريس الذي انعقد في مايو الماضي. واوضح التقينا بالمستثمرين الأجانب ووقعنا اتفاقات في مجال المعادن والتنقيب عنها ستشهد الأيام القادمة توقيع اتفاقات عديدة في مجالات مختلفة. من تلك الاتفاقات استثمارات جديدة في النقل والبنى التحتية، الطاقة وتوليد الكهرباء الزراعة بناء وإنشاء طرق في مناطق عديدة، ومطارات جديدة ومجال الاتصالات والمواصلات بالمدن،.
وأكد أن من أهم المخرجات في ملف الديون الالتزام بإعفاء 15.5 مليار دولار من أصل 60 مليار من الدين مشيرا إلى ان هذه الخطوة شجعت الدول أعضاء نادي باريس للالتزام بالعمل على إعفاء ديونهم البالغة 23 مليار دولار.
فيما يخص الواقع الآن وآثار المرحلة الحالية من المعالجات الهيكلية قال حمدوك إن حكومته وضعت عدداً من التدابير والمعالجات لتخفيف آثار هذه الإجراءات منها برامج الدعم الاجتماعي والأسري ثمرات المعني بتقديم دعم نقدي مباشر لملايين المواطنين.
وأوضح أن لدى برنامج ثمرات رصيداً يقدر بحوالي 820 مليون دولار تمَّ استخدام 15% منها حتى الآن بسبب خلل إداري في قاعدة المعلومات.
ووفقا لحمدوك فإن البرنامج يغطي ستة ملايين وخمسمائة ألف أسرة – أي حوالي 80% من الأسر السودانية حتى الآن اكتملت بيانات 700 ألف أسرة وسيشمل كل العاملين بالدولة ومن المتوقع أن يرتفع الدعم المقدم لهذا البرنامج إلى 2 مليار دولار.
وأكد حمدوك استمرار دعم الحكومة للعديد من السلع والخدمات الضرورية منها الكهرباء والدقيق وغاز الطبخ والأدوية.
نبه حمدوك إلى ما آلت إليه الأوضاع في الأيام الماضية من أجواء تنذر بالفوضى وإدخال البلاد في حالة من الهشاشة الأمنية؛ حالة من التشظي والانقسام بسبب تدهور الأوضاع الأمنية.
وأضاف تحوَّل الأمر في بعض الحالات من تحركات للتعبير عن الرأي إلى أحداث سلبٍ ونهبٍ للممتلكات وترويع المواطنين في عددٍ من المناطق واعتداءات مباشرة سبقتها حوادث قتلٍ وتعدٍّ على عددٍ من الثوار. وهناك حالات عنف واعتداء على النساء بصورة غير معهودة.وأضاف رأينا كيف كان الثوار يقابلون بطش النظام البائد وأدواته القمعية بالسلمية التي انتصرت، لكن ما يحدث الآن لا يشبه الثورة ولا الثوار، ومن الجيد أن الثوار الحقيقيين انتبهوا لما يحدث وقد تصدَّت لجان المقاومة الحقيقية لمحاولات تشويه صورتهم وعملوا على تصحيح الأوضاع والمشاركة في استتباب الأوضاع الأمنية ونحن ندعوهم لمواصلة ذلك المجهود فنحن مؤمنون أن السند الحقيقي لحكومة الفترة الانتقالية هم هذه الجماهير.
وألقى حمدوك باللوم في التدهور الأمني الحالي للتشظي الذي حدث بين مكونات الثورة والذي ترك فراغاً تسلَّل منه أعداؤها وأنصار النظام البائد. وأوضح بلادنا تواجه ظروفاً قاسيةً تهدِّد تماسكها ووحدتها وينتشر فيها خطاب الكراهية وروح التفرقة القبلية وهذه التشظيات يمكن أن تقودنا لحالة من الفوضى وسيطرة العصابات والمجموعات الإجرامية كما تساعد على تفشي النزاعات بين المجموعات السكانية كافة مما قد يؤدي إلى حرب أهلية تقضي على الأخضر واليابس وهذا الخطر لن يهدد بلادنا فحسب بل سيجرُّ كل الإقليم إلى حالةٍ من عدم الاستقرار فأي تهديد للاستقرار في بلد مثل السودان، سيمثل حالة نوعية فريدة لم يسبق لها مثيل على مستوى العالم:.