يشهده قطاع التعليم في المغرب خصوصا والبلاد تعيش منذ أشهر على وقع سلسلة من الإضرابات والاحتجاجات التي يقودها من باتوا يعرفون بـالأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد فيما يواجه التلاميذ مصيرا مجهولا وسط تحذيرات من تدحرج كرة الثلج نحو المزيد من الأزمات التي تطل برأسها على القطاع الاجتماعي البالغ الحساسية.
وفيما طالبت الفيدرالية الوطنية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بالمغرب وزير التعليم سعيد أمزازي، بالتدخل لوقف الآثار السلبية وجه الوزير، الثلاثاء دعوة إلى تنظيمات نقابية من أجل دراسة مشكلات القطاع خصوصا بعدما كان قد التقى التنسيق النقابي المكون من الجامعة الحرة للتعليم والنقابة الوطنية للتعليم والجامعة الوطنية للتعليم بداية الأسبوع الماضي من أجل استئناف الحوار بشأن ملف الأساتذة المتعاقدين.
ويتوقع مراقبون وخبراء أن يشهد قطاع التعليم في المغرب المزيد من الأزمات في ظل تخبط الحكومات المتعاقبة بين البدائل والخيارات بينما يستمر العاملون في القطاع على طريق تصعيد وتيرة الاحتجاجات بين الفينة والأخرى مما يؤشر على المزيد من الاحتقان المرتقب.
أحمد العرباوي (28 سنة) واحد من حوالي 55 ألف أستاذ متعاقد بات التنقل بين مقر عمله وبين العاصمة المغربية الرباط روتينا مألوفا فكلما لاح أمل بخصوص تسوية وضعيته ووضعية زملائه إلا ولوحت الحكومة باعتزامها اتخاذ إجراءات جديدة ترفع من حدة المشكلات القائمة وهو ما يجعل العرباوي يتساءل: لست أدري هل التعليم هو المشكلة التي تريد الحكومة التخلص منها؟ أم أننا نحن العاملون فيه قد صرنا عين المشكلة؟
وبحسب المتحدث فإن الحكومات المتعاقبة في المغرب تنظر إلى التعليم كعبء إضافي لا تريد أن تتحمله فهو القطاع المليء بالمشكلات والاضطرابات موضحا أن كل المشاكل التي يعانيها التعليم بالمغرب تمس كل الفاعلين الاجتماعيين لأن الثمن سيؤديه الجميع يوما ما ولهذا ينبغي أن ينتهج المغرب خطة إنقاذ وطنية للتعليم.وعرفت وتيرة احتجاجات العاملين في قطاع التعليم تصاعدا غير مسبوق منذ عام 2016، خصوصا بعدما أقدمت حكومة عبد الإله بن كيران على سن مرسومين أحدهما يقلص منحة تكوين الأساتذة، والثاني يفصل التكوين عن التوظيف وهو ما انتهى بإقرار نظام التعاقد كبديل عن صيغة التوظيف السابقة مما جعل الأساتذة مفتقدين للوضع المهني المستقر، وأجج الاحتجاجات أكثر يضيف العرباوي.
واحتجاجات أساتذة التعاقد التي تقدر بالمئات خلال السنوات الماضية تعتبر بحسب رئيس جمعية الدكاترة المعطلين سميح الحمداوي نتيجة لبطالة خريجي الجامعات مؤكدا أن قسما من هؤلاء الخريجين باتوا اليوم بين نارين إما البطالة أو عقود عمل مجحفة كتلك التي يحتج عليها أساتذة التعاقد.
ويعاني أكثر من نصف خريجي الجامعات المغربية من التعطل عن العمل بحسب تقرير صادر قبل سنتين عن المندوبية السامية للتخطيط (رسمية)، في حين تشتكي المؤسسات التعليمية في جميع المستويات من الاحتياج للموارد البشرية وهو ما جعل الحكومة المغربية تلجأ إلى التعاقد في أسلاك التعليم الدنيا وإلى إغراق الجامعة بالدكاترة الموظفين البعيدين بسنوات عن البحث العلمي ليمتلئ القطاع بموارد بشرية ضعيفة يضيف الحمداوي.
ومن جانبه قال أستاذ المالية العامة في جامعة محمد الخامس بالرباط محمد الغواطي إن الميزانية المرصودة لقطاع التعليم قد عرفت تراجعا طفيفا مقارنة بالسنوات السابقة ومرد ذلك إلى الآثار السلبية التي فرضها فيروس كوفيد-19 على الاقتصاد الوطني.
وأضاف أن الأمر يستدعي البحث عن مصادر تمويل جديدة تضاف لمصادر التمويل التي توفرها الدولة عبر الاعتمادات المرصودة للقطاع ضمن قوانين المالية السنوية في ظل ضعف الإيرادات وعدم توفر التمويلات لافتا إلى أن المؤسسات البنكية الدولية تواكب برامج إصلاح التعليم بالمغرب باعتمادات مالية مهمة.
ودعا الغواطي إلى الرفع من ميزانية الاستثمار للمشروعات الاستراتيجية الكبرى طبقا لأحكام القانون الإطار ووفق مقتضيات القانون التنظيمي لقانون المالية والتي تضم عدة مشاريع استراتيجية من ضمنها تعميم التعليم الأولي، ودعم البحث العلمي والابتكار.
وتنفق الدولة حوالي 76 مليار درهم على التعليم بحسب ميزانيتي 2020 و2021 نما يجعل ميزانية القطاع تكون ضمن صدارة ميزانيات باقي القطاعات.
ونبه الباحث في علم الاجتماع محفوظ السعيدي إلى ضرورة الانتباه إلى موضوع الهوية في التعليم معتبرا أنه من الخطورة بما كان أن تنزلق المناهج نحو التشظي المعرفي ولا تلتفت إلى أهمية تكريس روح الدستور القائم على الهوية المغربية متعددة الروافد.
وأشار إلى أن مهمة التعليم هي الحفاظ على الهوية المغربية وتيسير سبل أجيال المستقبل حيال الانفتاح على الثقافات الكونية معتبرا أن الاهتمام بالهوية من خلال التعليم هي خط الدفاع الأخير أمام ما يتهدد المجتمعات مستقبلا من مخاطر التطرف والانغلاق.
وفي سياق متصل، دعا الباحث في العلوم السياسية أحمد الخنبوبي إلى استقلالية المجال المعرفي والجامعي معتبرا ذلك بمثابة حافز لتطور التعليم والمجال المعرفي عامة ومنبها إلى أهمية استقلال المجال المعرفي عن المجال السياسي في إشارة إلى التحديات الكبرى التي يواجهها المجتمع إن لم ينهض بالتعليم.