بينما الأيام والسنوات تتعاقب، إذا بالتاريخ رقيباً عليها، يدون ملاحظاته، ليسطرها، يوماً، في فصوله من تاريخ الأمم. ولأنني ممن درسوا التاريخ، وحصلت على شهادة الليسانس فيه من كلية الآداب، بجامعة عين شمس، فلازلت أتذكر كلمات أستاذي الجليل، رئيس قسم التاريخ بالجامعة، الراحل الدكتور أحمد نوار، وهو يقول إن التاريخ لا ينسى أحداثه، أبداً … قد تتوارى الأحداث لبعض الوقت، إلا أنها تظل موجودة في خزانة التاريخ، لتشهد على الحقيقة، ولو بعد حين.
فعندما نذكر محمد علي باشا، نذكره بما لقبه به التاريخ، كمؤسس مصر الحديثة، ذلك الرجل الذي خاض حرباً ضد المماليك، في بداية حكمه، حتى استقر له حكم مصر، فاستطاع أن ينهض بها في كافة المجالات؛ عسكرياً، وتعليمياً، وصناعياً، وزراعياً، وتجارياً، وجعلها دولة ذات ثقل، في عهده. فبنى مصر الحديثة على النسق الأوروبي، مستعيناً، في مشروعاته، بخبراء أوروبيين في كل المجالات. اهتم بالصناعات العسكرية، والتعليم العسكري، فأرسل البعثات العلمية إلى أوروبا، وأسس العديد من المدارس العليا، لتخريج المهندسين والأطباء والمزارعين والمحاسبين، وشيد الجسور والقناطر، وتوسع في زراعات التوت لإنتاج الحرير الطبيعي، وأدخل أصنافاً جديدة لزراعة القطن، ثم أنشأ الاسطول التجاري، بعدما طور الموانئ في السويس والإسكندرية، فنشطت حركة التبادل التجاري، وصارت مصر محوراً رئيسياً في المنطقة والعالم.
واليوم، أجدني أفكر فيما دّونه التاريخ، عن السبع سنوات الأولى، من حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي لمصر، فأجزم بأنه كتب فصولاً طويلة عن تلك الفترة الهامة، بدأها بأنه خلص مصر من حكم جماعة الإخوان الإرهابية، وهو ما أجمعت الأقلام على أنه أعظم قرارات هذا العصر. وسيكتب التاريخ فصولاً أخرى عن جرأة وحكمة الرئيس السيسي في إطلاق خطة الإصلاح الاقتصادي، التي هاب تنفيذها، أو حتى الاقتراب منها، رؤساء سابقين، فرغم نصح البعض لسيادته، بعدم اتخاذ ذلك القرار، حفاظاً على شعبيته، إلا أنه رأى في ذلك خيانة لوطنه، ولمن وثقوا في إدارته للبلاد، فغلّب الصالح العام، مُتوكلاً على الله، ومُعولاً على وعي أبناء شعب مصر، المدركين لضرورة البدء في خطة الإصلاح الاقتصادي، على الفور، وتقبل الشعب المصري الإصلاحات الاقتصادية، رغم صعوبتها، وساندوها، إيماناً منهم بأنها السبيل الوحيد لرفعة شأن الوطن.
وهل يظن أحدنا أن التاريخ بغافل عن قرار السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بدعم القوات المسلحة المصرية، وقراره بتنويع مصادر السلاح، ذلك القرار الذي طالما حلم به قادة القوات المسلحة المصرية، منذ عقود، للتخلص من ضغط المصادر الأحادية. فبفضل تلك القرارات الرشيدة، أصبحت القوات المسلحة المصرية مطلباً لكل دول العالم، لتنفيذ تدريبات مشتركة معها، لما تتمتع به من خبرة وكفاءة وتميز. كما قام بتطوير المصانع الحربية، التي لم يطلها التطوير منذ إنشائها في عهد الرئيس عبد الناصر، في خمسينيات القرن الماضي. وضمن خطة تأمين الاتجاهات الاستراتيجية لمصر، وجه سيادته بإنشاء القواعد العسكرية الجديدة، فكانت قاعدة محمد نجيب العسكرية، على البحر المتوسط، وقاعدة برنيس على البحر الأحمر، اللتان تأسستا على أحدث النظم العالمية.
