لواء دكتور/ سمير فرج عادل شلبى ست سنوات قضيتها في حرب الاستنزاف، بعد هزيمة 1967، وأنا في موقعي الدفاعي على الخط الأول، في جبهة قناة السويس، يفصلني عن خط الدفاع الإسرائيلي – خط بارليف – 200 متر، هي عرض قناة السويس. كانت تلك الأيام قاسية، ومرارة الهزيمة تزيدها قسوة، والاشتباكات مع العدو الإسرائيلي لا تتوقف لحظة، ليلاً ونهاراً. ومع حلول أيام شهر رمضان المبارك، كان لابد وأن نتخذ إجراءات خاصة، في ظل دراية العدو الإسرائيلي بسلوكيات وعادات الشعب المصري في هذا الشهر الفضيل، فهو يعرف أن الجندي المصري وقت أذان المغرب يجب أن يصلي وبعدها يتناول الإفطار، وهو ما يمثل فرصة سانحة للجانب الإسرائيلي للتعامل معنا. قمنا بتقسيم جنود الموقع لثلاث مجموعات؛ إحداهم تؤدي فريضة صلاة المغرب، بينما المجموعتان الأخريين في وضع استعداد عالي، لأنها أكثر فترة نتعرض فيها لقذائف الجانب الإسرائيلي، ظناً منهم بانشغالنا بالصلاة والإفطار عن حماية مواقعنا، وبعد انتهاء المجموعة الأولى من أداء الصلاة، تتبادل الموقع مع المجموعة الثانية، لتمكنها من أداء صلاة المغرب، وبعد انتهاء المجموعة الثانية، تدخل المجموعة الثالثة لأداء الصلاة، وتبدأ المجموعة الأولى في تناول الإفطار، ويكون قد مر على أذان المغرب حوالي خمسة عشر دقيقة، وهي وقت الذروة للجانب الإسرائيلي. وبعد إفطار المجموعة الأولى، تتولى هي المناوبة في الدفاع، وتبدأ المجموعة الثانية والثالثة في تناول الإفطار. وطبقاً لتوقعاتنا كانت معظم اشتباكات الجانب الإسرائيلي معنا تتم لحظة أذان المغرب وكان رد الجنود دائماً “احنا مستعدين يا فندم”. أما في المساء فكان العدو الإسرائيلي يستغل الليالي القمرية في قصف الموقع الأول ببراميل النابالم حيث يسطع ضوء القمر، وتعكسه المياه في قناة السويس، وبعدها خط أسود هو الخندق الدفاعي، فيكون من السهل ضربه ببراميل النابالم. أما في نهار رمضان، فيظن العدو أننا نستغله في الراحة، بعد طول السهر في المساء، وهو ما كنا نتصدى له باليقظة التامة، خاصة مع أول ضوء، وأداء الجنود لصلاة الفجر، فكنا نتعمد أن نظهر الحركة الدؤوبة داخل الموقع، كرسالة واضحة للعدو الإسرائيلي بأن الجندي المصري يؤدي عمله على أكمل وجه، سواء صائماً في شهر رمضان أو في غير شهر الصيام. ووصلت الرسالة، وتأكدت معانيها يوم السادس من أكتوبر، العاشر من رمضان، عندما عبرنا قناة السويس وحطمنا خط بارليف، وحققنا أعظم انتصار للقوات المسلحة في العصر الحديث، لنعيد لشعب مصر كرامته وأرضه المحتلة في شهر رمضان المبارك.