عودة وزير الدفاع الجزائري الأسبق خالد نزار (83 سنة) إلى الجزائر موجة من الجدل لم تهدأ منذ أن وطأت قدماه مطار الجزائر يوم الأثنين الماضي قادما من إسبانيا التي لجأ إليها قبل أن تصدر المحكمة العسكرية الجزائرية في حقه حكماً غيابياً بالسجن لمدة 20 عاما.
وتخيم على المشهد السياسي الجزائري هذه الأيام سحابة من الأسئلة في ظل شح المعلومات القضائية التي تفسر عودة واحد من أشهر جنرالات البلاد والذي صدرت ضده مذكرة توقيف دولية شهر أغسطس 2019 بتهمة التآمر والإخلال بالنظام العام.
وجاءت عودة نزار بعد أسابيع من نقض المحكمة العليا للأحكام التي صدرت ضد اثنين من رؤساء المخابرات السابقين اللواء المتقاعد بشير طرطق والفريق المتقاعد محمد مدين وكذلك سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق المتابعين في نفس القضية.
ويؤكد المحامي الجزائري نجيب بيطام أن التفسير القانوني لعودة نزار يأخذ شكلين لا ثالث لهما.
وقال الحكم الصادر بحقه كان غيابيا مما يعني أن من حق نزار تسجيل معارضة وفي حال ما كان الحكم غير مقترن بإجراء إلقاء القبض يحق له الطعن في القرار الغيابي ويتم إعادة محاكمته حضوريا
أما عن الشكل الثاني وهو الأقرب في حالة نزار والذي صدرت في حقه مذكرة توقيف دولية فالأمر يفرض إبلاغه بالحكم وتحديد جلسة إعادة محاكمة وفق قانون الإجراءات وتنفيذ حكم القبض لمدة 24 ساعة ليمثل في اليوم الموالي أمام قاضي التحقيق.
ويصف بيطام الحكم الصادر في حق خالد نزار في المرحلة الماضية بالانعكاس للتاجذبات الجيوسياسية والاستراتيجية التي مرت بها البلاد، وقال:ما يحدث الآن ليس أكثر من تصويب الاختلالات وهو يؤكد على أن العدالة بدأت تتجه إلى مزيد من الاستقلالية بعد مخاضٍ عسير عرفته البلاد
ونقلت صحيفة ليبرتي الجزائرية الناطقة باللغة الفرنسية عن مصادر قضائية تأكيدها أن نزار مثل أمام محكمة البليدة العسكرية التي قضت بإلغاء الشكوى وإسقاط التهم الموجهة ضده، والمتمثلة في إضعاف معنويات الجيش والتآمر على سلطة الجيش. وأشارت المصادر إلى أن مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحقه لم تكن عقبة قانونية أمام عودته إلى الوطن.
جنرال من الماضي أم ضرورة؟
ووسط قلة المعلومات المتوفرة حول المسار القانوني الذي تم الاعتماد عليه للسماح للجنرال السابق بالعودة إلى أرض الوطن انتشرت صوره كالنار في الهشيم عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر وهي تطرح سؤال: لماذا وكيف عاد نزار؟ .
وانقسمت الآراء إلى ثلاثة فئات، بين من يعتبر أن الأمر إجراء قانوني محظ ولا علاقة له بالحسابات السياسية وبين مشكك في الخطوة باعتبارها تأتي ضمن ورقة طريق سياسية جديدة رسمتها السلطة.
وصرح المعارض الجزائري المعروف كريم طابو معلقا على خطوة العودة قائلا: عودة خالد نزار تكشف تصالح عصب السلطة على حساب الحراك
والشق الثالث اعتبر الأمر انعكاسا للظروف الراهنة التي تمر بها البلاد خاصة التحديات الإقليمية واعتبار آخرون تواجد جنرال سابق بحجم نزار خارج البلاد يشكل خطراً على مصالحة البلاد وصورة المؤسسة العسكرية.
ويرى الخبير الأمني العقيد المتقاعد العربي شريف أن هناك جهات استغلت عودة نزار للتشويش وتهييج الشارع، وهي تحاول استغلال سوء إدارة الملف إعلاميا لنشر الشائعات.وقال شريف كان من المفروض أن تصدر الجهات المعنية بيانا إعلاميا واضحا بالتفاصيل خاصة وأن الجنرال المتقاعد شخصية عامة وقد كثر السؤال حول خلفيات عودته
ولا يرى العقيد المتقاعد أي مؤشرات على وجود صفقة أدت إلى عودة جنرال التسعينيات وقال: هو الآن من الماضي وهو مجرد مواطن وملفه أمام العدالة وستقوم بعملها في النهاية وإن كان من الأفضل سد الطريق أمام من يحاول استغلال الملف لأغراض أخرى عبر نشر الشائعات
ويرى الأستاذ بكلية العلوم السياسية بجامعة الجزائر رضوان بوهيدل أن قراءة خبر عودة نزار إلى الجزائر يجب أن تتم بالموازاة مع قراءة الظروف الراهنة لاسيما الإقليمية منها.
وقال بوهديل: الصورة النمطية لخالد نزار لدى العموم أنه شخص متابع قضائيا ومطلوب دوليا وأنه كان جزء من العصابة الحاكمة في مرحلة سوداء من الجزائر ولا يمكن إلغاء هذه الصورة
ولكن بالمقابل يعد وجود وزير دفاع جزائري سابق في الخارج تهديدا على الأمن الوطني بحسب بوهديل الذي أوضح أنه يمكن استغلال هذا التواجد بالخارج ضد مصلحة الجزائر بينما يعد تواجده داخل البلاد مهما من الناحية الأمنية وعودته تأتي في إطار تطبيق استراتيجية الاحتواء وهي التي تهدف للتقليص من شدة الخطر والتهديدات عن طريق التعامل ببراغماتية مع القضية بعيدا عن أي عاطفة
وبعد سفره إلى إسبانيا نشر خالد نزار العديد من التغريدات عبر موقع تويتر وكان أبرزها ما كتبه في 26 أغسطس 2019 وقال:كنت على وشك العودة إلى الجزائر عندما وصلتني معلومات موثوقة عن مشروع اعتقال تعسفي وجائر يستهدفني، سأعود إلى الوطن بمجرد عودة الوضع إلى طبيعته وعندما يتم انتخاب الرئيس بطريقة ديمقراطية
ويعتبر خالد نزار واحدا من أبرز الشخصيات المثيرة للجدل في الجزائر وهو رابع رئيس أركان الجيش الجزائري ويلقب بالرجل القوي في النظام الجزائري خلال الفترة بين 1990 و1993.
وقد وقف نزار أمام المحكمة العسكرية في مايو 2019 وأدلى بشهادته في قضية شقيق الرئيس السعيد بوتفليقة والجنرال توفيق.
وفي شهر يونيو من نفس السنة غادر الجزائر بطريقة عادية متجها إلى اسبانيا. وفي شهر أغسطس 2019 أصدرت المحكمة العسكرية الجزائرية مذكرة اعتقال دولية في حقه بتهمة التآمر والمساس بالنظام العام وفق المادتين 77 و78 من قانون العقوبات والمادة 284