تعيش ولاية غرب دارفور السودانية أوضاعا مأساوية بعد ارتفاع حصيلة ضحايا الأحداث الدموية التي اندلعت في منطقتين بالولاية إلى 105 قتيلا منهم 18 في منطقة السريف و78 في مدينة الجنينة إضافة إلى 191 جريحا بحسب لجنة أطباء الولاية.
ومنذ السبت، تدور معارك عنيفة في مدينة الجنينة استخدم فيها المئات من المسلحين القبليين أسلحة ثقيلة وخفيفة وقاموا بعمليات حرق ونهب واسعة طالت العديد من الأحياء السكنية والمحال التجارية. والحق القتال دمارا كبيرا في المنشآت الحيوية كالمراكز الصحية والخدمية مما زاد الوضع تعقيدا.
وضع مأساوي
واكد الصحفي عبد الرحمن محمد أحمد الذي تحدث من الجنينة أن المنطقة تعيش أوضاعا مأساوية بعد أربعة أيام من الأحداث الدامية. وأشار إلى أن أعداد كبيرة من السكان يعانون من نقص كبير في الغذاء والمأوى وخاصة للفارين من جراء المعارك الطاحنة بمدينة الجنينة.
وقال إن الأوضاع تتدهور بشكل مريع معتبرا أن ما يحدث حاليا هو الأسوأ في تاريخ الأحداث التي اندلعت في الصراع القبلي في دارفور. ووفقا لأحمد فقد تم حرق أعداد كبيرة من الأحياء السكنية ومعسكرات النازحين كما جرت عمليات نهب واسعة طالت ممتلكات المواطنين العزل.
وأبان أحمد أن الجانب الأسوأ في الأزمة يتمثل في النقص الحاد في الأدوية والمعينات الطبية الضرورية لإنقاذ حياة جرحى الأحداث، بجانب نقص في الكوادر الطبية العامة. ويشير أحمد أيضا إلى ضعف واضح في تامين الأحياء السكنية في ظل انتشار السلاح في أيدي المليشيات.وتحدثت تقارير عن اشتباكات بين قوات من الحركات المسلحة وأخرى تابعة لقوات الدعم السريع وسط ضبابية شديدة حول الجهة التي تسيطر على الموقف هناك، وفي ظل غياب معلومات كافية عن حقيقة الصراع.
ونفت قوات التحالف السوداني المتمركزة في غرب دارفور تقارير تحدثت عن اشتباكات مع قوات الدعم السريع على خلفية الأحداث التي جرت في الجنينة مؤكدة انها ليست طرفا في تلك الأحداث وأن تواجدها في المنطقة يأتي وفق اتفاق السلام الموقع في جوبا في أكتوبر الماضي ووفق الترتيبات الأمنية.
وقالت إن ما يجري من أحداث في ولاية غرب دارفور شيء مؤسف وهذه الأحداث ليست اقتتال قبلي كما يروج له البعض مشيرة إلى أن القبائل في ولاية غرب دارفور سواء من العرب أوالمساليت متعايشة منذ سنين وكل له أراضيه وحواكيره.
ورات أن أساس المشكلة يعود للعام 1995 عندما هاجمت قبائل من خارج حدود البلاد أراضي ومزارع المواطنين في غرب دارفور واستولوا على أراضيهم ومزارعهم بدعم وتحريض من النظام البائد.
مخاطر عديدية
ومن المتوقع أن يرتفع عدد القتلى بشكل أكبر في ظل الأوضاع الأمنية السيئة التي تعيشها المنطقة حيث تقول لجنة الأطباء إن فرق الإنقاذ والإمداد لا تستطيع الوصول إلى الضحايا والمخازن نسبة للصعوبات الأمنية حيث تتعرض سيارات الإمداد والاسعاف إلى حوادث إطلاق نار متكررة أثناء محاولتها الوصول إلى المصابين والمخازن.
وقد نفدت بالفعل الكثير من أصناف الأدوية والمستهلكات الأخرى. كما أن اعداد العاملين قليلة جداً وتعمل لساعات طويلة دون راحة مسنودة بفرق من متطوعي الهلال الأحمر السوداني في ظل عدم قدرة الكثير من العاملين على الوصول إلى المرافق الصحية، فضلاً عن انقطاع التيار الكهربائي والإمداد المائي عن المدينة بما في ذلك المستشفيات.
إدانات واسعة
استنكرت الامم المتحدة والاتحاد الأوروبي والعديد من دول العالم عمليات القتل الوحشية التي تجددت في الإقليم منذ السبت الماضي. ودعت الأمم المتحدة لوقف القتال في الجنينة والتحقيق مع المسؤولين عن العنف ومحاسبتهم.
