اللواء رضا يعقوب المحلل الاستراتيجي والخير الأمني ومكافحة الإرهاب تصدرت نانسى بيلوسى عناوين الأخبار من جديد بعد فوزها بولاية رابعة كرئيسة لمجلس النواب الأمريكى فيما يمثل فصلاً جديداً فى مسيرتها السياسية مع الديمقراطيين وربما التحدى الأكبر بالنسبة لها حتى الآن. ومع إستعداد كامالا هاريس لتسلم مهام منصبها لتكون أول نائبة للرئيس فى تاريخ البلاد لن يصبح بوسع بيلوسى الإحتفاظ بعباءة المرأة الأقوى فى السياسة الأمريكية. غير أن السيدة البالغة من العمر 80 عاماً ستلعب دوراً حاسماً فى تنفيذ أجندة الرئيس الجديد، الأمر الذى يعنى أنه لا وقت للتفكير فى خيبة أملها الشخصية بشأن نتائج إنتخابات نوفمبر/ تشرين الثانى. إذ تتحمل بيلوسى مسئولية تقلص أغلبية الديمقراطيين داخل مجلس النواب. كما أن إعادة إنتخابها رئيسة للمجلس جاءت بأغلبية ضئيلة فقط عقب إنشقاق عدد من زملائها الديمقراطيين. لذا، يتعين أن تبرز بيلوسى خلال ولايتها الجديدة جميع صفاتها التى تمكنها من حشد أنصارها وإبعاد منتقديها على السواء. وفى هذا تبرز فطنتها التشريعية وقدرتها على الحفاظ على وحدة الحزب حين يقتضى الأمر، وحنكتها على المسرح السياسى. صور الجمهوريون بيلوسى على أنها ليبرالية من سان فرانسيسكو مفتونة بالحكومة الكبيرة تقف فى أقصى اليسار فيما يخص القضايا الإجتماعية. لكن جذورها تنحدر من نهج سياسى أكثر عملية على الجانب الآخر من القارة. فقد ترعرعت في كنف عائلة سياسية وكانت الإبنة الأصغر ضمن سبعة أبناء فى مدينة بالتيمور الساحلية بولاية ميريلاند حيث كان والدها عمدة. وذهبت الى الجامعة فى واشنطن القريبة وهناك التقت الخبير المالى بول بيلوسى وتزوجا. وإنتقلا فى البداية الى مانهاتن ثم سان فرانسيسكو حيث كانت بيلوسى ربة منزل. وفى غضون ست سنوات كان لها خمسة أطفال (أربع بنات وولد). وانخرطت فى السياسة عام 1976 إذ ساعدت حاكم كاليفورنيا، جيرى براون فى الفوز بالانتخابات التمهيدية خلال ترشحه لمنصب الرئيس معتمدةً على صلاتها العائلية القديمة. ثم تدرجت فى صفوف الحزب الديمقراطى بالولاية قبل أن تصبح رئيسة له، وتفوز بمقعد فى الكونغرس عام 1988. ومن ثم شقت طريقها داخل مجلس النواب. وبحكم تمثيلها لمدينة تضم مجتمعاً كبيراً من المثليين، أعطت أولوية لتمويل أبحاث مرض الإيدز. وفى عام 2001، ترشحت لمنصب مُراقب نظام حزب الأقلية فى مجلس النواب والذى يعد ويسجل أصوات نواب الحزب ويأتى فى المركز الثانى فى قيادته داخل المجلس وفازت بأغلبية ضئيلة. وفى العام التالى صارت زعيمة الأقلية المعارضة داخل مجلس النواب. كانت بيلوسى واحدة من أبرز الأصوات المعارضة للغزو الأمريكى للعراق عام 2003. وقد تعزز هذا الموقف وحصد ثماره عام 2006 بفوز الديمقراطيين بالسيطرة على مجلس النواب للمرة الأولى منذ 12 عاما. وحينها إنتخبت بيلوسى من جانب حزبها رئيسة لمجلس النواب لتصبح أول سيدة تتولى هذا المنصب فى تاريخ الولايات المتحدة. وبعد أربع سنوات فقد الديمقراطيون سيطرتهم على المجلس. غير أن بيلوسي رغم الإنتكاسة تغلبت على تحديات عدة، لتمسك بزمام الأمور من جديد مع صعود حزبها عام 2018. يعد منصب رئيس مجلس النواب واحداً من مناصب الكونغرس المنصوص عليها فى الدستور الأمريكى. ويحتل شاغله المركز الثانى فى سلم الرئاسة بعد نائب الرئيس. ويعكس المكتب الضخم لرئيس مجلس النواب فى مبنى الكابيتول هيبة المنصب، بشرفته الخاصة المطلة على نصب واشنطن التذكارى. ويتمتع حزب الأغلبية في مجلس النواب فعلياً بسيطرة غير مقيدة على العملية التشريعية. إذ يحدد رئيس المجلس ونوابه ورؤساء اللجان مشروعات القوانين التى تتم دراستها والتصويت عليها. كما يقررون جدول الأعمال والقواعد الحاكمة للنقاش. وفى حال