في تطور جديد للخلافات الحادة بين الرئيس التونسي قيس سعيد وحركة النهضة ورئيس الحكومة هشام المشيشي شنّ الرئيس التونسي هجوماً جديداً ضد خصومه في خطاب ألقاه بمناسبة العيد الوطني لقوات الأمن الداخلي.
وقال سعيد في موكب الاحتفال الذي حضره عدد من الضباط في الأجهزة الأمنية ورئيسة الحكومة هشام المشيشي ورئيس البرلمان راشد الغنوشي: إن الأمن المعبر عن الإرادة الشعبية يجب أن يطبق القانون بدون استثناء فالجميع سواء أمام القانون لا يشفع له حزب ولا نسب ولا ثروة ولا منصب(…) لكن هناك من يتمسك بالحصانة أو بالقرابة في حين أن الحصانة مقصدها هو ضمان حرية الموقف وليس القذف والكذب والافتراء.
وتابع: لكن الحصانة لا يمكن أن تكون حائلاً أمام المساءلة ولا يمكن أن تكون عقبة أمام الإفلات من العقاب كما اختفت للأسف في المحاكم الأدلة والمؤيدات بل إن المحاكمات تستمر في بلادنا لعقود، أما لو كان المتهم فقيرا مدقعاً لا ألقي به في ساعات في غياهب السجون، لكن أقولها للجميع اليوم صبر وغداً أمر.
وقال قيس سعيد إن القوات المسلحة يجب أن تكون أسوة في تطبيق القانون وعلى الجميع دون استثناء لا بالمال ولا بالعلاقات مع الخارج ولا بالمصاهرة ولا بالنسب.
ويشير سعيد إلى قضية الفساد التي تورط فيها وزير الخارجية السابق وصهر راشد الغنوشي رفيق عبد السلام في العام 2012 ولم تحسم حتى اليوم وإلى المتابعات القضائية في حق عدد من النواب في الائتلاف الحاكم بتهم تتعلق بتمجيد الإرهاب والعنف والمعطلة بسبب الحصانة البرلمانية.
من جانبه اتهم صهر الغنوشي الرئيس سعيد بالسعي المرضي للسلطة. وقال في نص نشره على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك: أطل علينا قيس سعيد مجددا منفلت الأعصاب (…) بنهم للسلطة وتعطش عجيب للاستفراد والاستحواذ على كل شيء. الرجل يريد أن يجمع السلطات المدنية والعسكرية والدنيوية والدينية بين يديه استنادا إلى تأويل فاسد ومضلل للدستور لينصب نفسه القديس الأكبر والإمبراطور الأعظم الذي لا تغيب عنه الشمس. لكنه في نوبة هوسه الجنوني بالسلطة غاب عنه أن تونس فيها دولة ومؤسسات وليست ضيعة.
وتوجه قيس سعيد لضباط الأجهزة الأمنية قائلاً: اصبروا وصابروا إن بعضكم يعلم الكثير وكيف يعطل السير الطبيعي لدوليب الدولة بالفتن والنصوص وبالتمييز وبإثار البعض على البعض دون مقاييس موضوعية ودون وجه حق.وقال الرئيس التونسي إن صلاحياته كقائد أعلى للقوات المسلحة تشمل أيضا قوات الأمن الداخلي وليس الجيش فقط مخصصاً قسماً ثانيا من خطابه لهذا التفصيل الدستوري.
وأشار سعيد إلى أن الأغلبية الحاكمة في العام 2014 بقيادة حركة النهضة قد وضعت الدستور على المقاس لكنها أخطأت المقاس.
وتابع: رئيس الدولة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة العسكرية والمدنية. فليكن هذا الأمر واضحا بالنسبة إلى كل التونسيين في أي موقع كائن.. لا أميل إلى احتكار هذه القوات لكن وجب احترام الدستور.
وإن لم يصدر رد رسمي من حركة النهضة على خطاب الرئيس فإن حليفها رئيس الحكومة هشام المشيشي قال في تصريحات صحافية عقب نهاية موكب الاحتفال إن خطاب الرئيس حول التأويل الدستوري لمسألة قيادة القوات المسلحة خارج السياق ولا موجب للقراءات الفردانية والشاذة للنص الدستوري.
