لا تكف القطارات المجنونة عن تحطيم قلوبنا بين حين وآخر بخطف مزيد من الضحايا الأبرياء من مواطنين بؤساء هربوا من جحيم المواصلات الخاصة إلى قطارات الحكومة ولكن يبدو أنهم كالمستجير من الرمضاء بالنار.. ففي يوم الجمعة الماضي وبينما كان أهالي منطقة الصوامعة الواقعة بين مركزي المراغة وطهطا، بمحافظة سوهاج يستعدون لأداء صلاة الجمعة إذا بهم يسمعون صوت ارتطام رهيبا أخرجهم من بيوتهم مهرولين ليصدم أعينهم مشهد ارتطام أحد القطارات السريعة بقطار شبه متوقف وسقوط العشرات من الضحايا بين قتيل ومصاب، فهرع الأهالي إلى موقع الحادث لمساعدة المصابين وإخراج العالقين وتقديم المساعدة والتبرع بالدم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.. على المستوى الرسمي توعدت الجهات الرسمية المتسببين في الحادث بأشد العقوبات وقررت الحكومة صرف تعويضات لأهالى الضحايا تخفيفا عنهم وفتحت هيئة النيابة الإدارية تحقيقا عاجلا في الواقعة وملابسات الحادث لبيان أسبابه والوقوف على المتسبب فيه.. أما على المستوى الشعبي فقد راح المواطنون يتساءلون: متى تنتهي هذه المآسي التي تتسبب في اختطاف الأبرياء كل عدة أشهر؟ وأين منظومة تطوير السكك الحديدية التي تعلن عنها الحكومة مع كل حادث ثم تتبخر مع أنفاس المسئولين الذين أطلقوها؟ وماذا فعلت الحكومة مع مافيا الباعة الجائلين ومواقد الغاز وبوفيهات الشاي والقهوة والسجائر وكل أنواع السلع (من الإبرة للصاروخ) التي تباع في القطارات وانتشار الصراصير والحشرات والقمامة بسبب عدم النظافة؟ وكيف تعاملت مع جائحة كورونا في ظل الزحام الشديد الذي تشهده القطارات خاصة في نهاية الأسبوع والمواسم والاجازات التي يعود فيها أبناء الصعيد إلى محافظاتهم لقضائها بين أهلهم وأحبابهم؟ أعلم أن هذه الأمور ليس لها دخل بالحادث المروع، ولكنها منظومة متكاملة يجب تطويرها دفعة واحدة ويجب على الحكومة فتح ملف السكك الحديدية بجرأة وجدية حتى نقضي على كل السلبيات التي يشهدها هذا القطاع الحيوي الذي يخدم الملايين من أبناء مصر خاصة الفقراء من أبناء الجنوب وسائر المحافظات.. وهذا التطوير يجب ألا يقتصر على شراء عربات جديدة ولكن يشمل كل الجوانب السابق ذكرها إضافة إلى تطوير المزلقانات وإدخال التكنولوجيا إليها كما في كل دول العالم، وأعتقد أن أكاديمية البحث العلمي لديها الكثير من الابتكارات في هذا المجال لا تزال حبيسة الأدراج، كما يجب تطوير العنصر البشري من سائقين وعمال تحويلات ومزلقانات ومحصلين وغيرهم والكشف الدوري عن تعاطيهم أي مواد مخدرة وإعمال الرقابة الوظيفية عليهم من قِبل المشرفين والمفتشين، ورفع كفاءتهم مهنيا ونفسيا وتوجيههم إلى حسن التعامل مع الجمهور وتطبيق القانون وفي الوقت نفسه تفعيل روح القانون حتى لا يتكرر حادث إلقاء أحد الركاب بنفسه من قطار الاسكندرية عام 2019 لعدم تمكنه من دفع قيمة الغرامة التى طلبها منه كمسري القطار. وإذ ننتظر نتائج التحقيقات في الحادث ونتمنى أن ينال المتسبب الحقيقى – إهمالا أو فسادا أو تخريبا – جزاءه الرادع، فإننا نشيد بجهود أبناء قرى مركز طهطا بمحافظة سوهاج الذين أكدوا المعدن الأصيل للشعب المصري الذي يظهر وقت الشدائد والأزمات، داعين الله أن يرحم الضحايا وأن يمنَّ على المصابين بالشفاء العاجل.