إستطاع رئيس مجلس النواب الإحتفاظ بأغلبيته بصورة متواصلة، يمكن للعملية التشريعية داخل المجلس أن تسير بسلاسة. فما بين عامى 2009 و2001 أصدر مجلس النواب برئاسة بيلوسى حزمة إنقاذ بقيمة 840 مليار دولار فى أعقاب الإنهيار الإقتصادى عام 2008. كما عملت بقوة من أجل تمرير قانون الرعاية ميسورة التكلفة -الذى صار المعركة الحاسمة لرئاسة باراك أوباما- داخل مجلس النواب وصولاً الى مكتب الرئيس. واجهت بيلوسى ظروفاً مختلفة للغاية بعودتها لمقعد رئيس مجلس النواب عام 2018. إذ كانت حينها موضع غضب الجمهوريين الذين بدورهم رأوا فيها تمثيلاً للنخبة القادمة من الساحل تدفع بإتجاه سياسات إنفاق كبيرة وراديكالية. وخلال حملة انتخابات التجديد النصفى للكونغرس عام 2018، أشار رئيس مجلس النواب -الجمهورى حينها – ديفيد برات الى نانسى بيلوسى وأجندتها الليبرالية 21 مرة خلال مناظرة واحدة. وقد أسفر ذلك عن نتائج سلبية بالنسبة له ولحزبه إذ حقق الديمقراطيون فوزاً تاريخياً فى مجلس النواب. غير أنه فى ذلك الوقت كانت أمامها عقبتان تتمثلان فى الرئيس دونالد ترامب وزعيم الأغلبية فى مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل. وبالتالى فإن أى مشروعات قوانين نجح حزبها فى تمريرها داخل مجلس النواب لم تتقدم أكثر من ذلك. وفيما يخص لحظاتها الأكثر إنتشاراً على الإنترنت فقد تجسدت فى وسم تصفيق بيلوسى (PelosiClap) عن موقفها الساخر خلال خطاب حالة الإتحاد الذى القاه ترامب بعد شهر من توليها المنصب. وما زال المشهد يحظى بشعبية على وسائل التواصل الإجتماعى. وفى مشهد أكثر إثارة للجدل بعد 12 شهراً، مزقت بيلوسى كلمة ترامب أمام كاميرات التلفزيون. وفى وقت لاحق دافعت عن تصرفها -بعد إتهامها بالإزدراء- واصفة كلماته بأنه بيان مليء بالأخطاء. بعد إنتهاء ترامب من كلمته أمسكت بيلوسى نسخة من أوراق الخطاب ومزقتها أمام الكاميرات. لكن بعد تكشف المزيد عام 2019 بشأن تعاملات ترامب مع أوكرانيا قالت إن الأمر يتضمن إساءة إستخدام للسلطة لايمكن تجاهله. وقد إتهم ترامب بالضغط على أوكرانيا من أجل الحصول على معلومات تضر بمنافسه الديمقراطى جو بايدن وإستخدام المساعدات العسكرية كأداة للضغط، غير أنه تمت تبرئته داخل مجلس الشيوخ الذى يسيطر عليه الجمهوريون. وقد كان بعض من أعضاء حزبها ممن طالبوا صراحة بإبعادها عام 2018 منبهرين بأدائها فى مواجهة ترامب. فإضافة الى بعض التبادلات الكلامية المحمومة داخل المكتب البيضاوى، أحرزت بيلوسى بعض المكاسب التشريعية الكبرى على حسابه فى ملفات تخص تمويل بناء الجدار الحدودى مع المكسيك والإغلاق الحكومى. كانت هناك توقعات كبيرة بزيادة الديمقراطيين لأغلبيتهم داخل مجلس النواب فى إنتخابات 2020، لكن الأمر إنتهى بخسارتهم لمقاعد أعضاء فى الكونغرس إذ تجاوزت خسائر الحزب 12 معقدا. ومن شأن هذه الإنتكاسة أن تجعل الأمور أكثر صعوبة بالنسبة لبيلوسى، فى وقت تخوض فيه معركة مستمرة للإحتفاظ برضا الجناح اليسارى داخل حزبها. ويقول مراسل بى بى سى لشئون أمريكا الشمالية أنتونى زورتشر إن ولاية بيلوسى الجديدة يمكن أن تكون بمثابة التحدى السياسى الأكبر بالنسبة لها. ويضيف يجب عليها أن تُوجد طريقة لإقناع أغلبيتها الضئيلة بمواصلة العمل، وسط آمال فى أن ينتزع الديمقراطيون أغلبية مجلس الشيوخ ( بعد حسم إنتخابات الإعادة بولاية جورجيا) أو إقناع حفنة من الجمهوريين المعتدلين بالدخول فى تحالف داخل الكونغرس. ويمضى قائلاً لا مثيل لقدرات بيلوسى على المناورة فى الإجراءات البرلمانية وحماية حزبها من الإنقسامات، سواءً من اليسار أو الوسط. ويتعين عليها أن تواصل ذلك مع هامش ضئيل للخطأ إذا أرادت مساعدة جو بايدن فى تحقيق بداية ناجحة لإدارته.