وسينسب التاريخ للرئيس السيسي نجاحه في القضاء على الإرهاب، وقطع ذيوله في كافة ربوع مصر، وتجفيف منابعه، تلك الآفة التي استهدفت تدمير مصر كلياً، بتحويلها إلى إمارة تتبع “الدولة الإسلامية” المزعومة، وقد حقق ذلك النجاح بخطة استراتيجية متكاملة، كان العنصر العسكري أحد ركائزها، إلا أنه تكامل مع خطة شاملة للتنمية، لنهضة البلاد، وتحديداً في سيناء، لجذب الاستثمارات إليها، وتوفير فرص العمل اللائقة لأبنائها، فتحقق لمصر الاستقرار المنشود. وهو ما يتكامل، بشكل أعم، مع قرارات سيادته لتهيئة البنية الأساسية اللازمة لمصر، من شبكة طرق جديدة، رفع كفاءة الموانئ، والمبادرات الرئاسية لدعم الصحة، وتوفير حياة كريمة لريف مصر.
وعلى صعيد إقليمي، أعاد الرئيس السيسي مصر إلى أفريقيا، منذ بداية حكمه في 2014، فبعدما كانت عضويتها مجمدة في الاتحاد الأفريقي، نجح سيادته في تولي رئاسة الاتحاد، ليعيد لمصر مكانتها الرائدة بين دول أفريقيا، التي تأسست لها في عهد الرئيس الراحل عبد الناصر، قبل أن تتضاءل في عهود تالية. وتولى بنفسه الزيارات للدول الأفريقية، ومد أواصر التعاون الاقتصادي والعسكري والاجتماعي، التي وصلت لقيام شركة المقاولون العرب ببناء السد العظيم في تنزانيا، وتوجت، مؤخراً، بزيارة جيبوتي، لأول مرة في تاريخ مصر، ذلك البلد الاستراتيجي على مدخل البحر الأحمر.
واستكمالاً لدور مصر الحيوي، في القضية الفلسطينية، تجلت قوة مصر الإقليمية والعالمية، في أحداث معركة غزة الرابعة، التي نجح الرئيس عبد الفتاح السيسي، منذ يومها الأول، في إرسال الوفود للمطالبة بوقف إطلاق النار، ثم تثبيت الهدنة، وإيفاد وزير الخارجية ومدير المخابرات العامة، إلى إسرائيل والضفة الغربية ثم إلى حماس، ليعود الاستقرار للمنطقة بفضل جهوده. وهو ما أسفر عن دعوة الفلسطينيين للقاهرة، يوم السبت القادم، لمباحثات فلسطين-فلسطين، لتوحيد الصف، وإجراء انتخابات جديدة، فضلاً عن تولي مصر إعمار غزة. وها هو الرئيس الأمريكي جو بايدن يتصل بالرئيس المصري ويشكره مرتين على جهوده في تحقيق السلام في المنطقة. لقد تأكد للجميع أن مصر دولة أعمال وليست أقوال، وعندما تفكر مصر في عقد مؤتمر سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تحت رعاية دولية وعربية وأممية، فهي خطوة لا يمكن أن يقوم بها غير مصرنا العزيزة.
مرة أخرى أعيد كلمات أستاذي الجليل أحمد نوار أن التاريخ لا ينسى أحداثه، أبداً … وسيذكر بحروف من نور أعمال الرئيس عبد الفتاح السيسي التي بدأت منذ 2014، لإقامة الجمهورية الجديدة.