تصاعدت العمليات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي والتي أودت بحياة عشرات في دولتي مالي والنيجر وهو ما يطرح تساؤلا مهما حول كيفية مواجهتها؟
فقد أعلنت هيئة أركان الجيش في مالي الأربعاء مقتل 33 من جنودها وإصابة 14 آخرين بهجوم شنه مسلحون على موقع للجيش بضواحي مدينة تيسي على حدود مالي مع النيجر وبوركينا فاسو.
وقال بيان للجيش: إن خسائر الإرهابيين بلغت 20 قتيلا تم العثور على جثثهم في ساحة المعركة.
وقبلها بيوم واحد أعلن الجيش المالي أن 14 جنديا أُصيبوا، 8 منهم في حالة خطرة في الهجوم الذي وقع بمنطقة غاو بشمال البلاد مشيرا إلى مقتل 7 من المهاجمين في تبادل لإطلاق النار فيما بعد.
وفي النيجر شهدت البلاد الاثنين الماضي عملية إرهابية أسفرت عن مقتل 58 مدنيا غربي البلاد قرب الحدود مع مالي.
وقالت الحكومة في بيان أذاعه التلفزيون الرسمي إن مجموعات مسلحة مجهولة الهوية اعترضت 4 سيارات تقل ركابا في طريق عودتها من سوق بانيبانغو الأسبوعي إلى قريتي شينيدوغار وداري داي.
ويشهد إقليم تيلابيري الواقع في المثلث الحدودي بين النيجر وبوركينافاسو ومالي، منذ سنوات هجمات دامية تشنها جماعات جهادية مرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش. أستاذ العلوم السياسية في جامعة أم درمان الإسلامية بالسودان الدكتور عبده مختار موسى إن استراتيجيات مكافحة الإرهاب في الدولة الأفريقية وليدة ظروف موضوعية وحتمية أملتها المتغيرات الداخلية والخارجية.
وتابع موسى أن هذه الاستراتيجيات هي وليدة فلسفة ورؤى محلية لا يمكن دراستها بمعزل عن طبيعة النظام السياسي وجزئيا الإرث الاستعماري.
ويرى موسى أنه لا توجد في الواقع استراتيجيات موحدة أو مشتركة في القارة الأفريقية لمكافحة الإرهاب وهي ضرورة يفرضها التوجّه العالمي نحو توحيد الجهود لمكافحة هذه الظاهرة التي صارت تهدد الأمن والاستقرار في مختلف مناطق العالم.
وكانت دول الساحل الأفريقي الخمس وهي: موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو وتشاد والنيجر أنشأت قوة عسكرية مشتركة خلال القمة التي عقدت في العاصمة المالية باماكو في يوليو 2017، بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تقدر بـ5000 عنصر.
واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش في تقرير قدمه إلى مجلس الأمن في نوفمبر الماضي أن تلك القوة المشتركة قد حققت تقدما على مستوى مواجهة حالة انعدام الأمن، التي لا تزال تعاني منها منطقة الساحل الأفريقي.
وتتواجد في منطقة الساحل الأفريقي أيضا مجموعة من البعثات العسكرية التي تتقاسم الهدف نفسه مع القوة المشتركة المذكورة، وهي: بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي المعروفة باسم مينوسما وقوة برخان الفرنسية وبعثة الاتحاد الأوروبي، والقوات الخاصة. تاكوبا. التي تقرر تشكيلها في مارس 2020، على يد فرنسا ومجموعة من حلفائها الأوروبيين والأفارقة.
الباحث المالي إبراهيما جاغوراغا يرى أن سبل مواجهة الإرهاب عن طريق المواجهة العسكرية لم تأت أكلها حتى الآن.
وتابع أنه رغم وجود قوات فرنسية وأممية وتكوين قوة من دول الساحل إلا أن المنطقة ما زالت تشهد عمليات إرهابية بشكل مستمر، مطالبا بضرورة البحث عن طرق أخرى لمواجهة الإرهاب.
الباحث الانثروبولوجي المصري خليل منون أكد أن الجماعات المتطرفة تعمل على استقطاب السكان المحليين من أجل زيادة عدد مسلحيها عبر استغلال حاجتهم، خاصة أن معظم سكان المناطق التي ينتشر فيها التنظيم فقراء.
وأوضح منون أن هذه التنظيمات الإرهابية تلعب على وتر آخر وهو تمكين القادة المحليين من التحكم في الثروات الطبيعية الواقعة في مناطقهم عبر إقامة شراكات معهم.
وأضاف منون أن التنظيمات المتطرفة في أفريقيا تعمل على إيجاد نوع من التمويل الذاتي عبر نهب ثروات الأماكن التي يسيطرون عليها سواء بترول أو ذهب أو منتجات أخرى في السوق السوداء عبر شركات مع وسطاء بعينهم ما يمكن هذه الجماعات من إيجاد مصدر دخل مستمر للاستمرار في تنفيذ عملياتها.
الأكاديمي والمحلل السياسي السوداني الدكتور محمد تورشين يقول إن الفقر يعتبر أحد بواعث الانضمام للجماعات الإرهابية المختلفة حيث تستغل انتهازية هذه الجماعات حاجات السكان وتجعلها خزانا بشريا لها ووجود تنمية حقيقية سيساهم في مواجهة هذه الظاهرة بشكل جدي.
وأضاف تورشين أن الشباب في مقتبل العمر يكون لديهم حاجات اقتصادية للزواج أو لشراء منزل ومن هنا تستغل الجماعات المتطرفة حاجات هؤلاء ولدى هذه الجماعات أموال كثيرة فبالتالي يدخل الشباب إلى مرحلة غسيل المخ لتحويله إلى متطرف.
وطالب بضرورة نشر التعليم في أوساط هذه المجتمعات مما يساعد في مكافحة الأفكار المتطرفة مشيرا إلى دول جنوب القارة لأفريقية لا تعاني من ظاهرة الإرهاب كما في شرق وغرب ووسط القارة لأنها تنعم باستقرار نسبي ومستوى تنموي مقبول د وبالتالي لا تجد الجماعات المتطرفة بيئة خصبة لنشر أفكارها.