كتبت هدي العيسوي
قال الباحث والمفكر حسن إسميك إن العالم يترقب كل أربع سنوات، أمام وسائل الإعلام، لمتابعة الانتخابات الأمريكية، متسلحا بالإحصاءات من جهة، وبالتنبؤات من جهة ثانية، حيث إن الأنظار تتجه إلى ما اسماه سباق “الفيل” و”الحمار” نحو المكتب البيضاوي في البيت الأبيض.
وأوضح إسميك، أن الحمار والفيل، هما شعارا الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري الأميركيين، واللذَين يسيطران منذ عقود على كل الانتخابات في أميركا، وفي مقدمتها الرئاسية، مبينا أن “الحمار” وصل عن طريق الكيدية، إذ فرض تبنيه رئيس ديمقراطي في 1828 في محاولة لتحدي خصومه الذين شبّهوه بالحمار، أما “الفيل” فجاء متأخرا عن صاحبه قرابة نصف قرن، واعتمده الجمهوريون بغرض التفوق على خصومهم رمزياً، وهو الحيوان الجبار نقيض “الحمار” المعروف باستسلامه الساذج الكسول لقدره.
وأشار إلى أن هيمنة “الحمار” و”الفيل” على المشهد الانتخابي الأميركي لا تعني أنهما الحزبان الوحيدان في أميركا، فهناك حزب الخضر، وحزب الاستقلال الأميركي، وحزب الدستور، والحزب التحرري (الليبرتاري)، وحزب الإصلاح والحزب الشيوعي الأميركي وغيرها؛ لكن نظام الانتخاب غير المباشر القائم على “المجمع الانتخابي”، ومبدأ “الفائز يحصد كل الأصوات” السائد في كل الولايات (باستثناء نبراسكا وماين) هو الذي خلق حالة الاستقطاب السائدة.
ولفت حسن إسميك، إلى أن الأميركيون ينتخبون في 3 (نوفمبر) 2020، رئيس البلاد ونائبه إضافة إلى أعضاء مجلس النواب (435 نائباً)، و35 من أصل 100 من أعضاء مجلس الشيوخ، كما أن ولاية الرئيس ترامب، أظهرت أن لمجلس الشيوخ نفوذا كبيرا يتجاوز دوره التشريعي، وأن فوز أحد الحزبين بالغالبية في مجلس الشيوخ والرئاسة يوفر له قدرة نادرة على تمرير القوانين من دون الاكتراث بالحزب الثاني، حتى ولو كان هذا يسيطر على مجلس النواب.
أضاف أن الأمريكيون يصوّتون في هذه الانتخابات على موقع بلادهم بين القوى العظمى، وموقفها من الاضطرابات الدولية المتزايدة، وعلى استعدادها لمواجهة المتربصين المستعدين لاقتناص موطئ قدم يتمكنون عبره من تقويض المصالح الأميركية، كما يعبّر الناخبون في صناديق الاقتراع أيضا عن آرائهم في شكل العلاقة التي يريدونها مع إيران التي ما فتئت تعيث فساداً في الشرق الأوسط، وفي تحالفات أميركا الاستراتيجية في هذه المنطقة، وكذلك طبيعة دبلوماسيتهم التجارية، وانتعاش اقتصادهم، وكل المزايا التي حققوها من “قيادة العالم”.
