سيناء لا تنام إلا في حضن مصر من محاسن الأقدار أن تتزامن هذا الشهر ذكريان كلتاهما عزيزة وتتعلق بجزء غال من أرض مصر، الذكرى الأولى هى حرب العاشر من رمضان السادس من أكتوبر التي استردت فيها مصر كرامتها قبل أرضها، ولقنت العدو المتعجرف درسا لن ينساه، وأكدت أنها لا يمكن أن تفرط في حبة رمل من أرضها أو حق من حقوقها.. كان العدو الصهيوني قد وصل إلى درجة من الغرور سولت له أنه الجيش الذي لا يُقهر، وظن أن خط بارليف سيحميه من وثبة خير أجناد الأرض، فإذا به يتلقى صفعة أطاحت بأحلامه ووضعته في حجمه الطبيعي أمام نفسه وأمام العالم بعد أن كان يصدِّر نفسه على أنه الجيش الذي لا يقهر.. ولولا الجسر الأمريكي لكان للجيش المصري كلمة أخرى وضربات أشد إيلاما.. لقد تضافرت لهذا النصر عوامل كثيرة كان على رأسها تلاحم الجبهة الداخلية بدءا من القيادة وحتى أصغر مواطن آمن بقضية بلاده واقتطع من خبزه لدعم جيشه وشد الحزام على (بطنه) ليقف في (ظهر) الوطن. وأجاد الرئيس الراحل محمد أنور السادات استخدام استراتيجية الخداع وكان لعنصر المفاجأة دور كبير في تحقيق النصر، وكادت إسرائيل تنهار خلال الحرب التي استمرت ستة أيام وتكبدت خسائر كبيرة في المعدات والأفراد، فضلا عن سقوط خط بارليف في أيدي المصريين رغم ترويج اسرائيل لاستحالة اجتيازه، وعبور قناة السويس التي زعمت أنها مفروشة بالنابالم. ولأن الحق ما شهدت به الأعداء، فقد جاءت شهادة كفاءة الجيش المصري – التي هو في غنى عنها – على لسان أكبر رأس عسكري إسرائيلي في فترة الحرب وهو وزير الدفاع موشيه دايان الذي قال في مذكراته: “علينا الاعتراف بأننا لسنا أقوى من المصريين وأن حالة التفوق العسكري الاسرائيلي قد انتهت للأبد وأن النظرية التي تؤكد هزيمة العرب في ساعات إذا حاربوا إسرائيل تعتبر نظرية خاطئة”. وقالت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل في مذكراتها: “إن المصريين عبروا القناة وضربوا بشدة قواتنا في سيناء وتوغل السوريون في العمق على مرتفعات الجولان وتكبدنا خسائر جسيمة على الجبهتين… الكتابة عن حرب يوم الغفران لا يجب أن تكون كتقرير عسكري بل ككارثة قريبة أو كابوس مروع قاسيتُ منه أنا نفسي وسوف يلازمني مدى الحياة”. أما الحدث الثاني الذي تزامن هذا الشهر مع نصر العاشر من رمضان فهو ذكرى تحرير سيناء التي توافق 25 من إبريل كل عام، حيث استردت مصر مدينة طابا آخر جزء من سيناء الحبيبة وخرج منها آخر جندي إسرائيلي وذلك عام 1989.. تم ذلك من خلال التحكيم الدولي الذي أبرز طول نفَس المفاوض المصري وقدرة المصريين على استرداد حقوقهم سلما بنفس قدرتهم على استردادها حربا، وليثبت الواقع أن سيناء لا تنام إلا في حضن مصر مهما مر بها من صعاب ومهما جثم على صدرها من احتلال. ورغم النصر العظيم واسترداد سيناء فإن المعارك على أرضها لم تنته، إذ تبقى الآن المعركة الأهم وهي معركة البناء والتعمير الجارية حاليا على أرض الفيروز من مشروعات ضخمة وأنفاق تربطها بالوادي وغيرها من المشروعات التي تساعد على ضخ دماء التنمية في شرايين هذه البقعة المباركة، وتوطين الشباب بها حتى لا تكون مطمعا لأي جماعات إرهابية تتخذها منطلقا لبث الرعب والخراب باسم الدين، او مهووس بأحلام توسعية وأوهام قوة قهرتها عزيمة المصريين في “ست ساعات”!