قال الكاتب والمفكر حسن إسميك
، إن تاريخ انتخابات الرئاسة الأمريكية، أثبتت أن من خسروا الانتخابات سيربحون مجددا، في غضون بضع سنين، لأن الصراع الحقيقي على البيت الأبيض لا يُختزل في منافسة شخصين، كبايدن وترامب، بل هو التسابق المحموم بين الحزبين اللذين يتبادلان السيطرة على الرئاسة الأميركية ومؤسساتها الدستورية الأخرى منذ مئات السنين، الجمهوري والديموقراطي.
وأشار إسميك، إلى أن فوز ترامب، القادم من عالم المال في أوضح نماذجه الأميركية، الدورة الماضية، حدثا سياسيا فريدا كسر كل توقعات المحللين ومتتبعي استطلاعات الرأي، الجميع فوجئ حينها أنهم فوجئوا بأن أصبح ترامب، سيد البيت الأبيض الجديد، وقتذاك، بعيداً بشخصيته وسماته، وحتى بسلوكه، عن شخصية الرئيس النمطية في واشنطن، كونه رجل تلاحقه المشكلات والإشاعات والتصريحات الغريبة حيث حلّ، صريح أحياناً حدّ الإحراج، ارتجالي لا يعتمد النصوص التي أعدت سلفاً، شعبوي لافت للأنظار في زمن ظن الجميع فيه أن صفحة الشعبوية قد طُويت نهائياً في الثقافة الأميركية المعاصرة.
ونوه بأنه بعد فوز ترامب المفاجئ قبل 4 سنوات، استطاع المحللون التقاط أنفاسهم سريعاً وإعادة ترتيب أوراقهم ليجدوا ألف سبب وسبب، أهمها معركة الانتخابات التقليدية لم تدُرْ بين الديموقراطيين والجمهوريين، بل بين المرشحين نفسيهما، هيلاري كلينتون التي طمحت لتكون أول رئيسة للولايات المتحدة ودونالد ترامب النموذج التقليدي المرغوب للناخبين الذين لم يكونوا مستعدين لمنح أصواتهم لامرأة.
وأوضح أن ذلك تغيّر تماما في الأسبوع المنصرم، حيث كانت أغلب الدلائل والتحليلات تشير إلى خسارة ترامب، وكان هذا هو الرأي السائد حتى في أضيق الدوائر الجمهورية، كما أن مناقشات شبه جادة طفت على السطح في ما يتعلق بتعنته ورفضه الاعتراف بالخسارة والسيناريوهات المحتملة جراء ذلك. ومع هذا خاض الحزبان الجمهوري والديموقراطي انتخابات طبيعية بالنسبة لمجلس النواب وثلث مجلس الشيوخ، وجاءت نتائجها (حتى الآن) متوقعة إلى حد ما. وقد يعني هذا تماماً أن عدم التصويت لترامب ارتبط بشكل مباشر بشخصه، وليس بسياسات الجمهوريين في الولايات المتحدة.
ولفت إلى أن كثيرين لم يصوتوا لبايدن؛ هم فقط صوّتوا ضد ترامب نفسه، في سيناريو شبيه ربما بما حصل المرة الماضية عندما صوّت كثيرون ضد كلينتون فأوصلوا ترامب إلى المكتب البيضاوي، والواقع أن أغلب تحليلات النتائج تأخذ شكلاً انفعالياً في تناول خسارة ترامب، خصوصاً تلك التي تصدر خارج الولايات المتحدة. فهناك معلقون اعتبروا الحدث في حد ذاته انتصاراً كبيراً للديموقراطية، وهذا أمر بالغ الغرابة، فالديموقراطية ذاتها هي التي أتت به رئيساً قبل أربع سنوات؛ فيما رأى آخرون أن فوز بايدن هو انتصار للقيم الإنسانية، وهذا أمر أشد غرابة من الأول، إذ استطاع ترامب، رغم خسارته، حصد الملايين من أصوات الناخبين الأميركيين، وتمكن من تثبيت شعبية شخصيته ذات السمات غير المعهودة في الإدارات الأميركية منذ عقود.
أضاف حسن إسميك، باعتقادي لا ينبغي أن تنحرف النظرة الموضوعية لما حدث إلى مسارات قيمية وأخلاقية مبالغ بها في عالم السياسة. ولا شك أن بعض من صوتوا ضد ترامب، وبعض المؤثرين في الرأي العام ممن عارضوه أيضا، قرروا ذلك بناء على تقييمهم الذاتي لشخصه، ولن يقلل هذا بأي حال من الكاريزما التي تمتع بها الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة الأميركية، والتي أهلته ليكون سيد البيت الأبيض لأربع سنوات. غير أنه لا يمكن، في المقابل، إنكار حدّة الظروف الموضوعية التي حاربته حرباً شعواء، وكان على رأسها ملف وباء كورونا الذي كان لأميركا النصيب الأكبر من تبعاته السلبية، سواء على المستوى الصحي أم الاجتماعي أم الاقتصادي.
شدد على ضرورة تفهُّم الأثر العميق للانتخابات الأميركية على السياسة العالمية والعلاقات الدولية، فالولايات المتحدة ما زالت القوة السياسية والعسكرية الأولى عالمياً، ولا شك أن تغيير الرئيس سيفرض إجراء تبديلات جذرية في الإدارات والموظفين والتوجهات التي تخص الملف الخارجي برمته. ورغم النشاط الخارجي الأميركي الذي تحقق في السنوات الأربع الماضية، إلا أنه من المتعارف عليه أن ينصبّ التركيز في الولاية الأولى لسيد البيت الأبيض، أياً كان، على الشأن الداخلي لضمان إعادة انتخابه، فإذا فاز بالولاية الثانية استطاع التفرغ أكثر للسياسة الخارجية لأنه لا يعود محكوماً بالحاجة لاسترضاء الناخبين مرة ثانية.