كما ادانت منظمات وهيئات ومجموعات مسلحة سودانية الأحداث. وطالبت حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور لإعادة النظر في قرار مجلس الامن بخروج بعثة اليوناميد.
وحمل تجمع المهنيين السودانيين والحزب الشيوعي والعديد من القوى المدنية قوات الشرطةِ والقوات المسلحةِ وقوات الدعم السريع والمخابراتِ العامة مسؤولية ما يحدث دون أن تُحرك قواتها للقيام بواجبها كما حملت جهات النائب العام ووزير العدل والإداراتِ الأهلية مسؤوليةَ تجدد الأحداث بعد التوصل للصلح في يناير الماضي.وحمل تجمع المهنين. المليشيات والمجموعاتِ المسلحة مسؤوليةِ قتل المدنيين وإحداث أعمال التخريب والاعتداءات وطالب قوات الحركاتِ المسلحة للتنسيق مع القوات المسلحةِ والشرطة وضبط منسوبيها في جميع مناطق انتشارهم في ظل تكرار التجاوزاتٍ طيلة الفترة الماضية والنظر إليها على أنها تمثل خطراً كبيراً.
ومن جانبها قالت الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبدالعزيز الحلو إن السلطات المركزية والمحلية تمارس صمت وصفته بـ المُريب. ورات انها تتقاعس عن الالتزام بواجباتها وحماية المواطنين بغرب دارفور.
واتهم السكرتير العام للحركة عمار أموم في بيان تورُّط السلطات المركزية في الخرطوم وتواطؤها مع مرتكبي أحداث العنف القبلي بمدينة الجنينة وطالبها بحسم التفلُّتات الأمنية وبسط سيطرتها على المليشيات التي قال أنها ترعاها وتقوم بحمايتها.
تساؤلات مهمة
وتأتي هذه الاحداث ضمن سلسلة متواصلة من الأحداث الدموية في الإقليم خلال الأشهر الثلاثة الماضية مما أثار تساؤلات كبيرة حول اتفاق السلام الموقع في أكتوبر الماضي بين الحكومة السودانية والجبهة الثورية التي تضم عدد من الحركات الدارفورية وذلك في اعقاب حرب طاحنة استمرت 17 عاما.
وظل إقليم دارفور يشهد منذ العام 2003 واحدة من أعنف الحروب الأهلية في العالم والتي راح ضحيتها أكثر من 300 ألف قتيل وأجبر بسببها نحو 4 ملايين شخص على النزوح إلى معسكرات جماعية بحثا عن الأمان.
وعلى الرغم من توقيع اتفاق السلام في اكتوبر إلا انه لا تزال هنالك العديد من بؤر التوتر في المناطق المحيطة بجبل مرة ومعسكرات النازحين.
وتتزايد المخاوف من أن تؤدي الهشاشة الأمنية المتزايدة واستمرار الصراعات القبلية إلى إعادة الأوضاع في إقليم دارفور إلى ما كانت عليه خلال السنوات الماضية. وفي الواقع سقط أكثر من ألف قتيل وجريح في عدد من مناطق دارفور في أحداث دامية جرت عقب توقيع اتفاق السلام مما يشير إلى هشاشة الأوضاع وخطورة وجود عدد كبير من الحركات الرئيسية مثل حركة عبد الواحد محمد نور والمتشظية الأخرى التي يقدر عددها بأكثر من 80 حركة خارج الاتفاق.يعتبر العديد من المراقبين أن ضعف الترتيبات الأمنية واحدا من أهم عوامل زعزعة الأوضاع في دارفور. وفي هذا السياق يؤكد الخبير الاستراتيجي إسماعيل مجذوب أن توالي الأحداث الدامية في دارفور يعطي انطباعا بضعف الترتيبات الأمنية وآليات تنفيذها.
ويقول مجذوب.. إن هذه الصراعات تؤكد ضرورة الإسراع في تنزيل مقررات اتفاق السلام على الارض ومخاطبة القضايا الأساسية والجوهرية بما في ذلك الحواكير وغيرها.
ويرى مجذوب أن هنالك بعض الثغرات في اتفاقية الترتيبات الأمنية، متوقعا أن تؤدي الاحتكاكات الحالية وحالة الغبن في أوساط أهالي الضحايا تجاه بعض القوات الأمنية إلى جعل الوضع في دارفور قابلا للانفجار في أي وقت.
ويشدد مجذوب على ضرورة ان تلتزم الأجهزة الأمنية بمهنية صارمة وان تلعب دور اكبر في الحفاظ على الأمن في جميع مناطق دارفور.
ونص اتفاق السلام على تشكيل قوة مشتركة قوامها 12 ألف فردا من القوات النظامية والحركات المسلحة لحفظ الأمن في دارفور لكن لم تتخذ خطوات إيجابية في هذا الاتجاه حتى الآن.