تابع: أظهرت نتائج استطلاع أجراه “مركز بيو” للأبحاث حول انتخابات الرئاسية الأميركية عام 2008 أن 83% من الأميركيين يهتمون بشدة بالانتخابات، في حين أبدى 84% من الأستراليين اهتماماً مماثلاً! ولا شك في أن البعض يجد جلبة الحملات الانتخابية والضجيج الذي يصدر عن الخصمين الكبيرين، إلى جانب المظاهر والرتوش والفضائح، آسرة يصعب الفكاك منها. بيد أن آخرين حول العالم ينصرفون لمراقبة صراع “الحمار” و”الفيل” بهدف الخروج بفكرة وافية عن النظام السياسي الأميركي، واستشفاف سمات المرشحين وطبيعتهما ومقاربة كل منهما المتوقعة لقيادة العالم، ومعرفة ما إذا كانت أميركا ستتفرد بقيادة العالم أم ستشارك غيرها، وهل ستمسك بالدفة فعلاً أم ستنكفئ على نفسها وتتبع نهج “أميركا أولاً”؟
ولفت إلى أن هناك من يأخذ على بعض الدول العربية تفضيلا لأي مرشح؛ بل وتصل الاتهامات حد التخوين عند دعم الرئيس دونالد ترامب الذي وقف من جهة ضد مشروع الهيمنة الإيراني، ومن جهة ثانية مع مشروع بناء السلام في المنطقة. لا تكمن المشكلة في أن تدعم أي دولة عربية مرشحاً دون آخر، أو أن تختار المرشح بناءً على مصالحها الشخصية، بل تتمثل في عدم وضع خطط تهدف إلى تعزيز العلاقات وتطويرها في حال فاز المرشح، وبرامج بديلة لتحقيق الغاية نفسها إذا فاز المرشح الآخر.
والسؤال الجوهري الذي يفرض نفسه؛ هل استعد العرب لفوز أي من المرشحين، دونالد ترامب أم جو بايدن؟ وهل هناك لوبي عربي قادر على وضع المصلحة العربية على خريطة الإدارة الأميركية الجديدة؟ ولماذا لم يستطع العرب الوصول إلى أي نوع من الإجماع، وبالتالي القدرة على تكوين أي جماعة ضغط تحوّل العرب من منفعل ومتأثر بالسياسات الدولية إلى فاعل حقيقي فيها. صحيح أن العالم العربي والشرق الأوسط يتمتعان بأهمية بالغة في السياسة الخارجية الأميركية، وأياً كان الرئيس الجديد فهو لن يستطيع تجاهل “المصالح الاستراتيجية” للولايات المتحدة في منطقتنا. لكننا حتى اليوم لم ننجح في الاستفادة من هذا التفصيل المهم جداً، لا بل لعلنا لم نحاول حتى أن نستثمره!
كذلك لم نستفد من الجالية العربية والمسلمة الموجودة في أميركا، رغم أن عددها يكاد يساوي عدد اليهود لتكون أكبر أقلية دينية في الولايات المتحدة بحلول عام 2040 بحسب ما تشير إليه التوقعات، ما يضع بين يديها أوراق تأثير مهمة، يمكن أن تزداد قوة إذا حصلت على دعم عربي أكبر. وللمتصيدين في الماء العكر أقول مباشرة أن هذا لا يقرب الدعوات الانعزالية بالمطلق، بل هو دعوة الى المشاركة والانخراط الفعال في العملية السياسية.
ونوه بأن المنطقة العربية ليست تحصيلاً حاصلاً إلا في نظر أبنائها، وهذا مؤسف، حيث يعاني العرب، وأخص الشباب منهم، من لامبالاة شديدة تصل الى حدَّ “الاغتراب السياسي”، وهذا قد يكون في جزء منه أحد أسباب الأهوال والويلات التي شهدتها منطقتنا عبر تاريخها، الحديث عموماً وخصوصاً المعاصر. أما آن لنا أن ندرك أهمية الرقعة الجغرافية التي نسكنها، بخاصة ونحن نرى صراع القوى الإقليمية والدولية للفوز بمناطق نفوذ فيها؟ ألسنا الأجدر والأحق بهذا النفوذ؟ ألم يحن الوقت لنبني لأنفسنا مكاناً “نستحقه” على خريطة القوى والتوازنات الدولية؟ ألن نرفع عن بلادنا “لعنة الحرب” ونُحل فيها السلام فنقطف ثماره: تنمية وعدالة ورخاء ومستقبلاً لشبابنا ولأولادنا؟.