اللواء رضا يعقوب المحلل الاستراتيجي والأخير الأمني ومكافحة الإرهاب مزارع ومقاتل ميليشيا فى شمال غرب جوندر إثيوبيا فى 8 نوفمبر/تشرين الثانى 2020. يبدو أن إثيوبيا تقترب بسرعة من شفا الحرب الأهلية. فقد أسفر القتال الدائر بين القوات الموالية للحكومة الفيدرالية برئاسة رئيس الوزراء آبى أحمد، وجبهة تحرير شعب تيغراى عن مقتل مئات الأشخاص وبات يهدد بتمزيق البلاد. وفى وقت تحتدم المعارك على الأرض يخوض الطرفان حرباً كلامية أيضاً. يحاول كل طرف منهما فيها حشد أتباعه وإقناع العالم أيضا بأن لديهم سند أخلاقى عال ومعنويات عالية. وتتهم كل من الحكومة فى أديس أبابا وجبهة التحرير الشعبية لتحرير تيغراى بعضهما البعض بالمسئولية عن بدء الصراع. وقال آبي أحمد إن ضباطا فى الجيش قُتلوا بدم بارد. وقال زعيم تيغراى دبرصيون جبراميكائيل: ثمة هجوم منسق شنته القوات الخاصة الإثيوبية وقوات من إريتريا المجاورة. والى أن يتم إجراء تحقيق مستقل، تظل الروايات المتنافسة مجرد مزاعم بدون أدلة تُستخدم لإثارة المشاعر العدائية. فقد أطيح بالإمبراطور الإثيوبى هيلا سلاسى فى ثورة عام 1974. وإستولت على السلطة طغمة عسكرية عرفت بإسم الدَرغ وهو مختصر لإسم لجنة التنسيق بين القوات المسلحة والشرطة والجيش فى الأقاليم. لن تنسى الجبهة الشعبية لتحرير تيغراى معركتها الطويلة للإطاحة بالنظام العسكرى الذى كان وراء ما عُرف بـ الإرهاب الأحمر وقد تسبت الطغمة العسكرية بما عرف بـ الإرهاب الأحمر سئ السمعة عندما قتل عشرات الآلاف من الشباب على يد النظام العسكرى ووقعت حرب أهلية طويلة ضد المتمردين فى جميع أنحاء البلاد. ويتذكر سكان تيغراى تلك السنوات بوصفها سنوات من الظلام عندما أجبرهم القصف اليومى لطائرات سلاح الجو على التحرك فى الليل فقط. وفى إحدى الغارات الجوية المريعة فى عام 1988 على بلدة هاوسين قتل 1800 من المتسوقين وحول الدخان والغبار الناجمين عن القصف ذلك اليوم الى ظلام دامس بالمعنى الحرفى. وهزم تحالف حمل إسم الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية (إى بى أر دى أف) قادته جبهة تحرير شعب تيغراى (تى بى أل أف) الحكومة العسكرية فى عام 1991 وفى اليوم الذى إستلم التحالف السلطة قال ميليس زيناوى زعيم الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية، وهو من تيغراى إن هدفه الأول هو أن يتمكن الإثيوبيون من تناول ثلاث وجبات فى اليوم. أزمة تيغراى: تصعيد خطير بعد إستهداف قوات الإقليم الإثيوبى مطار أسمرة بالصواريخ الآلاف يفرون من إثيوبيا الى السودان بسبب القتال فى إقليم تيغراى. وعلى مدار 27 عاماً من حيازة الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية على السلطة إنخفض معدل وفيات الأطفال من حوالى واحد من كل خمسة الى واحد من كل 20 طفل. وانتهت المجاعة والحرب الأهلية التى جرت على نطاق واسع فى البلاد. لكن إثيوبيا لم تر الديمقراطية. ويصف رئيس الوزراء آبى وأتباعه هذه السنوات بـ 27 عاماً من الظلام وشعر جيل صاعد من الشباب بأن أصواتهم قد كتمت وحرموا من المشاركة فى الحياة السياسية. ويعيدون أسباب ذلك الى من يصفونهم بأنهم زمرة من التيغراى هيمنوا على السياسة والجيش والإقتصاد لمصلحتهم الخاصة. وقد قادت موجة السخط تلك الى أن يكتسح آبى أحمد – وهو من إثنية الأورومو – السلطة بعد أن إختارته الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية زعيماً للحزب ومن ثم رئيساً للوزراء في عام 2018. وقام أحمد بخطوات سريعة لدفع السياسة الاثيوبية فى إتجاه أكثر ليبرالية، وحلّ تحالف الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الأثيوبية وأنشأ حزباً جديداً سماه حزب الرخاء هذه التحركات أكسبته شهرة واسعة، وعلق منتقدوه بإمتعاض قائلين إن التفكيك لا يعنى البناء فى إشارة لحله تحالف الجبهة الديمقراطية الشعبية. وأبرم آبى إتفاق سلام مع إريتريا وفاز بسبب ذلك العام الماضى بجائزة نوبل للسلام، وأصبح صديقاً مقرباً من الرئيس أسياس أفورقى، على الرغم من هدف الزعيم الإريتيرى المعلن منذ فترة طويلة هو تفكيك إثيوبيا، بدءاً من جيشها. ويعد آبى من المتدينين ومن أتباع الحركة الخمسينية (حركة دينية بروتستانتية) وغالباً ما يتحدث كما لو أنه مفوَّض من الله. وعندما تقرأ كتاباته وبضمنها رسالته للدكتوراه وكتيبات إرشادية للتطوير الذاتى فى