اللواء رضا يعقوب المحلل الاستراتيجي والخير الأمني ومكافحة الإرهاب . فى القمة الأوروبية سيتم النظر لفرض عقوبات ضد أنقرة، لاسيما وأن عدد المؤيدين لها إرتفع. ويبقى من غير الواضح كيف ستتعامل المانيا. ولكن كيف ستتلقى أنقرة هذا النوع من الإجراءات؟. خلال لقائهم الخميس والجمعة سيبحث زعماء دول وحكومات الإتحاد الأوروبى العلاقة مع تركيا. وسيتعلق الأمر خلال إجتماعهم أيضاً بفرض عقوبات ضد أنقرة. والسبب الأهم وراء ذلك هو السلوك التركى تجاه اليونان وقبرص إذ تواصل تركيا عمليات التنقيب عن الغاز والنفط فى المناطق الإقتصادية البحرية التى تعلنها كلا الدولتين الأوروبيتين مجالاً إقليميا لها. وسبق لوزراء الخارجية الأوروبيين ان تفاهموا فى سبتمبر على قائمة عقوبات ضد تركيا. والآن يعود الأمر لزعماء الدول والحكومات لتنفيذ ما تم التفاهم عليه. فى بعض الدول الأعضاء فى الإتحاد الأوروبى التى كانت لها الى حد الآن صورة إيجابية عن تركيا تدهورت هذه الصورة ـ كذلك بسبب السياسة الخارجية التركية . وهنا نذكر على سبيل المثال أسبانيا وإيطاليا وبولندا. وفى الوقت نفسه تخشى أسبانيا وإيطاليا بالتحديد من أن تقود عقوبات محتملة الى تدهور الإقتصاد التركى وتواجه بذلك مساراً مضاداً لمصالحها الاقتصادية. هذا صحيح. تركيا لم تلب أياً من الشروط التى أعلن عنها الإتحاد الأوروبى خلال قمة أكتوبر الماضى للدخول فى اجندة إيجابية. فأنقرة خرقت من جديد المنطقة الإقتصادية لجمهورية قبرص وتسببت فى نقاط خلاف جديدة. كما أن الحكومة التركية تخلت عن الاطار الدولى المعترف به لإيجاد حل لمشكلة قبرص ـ يعنى إيجاد دولة مشتركة ـ وتراهن الآن على الإعتراف بجمهورية شمال قبرص التركية وبهذا عملت أنقرة على تصعيد الوضع فى شرق البحر المتوسط. كما أن تركيا شغلت فى المهلة المحددة من قبل الإتحاد الأوروبى نظام الدفاع الصاروخى س 400 الروسى وهذا ليس بأية حال فى مصلحة الإتحاد. وإتهمت فى الخلاف مع الرئيس الفرنسى ايمانويل ماكرون فى نهاية الأمر جميع البلدان الأوروبية التى بدسها مهاجرين مسلمين بمعاداة الإسلام والتعامل العنصرى ضد المسلمين. إذن إذا ما نظرنا إلى وضع القرارات لدى الاإحاد الأوروبى وننظر كيف تعاملت تركيا، فوجب اللجوء الى رد فعل حازم ضد أنقرة. لكن السؤال المطروح هل سيحصل هذا؟. على الأقل سيكون ذلك صعباً بالنسبة لها. فعدد البلدان التى باتت غير صبورة مع تركيا إرتفع. وبالإشتراك مع اليونان وفرنسا والنمسا تصوت أيضاً هولندا وبلجيكا ودول البلطيق إضافة إلى ايرلندا لصالح تعامل حازم. وحتى فى الدبلوماسية الألمانية يكون عدم الرضا مع تركيا كبيراً. والمانيا تقدمت خطوة كبيرة الى الأمام بجهود الوساطة ودور التريث خلال القمة الأوروبية الأخيرة. غير أن تركيا لم تقدم أى شئ للمستشارة فى المقابل. أثينا استفادت فى البداية من إعلان الإتحاد الأوروبى فى بياناته تضامنه الكامل مع اليونان وقبرص. وبهذا ساند الإتحاد الأوروبى بشكل ضمنى وجهة النظر اليونانية. وعندما حصل تصعيد فى النزاع أعلنت اليونان فى وقت مبكر إستعدادها للتفاوض حول الحدود البحرية والإعتراف فى النهاية بحكم صادر عن المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى. وتركيا فى المقابل أثارت بإستمرار قضايا جديدة: الوضع القانونى للجزر اليونانية فى بحر إيجه وتسليح تلك الجزر. وبهذا ربطت أنقرة عقدة كبيرة يصعب حلها. وجمهورية قبرص عرضت على تركيا محادثات غير مباشرة أو غير رسمية. وتركيا لم ترد على ذلك. وبالطبع تتقدم أثينا ونيقوسيا بمطالب عالية، لكنهما مستعدتان لنزع فتيل التصعيد. بالفعل يفترض خبراء أن لا توجد موارد كبيرة فى المناطق البحرية المثيرة للجدل بين تركيا واليونان وكذلك قبرص. فالمناطق الواعدة هى تلك التى تعلن اسرائيل ومصر بسط سيادتها عليها. ويبدو بالتالى أنه ليست الحاجة التركية للطاقة هى النقطة الحاسمة بالنسبة الى سلوك أنقرة العنيف فى شرق البحر المتوسط. فالأمر يتعلق أكثر بتطلع تركيا الى فرض ذاتها كقوة إقليمية مستقبلية تتحكم لمصلحتها الذاتية فى الطرق التجارية والطاقة والهجرة فى شرق البحر المتوسط. وعلى هذا النحو تريد أنقرة ضمان منفذ لأسواق افريقيا الشمالية والدول الأخرى حيث هي توجد في منافسة مع قوى أوروبية.من المفت بالفعل أن أنقرة قامت فى الأسابيع الأخيرة من حكومة ترامب بتشغيل النظام الصاروخى س 400 على أمل أن تمر هذه الخطوة دون عقوبات. وتركيا تعلم أن جو بايدن سينهج أسلوباً آخر. والإتصالات الهاتفية لاردوغان فى البيت الأبيض لن يتم تمريرها بسهولة للرئيس. فالعلاقات ستنظمها بالأحرى الدبلوماسية العادية. وأردوغان يعلم أيضاً أن بايدن سيحترم أكثر مبدأ دولة القانون وحقوق الإنسان. وفى آن واحد سيحاول بايدن لجم التأثير الروسى فى المنطقة وهنا يمكن أن تساعده تركيا. فعلاقات الولايات المتحدة مع تركيا لن تتدهور، ولكن أسلوباً مغايراً سيحل فى السياسة المتبعة. وأنقرة ستحاول عرض نفسها كقوة لا يمكن الإستغناء عنها فى التعامل مع روسيا. والسؤال هو كيف سيتعامل بايدن مع ذلك.