من جانبه يقول الخبير القانوني مازن كورشيد في حديث : القوانين في الأصل هي حلول مسبقة لمآزق قد يفرضها الواقع إلاّ أنه أمام غياب الدقّة والصرامة في صياغة النصوص القانونيّة والقطيعة الحاصلة بين السلط أصبحت هذه النصوص وعلى رأسها الدستور مأزقا في حدّ ذاته.
ويضيف كورشيد: إن الوضع السياسي المتعفّن وعدم استكمال الإطار المؤسّساتي يفسح المجال للسياسيين دون أدنى شكّ باستعمال أساليب أخرى في معاركهم السياسيّة كما فعل رئيس الجمهورية لمّا احتكر تأويل الدستور وأطلق موقفا في تقديرنا لا يمكن الحسم فيه بمجرّد قراءة بسيطة في عبارات الدستور ولا يقبل تدعيمه بقوانين لا تتلاءم مع أحكامه ولا تجيب عنه مداولات الدستور ولا توجد محكمة دستورية تبتّ في الموضوع بحكم أن هذه القراءة تؤدي إلى التنازع بين رأسي السلطة التنفيذية.
ويتابع: كلّ ذلك من شأنه أن يحيلنا إلى محاولات تأويلية واضحة من رئيس الجمهوريّة للنص الدستوري بغاية توسيع الصلاحيات وبالتالي هامش المناورة السياسية مرورا باحتكار التأويل واستغلال عدم تركيز المؤسسات المختصّة للتفرّد به ووصولا إلى التعليل الضعيف باعتماد نصوص قانونيّة أقلّ درجة وسابقة لوضع الدستور.
من جانب آخر، يرى عبيد الخليفي الباحث في الجماعات الإسلامية في جامعة سوسة التونسية في حديث إن الشكل القانوني الذي أخذه الصراع بين حركة النهضة والرئيس قيس سعيد ليس جوهريا في حد ذاته بل هو أحد وجوه المعركة السياسية التي بدأت شهوراً قليلةً بعد انتخابه.
وأضاف الخليفي تعليقاً على خطاب سعيد: وقع حصر خطابات قيس سعيد في التنازع على الصلاحيات من المحكمة الدستورية إلى إشكالية القوات الحاملة للسلاح واليقين عندي أن الرئيس يلاعب حركة النهضة بدستور كتبوه وتركوا فيه هامشا كبيرا للتمكين والتأويل فانعكست اللعبة عليهم بالوبال ولكن خطابات قيس سعيد كانت موجهة للمجلس الأعلى للقضاء من أجل تفعيل القانون ومحاسبة الفاسدين وموجهة للقوات الأمنية لتكون في خدمة الدولة وليس في خدمة الأحزاب، كما كان خطابه موجها للمجلس النيابي العاجز عن أداء دوره التشريعي، ذاك المجلس الذي يرفض رفع الحصانة عن النواب الفاسدين ويمنحهم الحماية المطلقة من المحاسبة والمعاقبة.
ويتابع الخليفي: حركة النهضة الطرف السياسي الخاسر الوحيد من هذه المعركة حين يركز على مفهوم عودة الاستبداد مرفوقا بخطاب المظلومية والتخويف من طموحات قيس سعيد التسلطية ولكن الحركة لا تركز على مفاصل خطاب قيس سعيد الأخرى وهي مفاصل تريد مراجعة الممارسة الديمقراطية المكذوبة فهي ديمقراطية لوبيات المال والإعلام والقضاء الفاسد والتحالفات المشبوهة.
وشدد قيس سعيد في خطابه على أن الدولة وحدها هي التي يجب أن تحتكر القوة المسلحة مشيراً إلى إلى الفصل 17 من الدستور التونسي الذي يقول: تحتكر الدولة إنشاء القوات المسلحة وقوات الأمن الداخلي ويكون ذلك بمقتضى القانون ولخدمة الصالح العام.
ويبدو أن الرئيس التونسي كان يريد التلميح إلى قضية الجهاز السري لحركة النهضة التي كشفت في العام 2018 ومازالت أمام القضاء دون حسم