كلية إدارة الأعمال تجد أن لديه ثقة عالية فى أن القيادة النشطة الديناميكية الواثقة من نفسها تُولّد واقعها الخاص. ويعتقد أنه يستمد الكثير من دعمه الآن من إثنية الأمهرة فى أديس أبابا ومنطقة أمهرة. لكن لم يواجه لا هو ولا حزبه الجديد أى تجربة إنتخابية. بيد أن آبى يقول إن جبهة تحرير شعب التيغراى تجاوزت الخط الأحمر عندما أجرت إنتخابات إقليمية فى سبتمبر/أيلول. ولم تأذن الحكومة الفيدرالية بهذه الإنتخابات ولم يكن حزب الرخاء قادراً على خوض المنافسة فيها. وترد جبهة تحرير شعب تيغراى بقولها إنه كان من المقرر إجراء الإنتخابات الوطنية فى وقت سابق من العام وإنها أجلت مراراً وتكراراً ويرجع ذلك بشكل جزئى الى وباء كوفيد 19 وأن ولاية الحكومة قد إنتهت دون موعد محدد لإجراء الإقتراع. ويقولون إن حكومتهم هى الحكومة الإقليمية الوحيدة بتفويض من الناخبين. وباتت ساحة المعركة السياسية هى دستور إثيوبيا إذ يعتمد فى البلاد نظام فيدرالى تدير فيه المجموعات العرقية الرئيسية مناطقها الخاصة. حرر آبى السياسيين ورفع الحظر عن بعض الأحزاب، ومع ذلك يشعر شعب الأورومو بأن رئيس الوزراء خذلهم. وقد تم تبنى ذلك فى عام 1994 بعد وقت قصير من تولى الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية للسلطة. ويريد آبى التخلى عن ذلك. وتتمتع ولايات إثيوبيا التى تشكل أقاليم بشكل فريد، بالحق فى تقرير مصيرها. وكان السبب وراء هذه الروح الإقليمية لإيجاد ضمانات فى العملية الديمقراطية ففى حال إنهارت الديمقراطية فى حكومة المركز، يُمكن للإقليم أن يختار الطريق المناسب لها. لم يطالب بذلك سكان تيغراى فحسب بل قادة الجماعات الأخرى المهمشة تاريخياً أيضاً، بما فيها الأورومو وهى أكبر مجموعة عرقية فى إثيوبيا. لم تطالب الجبهة الشعبية لتحرير تيغراى بالإنفصال. لكن منطق المواجهة اليوم يقودهم نحو هذا الطريق. واستاء العديد من الأورومو والجماعات العرقية الأخرى فى جنوب إثيوبيا من الهيمنة السياسية للجبهة الشعبية لتحرير تيغراى. لكنهم جميعاً يعتزون بقوانين الحكم الذاتى فى الدستور. وفى الواقع صوتت إحدى هذه المجموعات – سيداما – على أن يكون لها دولة فيدرالية خاصة بها العام الماضى. يعتقد البعض أن رئيس إريتريا أسياس أفورقى ربما شارك فى التخطيط لغزو تيغراى مع آبى. إنقلب آبى ضد حركة شباب أورومو التى أوصلته الى السلطة فى هذا العام. فبعد مقتل مغنى الأورومو هاتشالو هونديسا قتل أكثر من 150 شخصاً فى أعمال شغب وتعرض ما يزيد عن 10 آلاف شخص للقمع والسجن فى ظل إدارته. ومن بينهم جوار محمد مؤسس شبكة أورومو الإعلامية الذى يواجه تهماً بالإرهاب وآخر هو زعيم المعارضة المخضرم ليديتو أيالو الذى لا يزال فى السجن رغم أمر المحكمة بالإفراج عنه. وقتلت عصابات مسلحة تطلق على نفسها إسم جيش تحرير أورومو أكثر من 50 قروياً من قرية أمهرية فى منطقة ووليجا قبل أسبوعين. والقى آبى باللوم على أعداء أثيوبيا المصممين على حكم أو تدمير البلاد – وهى كلمات مشفرة بقصد بها الجبهة الشعبية لتحرير تيغراى. وتتركز قاعدة سلطة أبى فى الغالب بين النخبة السياسية من الأمهرة التى تريد الغاء النظام الفيدرالى لصالح نظام حكومى موحد. وهناك العديد من الأسباب الوجيهة لإنتقاد الفيدرالية العرقية لكن الجماعات الإثيوبية المتنوعة – مسلحة جيداً ومدركة سياسياً – أوضحت أنه لا يمكن لأحد حكمها ضد إرادتها. وتشير التقارير الواردة من جبهة الحرب الى وقوع مذبحة بحق المدنيين الأمهرة، وتقارير أخرى من أديس أبابا ومدن أخرى عن عمليات إعتقال جماعى لسكان تيغراى. وتتهم القوات الحكومية بفرض تعتيم إعلامى على تيغراى. وبفرض حصار شامل على المنطقة ومنع الإمدادات والمساعدات الإنسانية عنها. وتقول جبهة تحرير تيغراى إنها أسرت القوات الإريتيرية التى حاولت غزو تيغراى. إن هدف آبي المعلن لإعلان الحرب هو فرض سيطرة الحكومة الفيدرالية على تيغراى. ولا يعتقد أى مراقب لما يدور فى إثيوبيا أن ذلك ممكن. ولم يدل الرئيس الإريترى الذى يعتقد البعض أنه ربما شارك فى التخطيط لغزو تيغراى، بأى تصريح في هذا الشأن. ويتصاعد الصراع فى أثيوبيا ويخرج عن نطاق السيطرة يوماً بعد يوم. ومن المحتمل أن يكلف هذا عشرات الآلاف من الأرواح. وكما توقع الكتاب الأبيض عن الأمن القومى الصادر عن الحكومة الإثيوبية عام 2002: لا يمكن إستبعاد إحتمال التفكك تماماً