متابعة عادل شلبى لأول مرة، يبدأ الصراع، في الولايات المتحدة الأمريكية، على الانتخابات الرئاسية، التي يحل موعدها بعد 4 سنوات، قبل حتى أن يتولى الرئيس المنتخب مهام منصبه. فقد جرت العادة، ألا يبدأ ذلك الصراع، إلا في اليوم التالي لحفل تنصيب الرئيس الجديد، يوم 20 يناير، لفترة رئاسته الأولى، ففور أن تطأ قدماه المكتب البيضاوي، في البيت الأبيض، تبدأ بعض من ملامح الصراع في الظهور، على استحياء، متمثلة في تركيز الرئيس الجديد جميع استراتيجياته وقراراته فيما يحقق له شعبية، تضمن استمراره في السلطة، وإعادة انتخابه لفترة رئاسة ثانية، وأخيرة، وفقاً للدستور الأمريكي، إذ يعتبر معظم الرؤساء الأمريكيين عدم فوزهم بفترة رئاسة تالية، حال سعيهم إليها، وصمة عار في تاريخهم السياسي. أما هذه المرة، وبعد أحداث الأربعاء الدامي يوم 6 يناير 2021، عندما تصدعت الديمقراطية في أمريكا، باقتحام أنصار ترامب لمبنى الكونجرس، أو الكابيتول، بدأت الاستعدادات للسباق الرئاسي القادم، في 2024، كاشفة عن الكثير من عناصره وأفراده، وليس ملامحه فحسب، كما اعتدنا في مثل ذلك التوقيت. ونبدأ بالحزب الديمقراطي، الذي سيرشح، بالطبع، جو بايدن، الرئيس المنتخب، الذي لم يتسلم السلطة بعد، وذلك استكمالاً للمعركة التي كان الحزب الديمقراطي قد بدأها، مبكراً، منذ دخول ترامب للبيت الأبيض، بالسعي نحو القضاء عليه سياسياً، من خلال المحاولة الأولى لعزله والتي فشلت، ثم المحاولة الثانية، التي تجري، حالياً، في الكونجرس الأمريكي، بقيادة نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب، المنتمية للحزب الديمقراطي، التي تطالب مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي، بتفعيل التعديل 25 من الدستور الأمريكي، القاضي بإمكانية عزل الرئيس الأمريكي قبل انتهاء فترة رئاسته، وقيام نائبه بأعماله، فوراً، وذلك إذا تقدم نائب الرئيس، وغالبية أفراد إدارته، بمذكرة إلى رئيسي مجلس الشيوخ والنواب، تفيد بعجز الرئيس عن القيام بمهام منصبه. وبالفعل أقر مجلس النواب قراراً، بأغلبية 232 صوت مقابل 205، يطالب مايك بنس، رسمياً بالتحرك، ولما رفض بنس، استخدام ذلك الحق الدستوري، خاصة وأن الرئيس ترامب لم يتبق له إلا أيام قليلة في السلطة، ووعد بتسليم سلس لها، قرر مجلس النواب التصويت على المضي قدماً في إجراءات محاكمة الرئيس دونالد ترامب، بتهمة التحريض على العنف، بعد أحداث الفوضى في واشنطن، واقتحام أنصاره لمبنى الكونجرس، ليصبح ترامب، بذلك، أول رئيس، في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، يشرع الكونجرس في عزله مرتين. كل تلك التحركات تأتي في إطار سعي الحزب الديمقراطي نحو تحقيق هدفه الرئيسي، بمنع ترامب من الترشح للرئاسة، في عام 2024، خوفاً من شعبيته في مواجهة الرئيس المنتخب الحالي جو بايدن، لا سيما بعدما حصد ترامب ما يقترب من نصف أصوات الناخبين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وعلى جانب الحزب الجمهوري، تشهد أروقته اختلافات كبيرة؛ فالكثيرين من أعضاء الحزب يسعون للإطاحة بالرئيس ترامب، ومنعه قانوناً من خوض الانتخابات الرئاسية القادمة، وعلى رأسهم أصدقاء الأمس، مايك بنس، النائب الحالي للرئيس، ومايك بومبيو، وزير خارجيته، اللذان يطمع كلاهما في دخول سباق الرئاسة القادم، 2024، لذا يأمل كل منهما بتحييد شعبية ترامب في الشارع الأمريكي، بعد الاختلافات بينهم في تنفيذ سياسات الحزب. يضاف إل ذلك ما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز من أن ميتش ماكونيل، زعيم الأغلبية الجمهورية، بمجلس الشيوخ، سعيد بحملة الديمقراطيين لمساءلة ترامب، ملمحاً لتطلع الحزب الجمهوري للتخلي عن ترامب، بسبب سياساته التي تتعارض في بعضها مع سياسات الحزب، وضلوعه في التحريض على الهجوم على الكونجرس، إلا أن الجريدة أضافت أن ماكونيل لم يحسم موقفه، بعد، حول التصويت، في مجلس الشيوخ، لعزل ترامب. ودخلت في هذا السباق، من الحزب الجمهوري، ليز تشيني، ابنة الجنرال السابق، ريتشارد “ديك” تشيني، نائب رئيس الولايات المتحدة الأسبق، في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، التي تحتل، حالياً، المركز الرابع ضمن كوادر الحزب الجمهوري، والتي صوتت لعزل ترامب، في مجلس النواب، وبدأت هجومها الضاري عليه في وسائل الإعلام، ضمن خطتها لخوض معركة الرئاسة القادمة، في 2024، وما قد تطلبه من التيقن من إزاحة ترامب عن طريق تلك المعركة الرئاسية. وهنا يبرز السؤال، هل من مصلحة الحزب الجمهوري إقصاء ترامب، في ظل تصميمه على خوض الانتخابات الرئاسية التالية، بما له من شعبية أكدتها الانتخابات الأخيرة؟ وهو ما تجيب عليه بعض الأصوات، داخل الحزب الجمهوري، التي ترى احتمالات نجاته من معارك عزله، ومقاضاته، أمام الجهات الأمريكية المختلفة، وأن الإصرار على عدم ترشيحه عن الحزب، فذلك يعني خوضه سباق الرئاسة، القادمة، كمستقل، وهو ما سيؤدي، حتماً، تفكك داخل الحزب الجمهوري، وتوزيع أصواته، بما لا يحقق مصالح الحزب، خاصة أن ترامب حصل على 75 مليون صوت، في المعركة الانتخابية الماضية، وهو ما يؤكد أن قاعدته الشعبية، لا يصح الاستهانة بها. وهو ما تأكده بعض الآراء التي ترى أن الفترة القادمة ستشهد ظهور “الترامبيزية”، في الحياة السياسية الأمريكية، عن طريق تركيز ترامب كل قوته السياسية، في الشارع الأمريكي، وثروته، وعلاقاته، للعودة، مجدداً، للبيت الأبيض. وبعد كل ما سبق، فمن المتوقع تغير الخريطة السياسية الانتخابية، القادمة، للولايات المتحدة الأمريكية، وفقاً لتطورات الأحداث، في ظل سعي الديمقراطيون لإزاحة ترامب عن الساحة بكل الوسائل والطرق، وفي ظل انقسام الجمهوريون ما بين دعمه، أو طرده من عباءة الحزب الجمهوري. عموماً ستكشف الأيام القادمة عن الكثير من ملامح تلك الخريطة السياسية الجديدة، في ظل تلاحق الأحداث، وتوالي الضربات على ترامب، وقدرته على الصمود أمامها، والتصدي لها، بما يؤهله للتفرغ للمعركة الكبيرة بعد 4 سنوات.