لواء دكتور/ سمير فرج اندلعت الشرارة الأولى، للأحداث الأخيرة، عندما نظمت جهات يمينية إسرائيلية، متطرفة، مسيرة بشوارع القدس الشرقية، احتفالاً بذكرى احتلالها، عام 1967، التي يطلق عليها الإسرائيليون “عيد توحيد القدس”، وهو ما اعتبره الفلسطينيون استفزازاً، جديداً، لمشاعرهم، خاصة في الأيام الأخيرة لشهر رمضان المعظم. وازداد الموقف اشتعالاً بمحاولات بعض المستوطنين اليهود الاستيلاء على منازل العائلات الفلسطينية، في حي الشيخ جراح، بالقدس الشرقية، لطردهم وإزالة بيوتهم، لإقامة حي إسرائيلي جديد، وربطه بباقي المستوطنات اليهودية في المدينة. وأمام تلك الاعتداءات، المباشرة، حدث صدام بين الشرطة الإسرائيلية والفلسطينيين، وصارت قضية الشيخ جراح محور اضطرابات، جديدة، في القدس الشرقية، وتصاعدت حدة الاضطرابات لتصبح الأسوأ منذ عام 2017، خاصة بعدما اتسعت رقعة الاعتداءات لتشمل غزة، التي شهدت موقعة الحرب الأولى عليها من جانب الجيش الإسرائيلي في ديسمبر 2008 ويناير 2009، والتي أُطلق عليها، حينها، “عملية الرصاص المصبوب”. وفي 2012، شهدت الحرب الثانية عندما انطلقت صواريخ وقذائف من غزة، لترد عليها إسرائيل بهجمات جوية وحشد بري، حتى التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، أما الحرب الثالثة، على غزة، عام 2014، التي أطلق عليها الجيش الإسرائيلي “عملية الجرف الصامد”، فبدأت باقتحام القوات الإسرائيلية لقطاع غزة، وهو ما ردت عليه المقاومة الفلسطينية بإطلاق صواريخها تجاه إسرائيل، وانسحبت القوات البرية الإسرائيلية في أغسطس 2014، بعد نحو شهرين من القصف والاعتداءات. واليوم نشهد الحرب الرابعة، بعدما أطلقت المقاومة الفلسطينية صواريخها، من غزة، رداً على الاعتداءات الإسرائيلية على أهالي فلسطين بحي الشيخ جراح. وتساءل الجميع عن إمكانية الاجتياح البري الإسرائيلي لغزة، وهو ما استبعدت حدوثه، من وجهة نظري، التي أعلنتها في أكثر من حوار ومداخلة، وإن تم فسيكون في شكل إغارة، مفاجئة، على بعض مواقع الصواريخ التابعة للمقاومة الفلسطينية، لتدمير أنفاق ومخازن ومواقع إطلاق الصواريخ، التي لم تتمكن الطائرات الإسرائيلية من تدميرها. وبالفعل تحققت تقديراتي، ولم تغامر إسرائيل، هذه المرة، بالدفع بقوات برية، لمهاجمة واجتياح قطاع غزة. ورغم ما أعلنته إسرائيل من استدعاء جزء من الاحتياطي، وتمركز قوات برية ومدفعية على حدود غزة، إلا أنها إجراءات تخطيطية للرد على أي مفاجئات من الجانب الفلسطيني، إذ يحمل الاجتياح البري مخاطرة حدوث خسائر بشرية، لا تتحملها إسرائيل، في الوقت الحالي، خاصة مع استعداد رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، لخوض معركة انتخابية، جديدة، للمرة الخامسة، لتشكيل الوزارة، وعليه فقد ركزت إسرائيل، في الحرب الحالية، على استخدام القوات الجوية، والزوارق البحرية، والطائرات المسيرة بدون طيار، ونيران المدفعية، للوصول لأهدافها داخل قطاع