أزمة اقتصادية جديدة تعصف بالشارع والسوق العراقي في آن واحد تمثلت بتطبيق ما يعرف بالورقة الإصلاحية البيضاء التي تتحدث عنها الحكومة العراقية منذ أشهر، وقد تكشفت تفاصيلها أخيرا برفع سعر صرف الدولار بـ 1450 دينارا بعد أن كان 1120 دينارا معتبرةً إياه سعرا معتمدا بالبيع من وزارة المالية إلى البنك المركزي.
إجراءات الورقة البيضاء تضمنت أيضا ما يقول عنها وزير المالية علي عبد الأمير علاوي إجراءات مالية ضرورية يعتبر مختصون أن تطبيقها سيزيد من أعباء الطبقة الفقيرة والمتوسطة.
ويقول وزير المالية إن البرلمان واللجنة المالية النيابية ورؤساء الكتل لديهم علم بالاتجاه الذي تسلكه الحكومة مؤكدا حصول الحكومة على دعم جميع الدول الكبرى وصندوق النقد والبنك الدوليين لورقة الإصلاح البيضاء.
من جانبه أكد البنك المركزي العراقي المعني الأول بهذه الاجراءات أن هذا التغيير (التخفيض) في قيمة الدينار العراقي سيكون لمرة واحدة فقط ولن يتكرر.
وسيدافع البنك المركزي عن هذا السعر واستقراره بدعم من احتياطاته الأجنبية التي لم تزل بمستويات رصينة تمكنه من ذلك.
وعلل البنك ذلك بأن الأزمة المالية التي تعرض لها العراق بسبب جائحة كورونا وما أسفرت عنه من تدهور أسعار النفط وتراجع الإيرادات النفطية أدت إلى حدوث عجز كبير في الموازنة العامة واضطرار وزارة المالية إلى الاقتراض من المصارف وإعادة خصمها لدى البنك المركزي وبمبالغ كبيرة لغرض دفع الرواتب، وتلبية الاحتياجات الإنفاقية الأخرى المتعلقة بالخدمات المقدمة للمواطنين.
وأضاف بأن الاستمرار بسعر الصرف الحالي الذي لا يتناسب بجميع الأحوال مع معدلات أسعار الصرف لدى الدول الأخرى أصبح يشكل عائقا كبيرا لإجراء التنمية الحقيقية وتعزيز التنافسية للإنتاج المحلي، الأمر الذي دفع البنك إلى التفكير الجدّي بالاستجابة لمتطلبات تمويل الموازنة بسعر الصرف الذي يتيح توفير الموارد الكافية لتغطية هذه الاحتياجات وضمان انسيابية دفع الرواتب والمتطلبات الحرجة للإنفاق الحكومي وحرصاً من البنك على تفادي استنزاف احتياطياته الأجنبية.
الاجراءات المالية المتوقع أن تلقي بضلالها على المواطن العراقي دفعت وزارة الداخلية إلى اتخاذ إجراءات أمنية استباقا لاحتجاجات شعبية ضد تخفيض قيمة العملة المحلية، فنشرت قوات من حفظ النظام حول بناية البنك المركزي داعيةً موظفيه إلى اخذ الحيطة والحذر عند الذهاب والإياب إلى البنك.وتمثل المعدلات الجديدة انخفاضاً كبيراً عن السعر الرسمي السابق البالغ 1182 ديناراً عراقيا للدولار وهو أول تخفيض في أسعار الصرف تقوم به الحكومة العراقية منذ عقود.
وحدد البنك المركزي في بيان السعر الجديد للدينار المربوط بالدولار الأمريكي عند 1450 دينارا عراقيا للدولار عند بيعه لوزارة المالية العراقية. ويباع الدولار للجمهور بسعر 1470 دينارا عراقيا وبنوك اخرى بسعر 1460 دينارا عراقيا.
وأدى خفض قيمة العملة إلى زيادة احتمالات ضعف الدينار في الشارع. وارتفع السعر بالفعل إلى 1400 دينار عراقي للدولار يوم السبت من 1300 دينار عراقي الأسبوع الماضي لدى وكلاء صرف العملات.
ونقلت وكالة أسوشيتد برس عن أبو عابد الذي يعمل في مكتب صرافة في حي الكرادة بالعاصمة قوله: توقفت عن صرف العملات
ورفض أبو عابد عميلاً لديه ورقة 100 دولار قائلاً إنه لا يمكنه البيع إلا بالسعر القديم البالغ 1300 دينار عراقي. وأضاف من يدري غدا يمكن أن يكون 1800 دينار عراقي
ومنذ انهيار أسعار النفط في وقت سابق من هذا العام، يواجه العراق أزمة سيولة غير مسبوقة.
واضطرت الدولة المصدرة للنفط إلى الاقتراض من احتياطيات البنك بالدولار لسداد ما يقرب من 5 مليارات دولار شهريا تمثل رواتب موظفي القطاع العام ومعاشات التقاعد. عائدات النفط التي تشكل 90 في المائة من الميزانية تجلب في المتوسط 3.5 مليارات دولار.
وقوبلت الجهود المبذولة لإدخال الإصلاحات بالمعارضة وحتى الآن، تقترض الحكومة داخليًا لسداد فواتير الدولة.
ويقول الخبير القانوني علي التميمي إن الصعود بسعر صرف الدولار يخالف الدستور العراقي وميثاق العهد الدولي ويمكن الطعن به إذ أنه يخالف المادتين 30 و31 من الدستور العراقي اللتان توجب على الدولة توفير الحياة الحرة الكريمة والدخل المناسب وأيضا يخالف هذا الإجراء المادتين 23 و26 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي توجب على كل دول العالم الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة الالتزام بها.
لكن اقتصاديين يرون أن خفض قيمة العملة يمكن أن يمنح العراق الغني بالنفط والذي يستورد جميع السلع تقريبًا مزيدًا من الأموال لتسديد مدفوعات عاجلة.
واعتبروا أن تحديد سعر جديد كان بمثابة توازن دقيق لتلبية احتياجات الحكومة من السيولة دون التأثير على المواطن العراقي العادي.