ما تزال رائحة طبيخ الجيران في نجع حمادي القديمة عالقة بأنفي منذ الصغر .تلك الرائحة الممزوجة برائحة الذكريات والمواقف الجميلة في زمن نجع حمادي الجميل. كان للطبيخ في بيوت نجع حمادي طقوس وعادات متشابهة وثابتة ..أولها التحضير لشراء الخضروات من السوق بعد الاتفاق بين بعض النساء علي ما سيتم طبخه. وهي عادة كانت ملازمة لكثير من الجيران خاصة في البيت الواحد.. فالذهاب إلي السوق صباحا لشراء مستلزمات الأكل والطبخ بشنطة الخضار البلاستيكية كانت عادة تقوم بها النساء سويا لدرجة ارتباط بعض النساء بها في الخروج والتجهيز للطعام يوميا،،. كما كان التحضير لإعداد الطعام خاصة في بعض المنازل يتم بشكل جماعي فكنت تري من يخرط الملوخية أو يقشر البطاطس والبعض الآخر يقشر البصل والثوم .اما إعداد المحشي فكان حتما ولابد من مجموعة من النساء خاصة المشهورين ببراعتهن في لف وحشو الأوراق فضلا عن إعداد الخلطة السرية لها .
كانت بعض البيوت تشتهر نساؤهابجودة الطبيخ ورائحته الذكية حتي أن البعض كان يستطيع أن يجزم بأن رائحة الملوخية التي يشمها هي من بيت أم فلان أو رائحة الأرز المفلفل من بيت فلانة..وهو ماكان يجعل البعض يطلب المساعدة في عمل بعض الأصناف وخاصة في المناسبات والأعياد والعزومات.
كما كانت بعض المتزوجات حديثا تجلس مع المشهورات من النساء في طبخ بعض الأصناف لتسألها وتستفيد من خبراتها وذلك أمام باب الشقة قبل اختراع الموبايل وظهور برامج الأكل علي الفضائيات .ولذلك كان حديث الصباح المعتاد بين النساء عن نوع الأكل الذي سيطبخ اليوم أو مايفضله الزوج(سي فلان .أو الافندي).
ولا أنسي التوقيتات التي كنا نشم فيها رائحة بعض الأطعمة وهي غالبا بعد صلاة العصر مع عودة الأزواج من أعمالهم .وكثيرا ماكانت الرائحة الملتهبة للأنوف والمحركة البطون تجعل بعض الأزواج يصر علي نوع الطعام الذي شم رائحته ليكون علي المائدة غدا.
كانت أهم العادات المرتبطة بالطبخ بين الأهل في نجع حمادي هي المباهاة بجودة الأكل لذلك كان لابد من إرسال طبق من نوع الطبيخ أو الحلوي للجيران .فيتم تبادله في اليوم الثاني وإرساله ممتلأ ببعض الأصناف .وكانت هذه العادة تكثر في شهر رمضان الكريم فكنت تري عدة أصناف تمتلئ بها المائدة من بيوت الجيران كما كانت أنواع الحلوي وخاصة الكنافة من دواعي الفخر والمباهاة بين الجيران في رمضان ..
كان العمل الجماعي لصنع بعض الأكلات ضرورة فرضتها الظروف .فدائما ماكان عمل المحشي يتم في جماعة كذلك الكعك والفطائر وهو ماكان يخلق نوعا من الألفة بين الجيران ويعمل علي زيادة الترابط بينهم.
أما الأن في زمن التيك واي فلم نعد نشم أي روائح ذكية أو نري اجتماع الجيران للطبخ سويا بعد أن تحول الجميع بفعل ظروف الحياة إلي تروس في عجلة الحياة السريعة فأصبح الطبيخ ماااااااسخا. كتب استاذنا الكبير ومعلمنا الكاتب الكبير الاستاذ كمال مرتضي