غزة بدون أي خسائر بشرية. استهدفت الهجمات العسكرية الإسرائيلية تحقيق ثلاثة أهداف، قبل قبول التهدئة أو الاتفاق على وقف إطلاق النار، تمثل الهدف الأول، والأزلي، في استنزاف قدرات المقاومة الفلسطينية، وضرب بنيتها التحتية بتدمير مناطق إطلاق الصواريخ، وضرب الأنفاق الواقعة تحت سيطرة فصائل المقاومة، وخاصة حركة حماس. أما الهدف الثاني فكان استهداف قيادات المقاومة الفلسطينية، بكافة فصائلها، خاصة القيادات المسؤولة عن منظومة الصواريخ، وتطويرها، ومنصات الإعلام الحمساوي في غزة، بينما ركز الهدف الثالث على التعرف على القدرات الصاروخية، الجديدة، لعناصر المقاومة، بهدف تطوير نظام القبة الحديدية الإسرائيلية، الذي ثبت عدم قدرته على التصدي للعديد من تلك الصواريخ، التي وصلت إلى عمق تل أبيب. فقد شهدت هذه الحرب دخول أنواع جديدة من صواريخ المقاومة، إذ ظهر الصاروخ “بدر 3″، الذي يعتبر استنساخاً للصاروخ الروسي “جراد”، وتمكنت سرايا القدس من استخدامه ضد مدينة عسقلان، حيث يصل مداه إلى 45 كم، وينفجر فوق الهدف لإحداث أكبر خسائر ممكنة. أما كتائب القسام فقد استخدمت صاروخاً جديداً، آخر، وهو “عياش”، الذي يصل مداه إلى 217 كم، لضرب مدينة إيلات، واستخدمت حركة حماس صواريخها لاستهداف منصة إسرائيلية لاستخراج الغاز الطبيعي بحقل تمارا في شرق المتوسط، أمام شواطئ غزة، فيما اعتبرته إسرائيل مفاجأة لها، ضمن طرازات جديدة من الصواريخ المعتمدة على التكنولوجيا الإيرانية. وعلى العموم، فمن المتوقع أن تضيف هذه الحرب أبعاداً جديدة، على المستوى الاستراتيجي داخل إسرائيل، سيظهر صداها في شكل الوزارة القادمة، خاصة بعد اتحاد أطراف اليمين الإسرائيلي، كما ستمتد آثارها على شكل الانتخابات الفلسطينية القادمة، بافتراض إجرائها في موعدها. وكدأبها في مثل تلك الظروف التي تمس المنطقة العربية عامة، والقضية الفلسطينية خاصة، بذلت مصر جهوداً حثيثة للتهدئة، ووقف إطلاق النار، وكانت القوة الوحيدة التي لعبت دوراً عملياً، سياسياً ودبلوماسياً، بإيفاد وفد أمني مصري، فور بدء الأزمة، إلى تل أبيب لطلب التهدئة، ورغم رفض الجانب الإسرائيلي، إلا أن مصر عادت وطلبت التهدئة لعدة ساعات لإخلاء الجرحى والمصابين، وأمام تعنت الجانب الإسرائيلي، خرج القرار المصري بفتح المعابر مع قطاع غزة، لاستقبال الجرحى من الفلسطينيين، في المستشفيات المصرية، مع إرسال سيارات الإسعاف المصرية لتنفيذ المهمة، فضلاً عن إرسال شحنات من المساعدات الطبية والإدارية من الوقود ومواد الغذاء. وهو ما يؤكد، مجدداً، أن مصر كانت ولازالت وستظل، دوماً، ملاذ الشعب الفلسطيني، خاصة في أوقات المحن، وسوف تشهد الأيام القادمة تغير الأوضاع، تماماً، في المنطقة، سواء من ناحية الجانب الإسرائيلي أو الفلسطيني، بعد نجاح الوساطة المصرية في التهدئة بين الجانبين، وهو ما سأتناوله، مع حضراتكم، قريباً، في تحليل منفصل … ماذا بعد أن تهدأ نيران الحرب على غزة؟